بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 31.12.2010
لست من القائلين: إن السيد عباس قد حقق أربعة أهداف سياسية مقابل صفر لإسرائيل، كما روجت لذلك الصحف العبرية، ولست من المصدقين أن إسرائيل قد أخلت بالتشدد حديقتها الخلفية في أوروبا، كي تغرس الدبلوماسية الفلسطينية أشجارها السامقة، ولن تنطلي الخدعة القائلة: إن التطرف الإسرائيلي قد أضر بمصالح إسرائيل الإستراتيجية، ومهد الطريق للحق الفلسطيني كي يفتتح المواقع السياسية التي كانت حكراً على إسرائيل.
ما سبق من لغة سياسية تتحدث عن انتصارات فلسطينية دبلوماسية في الساحة الدولية، يرددها فلسطينيون آمنوا بالمفاوضات بديلاً استراتيجياً وحيداً، ويقولون: إن ثمار هذه الدبلوماسية الناعمة التي انتهجها السيد عباس قد بدأت تظهر من خلال استعداد كثير من دول العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود سنة 67، وأن الدبلوماسية الناعمة قد أحرجت إسرائيل في المحافل الدولية، وقد تجلى الحق الفلسطيني كنجمة الصبح في سماء العالم بفضل سياسة السيد عباس الذي حول السيف الفلسطيني إلى منجل في يد الأمن الإسرائيلي.
لقد نسي هؤلاء الفلسطينيون أن سياستهم قد سهلت على إسرائيل مواصلة التوسع الاستيطاني بهدوء، ومهدت للطرق الالتفافية كي تفرض حقائق جديدة على الأرض، وهذا ما يريده "نتانياهو" من السلطة الفلسطينية، وفي المقابل لتكسب السلطة الفلسطينية دعماً دولياً كما تريد من سياستها اللينة، ما دام القرار الأمريكي يقول للفلسطينيين: نعم لتواصل الاستيطان، ولا لدولة فلسطينية على حدود سنة 1967!
الغريب في أمر هؤلاء الساسة الفلسطينيين والكتاب والمفكرين الذين يروجون لهذه الانتصارات، الغريب أنهم يعرفون بالتجربة مضمون السياسة الإسرائيلية الذكية، والتي تقوم على إنجاح حكومة يمينية متطرفة، تتوسع في الاستيطان، وتسرف في القتل، حتى إذا حققت أغراضها السياسية، وفرضت حقائق ميدانية جديدة على الأرض، يتم إسقاطها ديمقراطياً، ويتم انتخاب أعضاء كنيست جدد، يشكلون حكومة إسرائيلية جديدة أقل تطرفاً؛ تكون أولى مهماتها، صب الماء البارد على يد إسرائيل الملوثة بالقتل، وترميم صورتها المتوحشة.
هؤلاء الساسة الفلسطينيون ينتظرون التغيرات الإسرائيلية القادمة، ويحلمون فيها، وسيتحقق حلمهم حتماً، لتبدأ مرحلة جديدة من المفاوضات، تنقي وجه إسرائيل من غبار الحفريات تحت المسجد الأقصى، وفي شوارع المستوطنات، ولكن بعد أن تكون الحكومة الإسرائيلية الراهنة قد استوفت الأهداف التي فازت من أجلها، مع ضمان عدم تراجع أي حكومة قادمة عن الموقع الجغرافي الذي وصلت إليه أصابع الكباشات الإسرائيلية.
الساسة الفلسطينيون يعرفون ذلك بتجربتهم عشرات السنين، حيث تم قضم الأرض الفلسطينية تحت أبصارهم، وتم تلميع وجه إسرائيل بعد ذلك بألسنتهم هم، ولقاءاتهم.