بقلم : زهير ابن عياد ... 01.04.2010
هذا ومن مصادري الاولية مراقبة سلوك وتصرفات بدو النقب وردها المردود التاريخي الملائم . بدو النقب الذين سميتهم في ثنايا الدراسة ببدو النقب او عرب النقب واهل النقب او بادية النقب وكلها مسميات والمعنى واحد ، وهذا المصر الاولي ربطته بالمصدر الجاهلي لمعيشة الجاهليون والذي كان مقرهم الحجاز ونجد وتهامة ... فسميتهم العرب القدامى او الجاهليون او عرب الحجاز ونجد ..
ومن مصادري ايضاً التتبع لبيئة القرى الغير معترف بها , وانا من ساكنيها وهي قرى محرومة من اساليب الحياة العصرية ، قرى ما زالت تتمتع ببقايا البيئة البدوية الاولى وذلك على صعيد اللهجة والمعيشة والنظام الاجتماعي والاعتقادات وذلك كما قلنا لعدم وصول الاساليب العصرية بتلك النمطية المتواجدة في التجمعات القروية السبع( حورة – كسيفه- رهط – اللقية-شقيب السلام – عرعرة-تل السبع) كالانترنت والكهرباء والمباني , وهي من القرى التي ما زالت تقتني الابل والاغنام والخيل وتستعمل بيوت الشعر في المناسبات ، مما يشعرك ولو لفترة زمنية قصيرة ببداوة القوم الخالصة مع ما يصاحب ذلك من كرم الضيافة والفنون التراثية والمعرفة في الاصول والقول , ومعرفة الانساب والقبائل بالاضافة الى تستر المرأة في تلك القرى وعدم خروجها وقيامها بواجبها التقليدي من رعاية الغنم وتحضير الطعام ... وكل هذه الامور لقطات تثير المشاعر والنزعه الى خوالي الايام والطلل البالي. ومن مصادري ايضا اعتمادي على تاريخية الكلمات واصولها لما لها من دور ايحائي في استكشاف ذاك التاريخ ونوع الحياة الاجتماعية آنذاك.
وايضاً من مصادري الاخرى الدحية وهي فن تراثي مستوحى من حياة الاجداد ويترجم تفاصيلهم وقتها ، والعبارات المغناه اليوم هي ذاتها القديمة وتاريخ الدحيّة يعود الى حقب موغلة ، والمعروف ان اهالي النقب كانوا يدّحوا الليالي الطوال على ما يرويه لنا الشيبان ، وهي فن اخذ يعود للساحة بقوة اليوم يبين تفاصيل الحياة خيرها وشرها فهذا بداع ظلامي يتشكى ويتوجع قائلا في عبارة تدلّنا على اختفاء دور البدوية التقليدي وخروجها من البيت: "والعلم طبّ البرايا ما بين شبان وصبايا " وأشرطة الدحيّة مليئة بأسواق بئر السبع ويسموا الشاعر فيها البداع الذي بالطبع يأتي بأمور مستقاة من بيئته القديمة.
اخيرا ان جُلّ هذه الامور استقيتها من احاديث كبار السن وهي حقائق مترسبة في اذهان هذا الجيل بل ان البعض منها قد عايشناه ... والغالب عليها انها امور شفوية قديمة لم تجد احداّ يدونها ويوثقها ... والبيئة البدوية في النقب ابتعدت كثيرا عن مسارها الاول وفقدت المعايير المميزة لها حتى لهجتها نلاحظ فيها خلل واضح ، واللغة العبرية اخذت تنخر كالسوس فيها على ابسط الامور مثلا يقول البدو هالحين فالهاء هي ال التعريف في العبرية .... هذا بالاضافة الى ما تتميز به لغة النقب على صغره من اختلافات تعود لاصول القبائل فبعضهم أتى من مصر واخرى من الحجاز ولا ننسى استقرار بعض عوائل غير بدوية ارض النقب خاصة العوائل التي أتت من السواحل الغزيّة وقد ساهمت في ازالة المسحة البدوية عنها...
ومن العوامل نفسها كذلك انقراض الحياة الترحالية بما تحمله من رموز ولهجة قديمة خاصة بها , ما زلنا نسمع بقايا منها من افواه الشيبان.
وكذلك زواج بعض البدو من " فلاحات" فينشأ جيل تختلف لهجته عن السلف يليه جيل ربما ابتعدت لهجته اصلها الاول كثيرا على ابسط الامور مدينة رهط ذات الاختلاطات العديدة.
**اشخاص كتبوا عن بادية النقب
اولهم بلا منازع القائم مقام عارف العارف الذي اخرج اسفارا كبيرة تناولت أخبار القوم وسيرهم سواء في القضاء او الانساب او العادات او التاريخ ككتابه عن بئر السبع (الفردوس المفقود) وجُلّ من كتب عن بئر السبع نقل عن عارف العارف الذي عايش اجدادنا وكتب عنهم حقائق عديدة ربما لا يرضى عنها قسم منّا وتحتاج الى مراجعة وتمحيص جديد وسرد الحقيقة كما هي .
هذا وقد ظهر عرب النقب في كتب تاريخ تناولت الانساب واصول القبائل ولم تتطرق بدراستها الى ثقافتهم وتراثهم بهذه الصورة المرجوة , ومن هذه الكتب قاموس العشائر في الاردن وفلسطين لحنّا العماري تناول فيه قبائل النقب وعوائلها , وموسوعة لمصطفى مراد الدباغ بلادنا فلسطين وكتاب القبائل العربية وسلائلها قي بلادنا فلسطين ، والمهجر من بئر السبع الاستاذ احمد ابو خوصة وله بئر السبع والحياة البدوية ثلاثة اجزاء وله أيضا العشائر الأردنية والفلسطينية ووشائج القربى بينهما. والسير ماكس اوبنهايم مستشرق يهودي الماني كتب عن بدو العالم العربي ومن ضمنهم عرب النقب وكتابه البدو يمثل رؤية استشراقة بحتية عن البدو لم يسبق خوضها بهذا الزخم ، وممن كتب عن عرب النقب ايضا الاردني د. احمد عويدي العبادي ومنهم ايضا ادريس محمد صقر جرادات وكان هناك مقتطفات ولو بسيطة عن عرب النقب وذلك في كتابه الصلح العشائري وحل النزاعات في قلسطين .
وحديثا خرج كتّاب وباحثين من صلب عرب النقب غيرة على تراث هذا الشعب فكتبوا وسطروا من الامجاد الكثير ذروة سنامهم الاستاذ صالح زيادنة الذي اصدر سلسلة موسوعة التراث الشعبي في النقب ومنهم ايضا الاستاذ موسى الحجوج والاستاذ سامي ابو فريح الذي الّف رسالة كبيرة في القضاء العشائري عند بدو النقب ....انها وبحق التفاتة عظيمة نحو شعب ضارب في العمق الوجداني لامة العرب والاسلام ، قد اخذ يتململ قائلا انا هنا .
وهناك كتب عديدة اكتشفتها مؤخراً لم اطلع عليها حقيقة ومنها :
شقير – نعوم شقير : تاريخ سيناء والعرب مصر 1917.
محمد يوسف عمر العملة : انساب العشائر الفلسطينية.
بار تسفي وجدعون كريسل وعارف أبو ربيعة في كتابهما ( קסם קברים ).
والدكتور عارف أبو ربيعة له دراسات عديدة حول بدو النقب منها ما كتب في ارقي الجامعات الغربية وبلغات عديدة .
الرحالة النمساوي موسيل باللغة الألمانية arabia petraea
والدكتور إبراهيم أبو شارب من أبناء النقب أيضا.وممن كتب عن بدو النقب ايضا المؤرخ شكيب ارسلان . هذا ولم يعدم النقب اشخاص ترعرعوا في ثناياة , على حمل قضيته , فعملوا في كل فج استطاعوة , ومن ذلك صرخاتهم في الشبكة العنكبوتيه فدافعوا عن القضيه , وذكروا بشعب يقطن النقب منهم , وقد لا نحصرهم جميعا , الدكتور شكري الهزيل , والدكتور ثابت ابو راس وغيرهم كثير..
*محتوى الكتاب
وهذه المامة مختصرة تحوي ما حوته الدراسة من مواضيع وما تطرقت له , واشير اولا
الى انني قارنت في كل فصل بين عوائدنا الحالية وعوائد العصور الجاهلية وذلك لمبتغاي التاريخي في تبيان جذورنا الازلية
بدأنا وبالمقدمة كما رأيت وتناولنا فيها الدوافع واهداف العمل والصعوبات التي واجهتنا والمصادر وشحها ومن كتب عن بدو النقب ولم نحصرهم جميعا وختمناها بتعريف وعبارات متعلقة في التراث . وبعد ذلك كتبنا مدخلا للموضوع تناولنا فيه الاشتراك الثقافي والتاريخي بين عرب الحجاز ونجد وبدو النقب وتحدثنا عن مواضيع عديدة تناولنا فيها الثقافة العسكرية والزواج والفزعة واللباس والجلوس والكهان واعتقادات حول النجوم والنار والشيبان وفصول السنة وقضايا العين والغيث ودعاء السقيا واثر الحياة الدينية في البداوة والابن الاكبر ومكانته والانساب وثقافة الاطلال والتجارة والشق وباب في فنون الابداع ولغة الاشارة والامثال والتنبأ وقوة الذاكرة عند البدو واللهجة والكرم والاسماء والطعام والارض والوقت والابل ومعالم تاريخية كالشعر والامثال والاساطير ... وشوارد ادبية وقبيلة الظلام كنموذج وملاحق ...
اخيرا فان دراستنا هذه لم تتعدى نواحي الادب والثقافة ولم نتعمق تاريخيا في الاحداث التي مرت بها بادية النقب وتركنا هذا المجال للايام القادمة وعينت تاريخيا تلك النقاط المبهمة والمهمة حول البدو في النقب وعلاقتهم مع الدول الاستعمارية ، ورأينا مدى اهتمام بريطانيا ببئر السبع وعلاقات البدو مع الملك حسين الراحل وعلاقات البدو مع تركيا او اسرائيل وهلم جرّا.
فهذه اذاً دراسة تتناول بعض تصرفات وسلوك وتقاليد وطباع وثقافات بدو النقب ولم نحط بأغلبها بالطبع ، ولكنا عملنا بقدر المستطاع والله اسأل ان يوفقنا في ذلك.
وبالجملة فان المتتبع لهذه الاداب يرى تجلّي النواحي الدينية في كل شيء تراثي وذلك لاندماج العروبة والبداوة بالفطرة الاسلامية التي دونها لا رفعة لنا ولا نصر, فهذه نكرر دراسة بسيطة متواضعة لنوع من القيم والاداب البدوية وبقايا الاداب القديمة ارتأينا توثيقها من منطلق قول عمر بن كلثوم:
ورثناهن عن اباء صدق ونورثها اذا متنا بنينا
تجربة ، كلي ّآمل ان تحوز على رضاكم واستحسانكم , وآخر حديثنا ان الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين.