بقلم : موسى الحجوج ... 02.11.2010
كان أحد الأولاد اسمه محمد، وكان محمد صغيراً في العمر وكان يعيش مع أخته حمدة التي تكبره بعدة سنوات وقد كانوا الأخوين يعيشون يتامى لا أب ولا أم لهم وكانت حمدة تحب أخاها محمد كثيراً وتهتم به ولا تجعل شيء ينقصه رغم حالتهم البائسة والفقيرة، وكانت حمدة تعمل ورادة تجلب الماء من البئر والهراب للناس وبالمقابل كانوا يعطونها الحليب والخبز والطحين لتعتاش عليه هي وأخوها محمد الصغير, وكانت قرب الهرابة دمس تلطم حمدة دائماً في رجلها وتوخزها كوخز الشوكة مما يسبب لها الألم وهكذا كانت حمدة تعيش أيامها مع أخيها محمد الصغير تجلب الماء للناس وتعيش مما يعطوها الناس من حليب وطحين وخبز، وفي أحد الأيام بينما كانت حمدة تجلب الماء من الهرابة لطمت الدمس رجلها وآلمتها، فقررت حمدة نزع الدمس من طريقها لكي لا تؤذيها في قادم الأيام، وكانت الدمس كبيرة وبعد جهد كبير أزاحت الحجر من طريقها.
ويقال إن حمدة الحنونة نظرت بعد إخراجها الحجر لمكان الحجر "ويا سبحان الله، يا قدرة الله تعالى إنها لا تصدق ما تراه إنها جرة مملوءة بالذهب، نعم أن عيونها لا تكذب ، إن الله تعالى أرسل لها الجرة ليريحها من هموم الحياة وتعبها وقسوتها ومرارتها, وحملت حمدة الجرة ووضعتها على ظهر حمارتها وعادت بها إلى بيتها إلى أخيها محمد الصغير وهي غير مصدقة مما وجدته، وأعطت حمدة الناس الماء وعادت لأخيها وتناولت طعام العشاء معه.
وبعد مرور عدة أيام سالت حمدة أخاها محمد: يا محمد يا خوي يا زين الناس، لو لقينا جرة ذهب ويش نسوي فيها ؟
فأجابها محمد الصغير: يا حمدة يا زينة البنات، نشتري بها سُكر وحلو وحمار نركب عليه أناه وياكي، ومن جواب أخيها عرفت حمدة أن أخاها ما زال صغيراً ولذلك لن تبوح له بالسر، واستمرت حمدة في جلب الماء من الهراب للناس كالعادة.
وبعد مرور أيام طويلة كررت حمدة على أخيها نفس السؤال وهذه المرة قال انه سيشتري عنز نركبها أنا وياكي حتى تموت العنز، وأيقنت حمدة أن محمد ما زال صغيراً ولم تخبره بالذهب.
وكبر محمد وأصبح شاباً يافعاً وظهرت لحيته وشاربه، حينها سألته حمدة السؤال نفسه، فأجابها بأنه سيشتري الحلال والجمال ويتزوج هو وسيزوج أخته حمدة ويبني لهم قصراً يعيشون فيه أيام عمرهم، فعرفت وتأكدت حمدة أن أخاها محمد قد أصبح مدركاً ورجلاً يعتمد عليه، فأخرجت حمدة لأخيها الجرة وأعطته إياها وأخبرته بحقيقة الجرة ومكانها، وتزوج محمد من إحدى البنات وبنى قصراً له ولأخته حمدة وأخرجوا الزكاة وتصدقوا على الفقراء والمساكين.
وتتالت الأيام على حمدة ومحمد وهم في أحسن حال وكانت زوجة أخيها حاقدة وشريرة ولا تحب حمدة وكانت تضمر لحمدة الطيبة العداء والكراهية، فقررت زوجة أخيها محمد التخلص منها، فوضعت السم للأبقار والحلال حتى مات القطيع كله، وعاد زوجها من أحد الأماكن وأخبرته زوجته الحاقدة أن أخته حمدة سمت الحلال ومات القطيع فأجابها محمد إن الحلال حلالها والمال مالها وهي حرة فيه.
وبعد مرور سنة أنجبت الزوجة الشريرة ولداً جميل الصورة وفرحت حمدة لابن أخيها الصغير وكانت تلاعبه وتشتري له كل طيب وتلبسه أجمل الملابس وتعتني به كل الوقت،
فقامت زوجة أخيها محمد وقتلت الطفل البريء ووضعته في قطعة قماش كبيرة وأعطته لحمدة وتذرعت بأنها تريد جلب الماء من الهراب ولم تكن حمدة المسكينة تعلم بذلك ولكي لا يستيقظ الطفل من نومه حافظت على السكينة والهدوء، وعادت الشريرة وأمام زوجها أخذت تصرخ وتستغيث وتبكي عالياً وتقول إن حمدة قتلت طفلهم الوحيد وأخذت تلطم على وجهها وتتظاهر بالحزن والكآبة على ابنها الذي قتلته هي بنفسها وادَّعت أن حمدة هي التي قتلته، وبعد أن دفن محمد طفله وصدق كلام زوجته قرر الانتقام من أخته حمدة المظلومة.
ويقال إنه حملها معه على ظهر بعير لهم وهي تردعه عن فعله هذا وتناشده وتستغيثه لئلا يرق قلب الأخ لأخته المظلومة ولكنه حملها على البعير وسار بها إلى الصحراء ومن ثم انزلها وتناول سيفه وقطع يديها وتركها تنزف ظلماً ودماً وعاد هو لزوجته وقصره.
وكان البعير قد بكى لحمدة ولحزنها وأراد العودة لها إلا أن محمد أخاها منعه من ذلك وعاد البعير حزين لحال حمدة، ومر الوقت بقليل وأرسل لها الله تعالى الذي لا ينسى عباده إنساناً شاهدها على حالها الحزين وأخبرته حمدة بكل الحكاية وعاد بحمدة إلى زوجته، وسكنت عندهم برهة من الوقت وكانت زوجة هذا الرجل تنجب البنات فقرر الرجل الزواج من حمدة وفعلاً تزوجها وأصبحت حمدة ضرة وعاشت مع زوجها في أمان ووئام وسلام.
وجاء موسم الحج وقرر زوجها الحج لبيت الله الحرام وكانت حمدة حامل في شهورها الأولى وكانت طريق الحج بعيده تستغرق أيام وأشهر عدة ، وهيأ الرجل نفسه للحج وقبل أن يودع زوجاته همس في أذن زوجته الأولى وقال لها: إذا أنجبت حمدة ولداً حافظي عليه وأبقيها، وإذا أنجبت بنتاً اطرديها لا أريد أن أراها، وركب جمله مع باقي رجال قبيلته وسار لبيت الله الحرام.
ومرت الأيام الطويلة وبقدرة الله العالي أنجبت حمدة طفلين من الذكور، وفرحت حمدة بهم فرحاً شديداً وقهرت زوجة الرجل قهراً شديداً "ام البنات" فقررت ضرتها لطردها وهي تعلم أن زوجها سيعود بعد سويعات قلائل من الحج، فقامت "وأكْرَت" اثنين من الرعيان وأعطتهم بعض المال وقالت لهم " اذهبوا ولاقوا زوجي وقولوا له لقد أنجبت حمدة بنتين وهكذا كان ولاقوه في منتصف الطريق وأخبروه بحسب وصية زوجته فطلب منهم العودة واستباقه وطرد حمدة المسكينة، ووضعوا ابنها الأول على صدرها والثاني على ظهرها لأن يداها مقطوعتين من أخيها محمد وأركبوها على البعير وسارت إلى المجهول.
سارت أياماً وليالي في الصحراء لا تعرف النوم ولا الوقت، كانت كئيبة حزينة باكية حتى وصلت لشجره وتحتها غدير ماء وأرادت الشرب فلم تفلح لان ابنها على ظهرها والآخر على صدرها فكيف ستشرب، وبكت بكاء مراً يلين له أقسى القلوب ودعت من الله وتضرعت له وهو الخالق القهار الذي ليس بينه وبين المظلوم حاجب، وأنهت صلاتها ودعائها وها هو الفرج من عندك يا الله، انه إنسان يلبس لباساً أبيض إنه ملاك الخير، نعم إنه ملاك الخير, لقد استجاب الله لدعائها.
فكلمها الملاك وقال لها: اطلبي وستعطي، فطلبت حمدة أن يعيد الله تعالى لها يديها المقطوعتين, وأن يكون لها بيت كبير تحته بستان وحوله نهر، ومر الوقت بلحظات وها هو البيت أمامها وها هو البستان والنهر والماء، لقد تحققت أمنيتها.
وعاشت حمدة مع أولادها في البيت الذي يشبه القصر، ومرت سنوات طويلة وكبر أولادها وأصبحوا في مقتبل العمر، وجاءت إحدى السنين وكانت سنة قحط ومحل شديدة وجاءوا الناس يبحثون عن الماء والكلأ، ويا للقدر إنه أخوها محمد مع زوجته جاء ليبحث مع الناس عن الماء، وها هو زوجها الذي طردها أيضاً معهم، وسكنوا جانب بيت حمدة وأخذوا يملأون جرارهم من ماء النهر العذب الصافي، وكانت حمدة واقفة على شباك البيت بينما كانت زوجة أخيها تملأ الجرة بالماء، ورأت زوجة اخاها الشريرة صورة حمدة في ماء النهر حيث انعكست في ماء النهر، فقالت زوجة أخيها تشاكس حمدة: هذا الزين زينيه، وجوزيه بيوردنيه. فردت عليها حمدة: الزين زين غيركي، عَبي جرتكي ورَوْحِي، ولم تكن زوجة أخ حمدة تعرف أن الذي خاطبتها هي حمدة ولكن حمدة عرفتها وتأكدت منها.
وفي اليوم التالي أخبرت حمدة أولادها بكامل قصتها وطلبت منهم أن يذهبوا لأبيهم وخالهم محمد ويعزموهم عندهم للعشاء وجاء الأولاد وعزموهم وقالوا لمحمد أنت خالنا وهذا أبونا، واندهشوا واستغربوا كلامهم ولم يصدقوا ما تسمع أذانهم ومما تراه أعينهم من كلام الشباب، وجاءت حمدة وأخبرتهم بالقصة كاملة وبكى أخوها محمد بكاء شديداً مراً بعد أن عرف حقيقة الكلام من أخته حمدة، وقام واتجه نحو زوجته ليقتلها ورأته الشريرة ورأت الموت في عيونه فطلبت من الأرض أن تبلعها فبلعتها الأرض واختفت حيث لا أثر لها وعاشت حمدة مع أخاها محمد وزوجها في محبة وهناء بقية عمرهم.