بقلم : منال الكندي ... 15.01.2011
" كم وعظ الواعظون فينا وقام في الأرض أنبياء وانصرفوا . والبلاء باقٍ ولم يزل داؤنا الإعياءٍ ، حُكم جرى المليك فينا ونحن في الأصل أغبياء." المعري.
يعرف المختصين في مجال السرطان بأن جسم الإنسان يتكون من مجموعة من الأعضاء والأنسجة والتي تتكون بدورها من ملايين الخلايا، هذه الخلايا تختلف عن بعضها من ناحية الشكل والوظيفة لكنها تنقسم وتتكاثر بالطريقة نفسها. وعادة يحدث انقسام الخلايا بشكل منتظم بحيث يمكن لأجسامنا النمو والاستبدال أو إصلاح الأنسجة التالفة. هذا التكاثر يكون في وقت محدد وإلى حد معين إذا خرجت هذه العملية عن السيطرة فإن الخلايا تبدأ بالتكاثر بسرعة وينتج عن هذا ما يسمى بالورم الخبيث الذي يصعب علاجه أو الورم الحميد الذي يمكن معالجته وتفاديه في مراحله الأولى. نجد أن هذا المرض السرطاني يفتك بالإنسان المصاب به وقد يعالج منه أو لا يعالج ولكن في النهاية هو لطف وامتحان من الله سبحانه وتعالى لعبده لمعرفة قوة إيمانه ويموت المصاب ويرتاح من الآلام ذلك الورم.
ولكن هذا السرطان مقارنة بالأمراض السرطانية المنتشرة في حياتنا الاجتماعية يعتبر اخف بكثير لأن الإنسان يظل يعاني منها سنوات وتفتك به كل يوم وتتكاثر خلايا هذه الأمراض لتشكل إخطبوط يحاصر البشرية، وينهش أوصالها. فلقد صار العالم يعيش في أوحال تلك الأمراض السرطانية وهي عديدة منها سرطان التبلد الذي أصاب الشعوب العربية خاصة والشعوب العالمية عامة، فلم تعد تفرق بين الحق والباطل وتجري في اتجاه واحد نحو لقمة العيش المنغمسة بالذل.
ونوع أخر يطلق عليه سرطان الأنظمة الحاكمة التي تعث فسادا وأصبح وراثي تتوارثه الأجيال التي تعيش في بلاط تلك الأنظمة ومعدي بحيث يعُدي كل طبقات الأنظمة الحاكمة عبر الحدود والقارات فيزيد من انتشار المرض.
مرض سرطاني يطلق عليه البنك الدولي وصندوق النقد المنتشر في خلايا دول العالم وسبب كل أمراض المجاعة والفقر والحروب تحت مسمى القروض ومساعدة العالم وإغراقه في مزيد من الديون وإحكام القبضة عليه وإهلاكه.
أما سرطان الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الدولية الذي ناقض كل ما جاء في تعهداته ومواثيقه التي نهشت البشرية بدون رحمة، حيث تشعبت أنسجته وتكاثرت خلاياه الفاسدة من خلال زرعها إخطبوط سرطاني صهيوني أمريكي تحت مسمى الديمقراطية والأمن القومي والسلام.
ونوع أخر من مرض السرطان يطلق عليه الدعارة متواريا خلف مفهوم الاقتصاد القومي والدولي وبحماية الدولة والقانون وتنظيم العملية فتباع الأجساد والضمائر وتهتك الأعراض من أجل لقمة العيش أو الرفاهية والسياحة وتحت بنود حقوق الإنسان الذي هتكت قدسيته وتحول لمجرد مادة تشترى وتباع.
سرطان الدعارة الثقافية وتكمن في مدى فساد أنسجتها عبر خدمة أسواق العاهرات والعاهرين فأصبحت المجلات والإعلام بوسائله والكتب والفن كلها تصب في اتجاه واحد هو الترويج للدعارة والإباحية على أنهما ثقافة، وتم استغلال العلم والشعارات البراقة من ديمقراطية ، مدنية ، تحرر وحقوق الإنسان والتطور والتكنولوجيا من أجل التجهيل ودعم التخلف ا لعقلي الجسدي، وقبول المحتل تحت مسمى قبول الآخر وحتى أن كان الآخر يهتك أعراضهم ويفقد هويتهم وإنسانيتهم ويستعبدهم.
يقول روجيه غارودي ، في نظام يباع كل شي فيه ويشترى يتوقف الفساد، بل وحتى الدعارة عن كونهما انحرافات فردية ليصبحا قانونيين بنيويين في صلب هذا النظام. وهذا يعتبر وصفا دقيقا لما عليه الحال في أصقاع العالم وخاصة الأنظمة العربية التي انتشر فيها كل أنواع الأمراض السرطانية التي ليس من الصعب علاجها، حيث ما جرى في تونس خير دليل على بداية بتر وإزالة الأمراض السرطانية لتبدأ الأنسجة بالإصلاح واستبدال الأنظمة التالفة.