بقلم : هيام مصطفى قبلان ... 24.04.2010
في مقال للدكتور مصطفى عطية جمعة بعنوان "أدب الجسد" والذي نشر في جريدة القبس الكويتية كتب د. عطيّة : شاع مصطلح كتابة الجسد في الأوساط الأدبية في السنوات الأخيرة وهو يعني أن يعبّرالأديب عما هو موجود وملموس حسّي بالنسبة اليه ومن هذا الحسّي جسده، هذا البناء العضوي الذي حوينا ونتعايش به ونتلذّذ بحواسه .
وطرحوا فكرة التعبير عن أجسادنا بكل أعضائها دون تفريق بين عضو وآخر، يستطيع القارىءالفطن أن يعي أن هذه الفكرة تحمل في ثناياها مفهوما علمانيا ماديا أساسيا أي لا للروح ولا للتعبير عنها انما التعبير عن الجسد المادي فقط وأنّه لا قيود أخلاقية على الكتابة الجسدية فالمنظور ثابت، نعبّر عن كلّ جسدنا ولذائذه مثل الطعام والشراب والجنس .
يضيف. مصطفى عطية: وكالعادة انتقل المصطلح الى أدبنا العربي فكان أن ظهرت موجة كبيرة بين الشعراء والقصاصين تبنّت الكتابة الجسدية واشتدت الموجة أكثر بظهور رواية الخبز الحافي للكاتب محمد شكري وهي سيرة محرمة ونشرت في فرنسا وباللغة الفرنسية قبل العربية ولاقت رواجا وشهرة ببيع عشرات الآلاف من النسخ .وعلى الجانب الآخر (الأنثوي) ظهرت الكاتبة أحلام مستغانمي بروايتها (ذاكرة الجسد) بتعاطف من العلمانيين العرب معها والتي تحكي سيرتها الجنسية كامرأة، على أنها مقموعة في مجتمعها الشرقي الذكوري " .
أكتفي بهذا القدر فالمقال طويل ويحتاج لوقفة، وفي رد لي على مقاله والذي نشر في قسم الدراسات والنقد في (منتديات قناديل الفكر والأدب) وبعد أن نشره د. مصطفى في المنتدى قلت أخالفك الرأي د. مصطفى بقولك: انّ التعبير عن الجسد بكل أعضائه هو مفهوم علماني مادي ليس له علاقة بالروح، انه موضوع خطير عندما يتعلّق بجسد المرأة ولغة المرأة، التركيز في أدب الجسد أو الأدب الايروسي الذي أطلق على أدب المرأة في المدة الأخيرة على عضو دون غيره والتعبير عنه بلذة هذا ما يدعونا للقلق، لكن أن نعتبر الجسد بكل أعضائه ككل أرى في ذلك علاقة وطيدة مع الروح، لأننا هنا نفقد معنى اللذة كجنس وندخل في عوالم الحواس بكل مشاعرها، فالمشاعر لا يمكن أن تنبت داخل جسد وتنمو الاّ اذا رافقتها الروح . انّ التعبير عن الجسد ككل لا يتوقف عند لذّة أعضائه أبدا، انما يجعل لهذه الأعضاء قيمة ووظيفة باعتراف وجودها وحقها علينا ولا يمكن انكار القيمة والوظيفة لهذه الأعضاء، هذا بعيد كل البعد عن التشبيه بلذّة الطعام والشراب والجنس، نحن مجتمع تربّى على القيم وأنا أحترم ذلك لكن أن يعيش الانسان في ذات مكبوتة ولا يمكنه التعبير عن أحاسيسه ومشاعره هذا اجحاف بحقه وبحق جسده، لا أدعو لاباحية التصوير في الأدب عن تفاصيل الجسد انما أؤكّد أنّ معظم الروايات التي تكلّمت عنها في مجتمعنا العربي كانت بأسلوب خانق ومحاصر خاصة بقلم الأنثى، أما تطرقك لمحمد شكري وروايته الخبز الحافي، فأعتبرها سيرة ذاتية ورسالة للمجتمع عن استغلال الجسد من أجل الحصول على رغيف الخبز، وقد منع طبعه أولا بالعربية لأن المجتمع العربي ليس له معرفة عن مفهوم التعبير عن حاجة الجسد لأي من الأسباب بل اعتبره شاذا وبذيئا واعتبرت روايته جنسية .
والآن أضيف: ليس من منطلق الدفاع عن الأنثى وليس دفاعا عن ما تكتبه المرأة عن الجسد انما لهذه الهجمة والاتهامات التي يكيلونها على هذا النوع من الأدب حتى النقاد والمثقفين ينظرون الى أدب الجسد عند المرأة أنّه محرّم وهنا يراود ذهني ما قاله الكاتب سعدي يوسف عن علاقة الانسان بالجسد وعن اعجابه بالشاعر اليوناني (يانيس ريتسوس) والذي ترجمت له مقاطع وأشعار من أدب الجسد أو ما يسمى (الايروتيكا في الأدب): وأنا أقرأ شعر ريتسوس أحسّ أنّ وراء القصيدة جهدا عظيما وروحا مصفّاة وما نلمسه أيضا في قصائد ايروتيكيا أنها وجه آخر لذلك الألق والتوهّج، كأن الجسد داخل معصرة الجلد، واللغة تترقرق على سواحل سرير اللذة وآتي بأمثلة ترجمها الشاعر والمترجم هشام فهمي في موقع (الحافة) عن أدب ريتسوس:
* جسدك غير مرئي / قابل للّمس / عصفوران تحت ابطيك / صليب على نهدك ولا موت /
** ألمس أصابع قدميك / كم هو متعذّر على هذا العالم أن يحصى .../
وهنا أتساءل هل يحق لرجل أن يكتب ما يشاء؟ وهل نحن فعلا أخذنا من الغرب هذا المصطلح، هل جسد المرأة العربية يختلف عن جسد المرأة الغربية؟ وماذا عن العقل؟ وهل ما كتب من روايات وقصص وأشعار بقلم الأنثى عن الجسد يعتبر مهينا الى هذا الحد ليخرج شيوخ القبيلة من أقبيتهم، ولينزل الأمراء عن عروشهم، ولتفتح نوافذ الأدب المترهل الفاضح الذي يعرّي الجسد؟
لقد اعتبر البعض أن كتابة المرأة عن الجسد من المحرّمات ومن الممنوعات، واتهموها بتفريغ شهواتها نتيجة الكبت، والحصار، والقمع الذكوري، وأتوقف عند نقاط ربما ألخص من خلالها رأيي في الموضوع الذي يثير جدلا في الأوساط الأدبية والذي علينا قبل التطرّق للموضوع أن نعتبرها مفاتيح للأسباب، وللاتهامات، وللتحريض، والتشهير:
1) احترام الجسد
2) نظرة الرجل الشرقي للمرأة ...
3) علاقة الانسان بجسده
4) التربية في التعامل مع الجسد
5) علاقة الرجل بالمرأة
6) كيف تتقبّل جسدك
7) المرأة الآلة التي لا تتعب
8) حق الجسد علينا
9) التغذية والجسد
وأتساءل هل الرجل الشرقي تربّى تربية صحيحة عن ثقافة الجسد واحترامه لجسده، وكيف ينظر الى المرأة؟ انّ (عملية الختان) والتي نفّذت بالمئات والآلاف من الفتيات في سن مبكّرة ظنّا أن الختان يجعل من جسد المرأة جمادا بدون مشاعر ولتفقد عنصر الشهوة واللذة، وبذلك تبقى الأنثى الجسد المباح للرجل من أجل التناسل فقط وليس في ذلك أي احترام لجسد المرأة الذي امتدت اليه أيدي قاسية لتعبث بمكان حساس هو ملكها ولها ومن حقها، وعندما كتبت الأديبة نوال السعداوي عن موضوع الختان في قصصها قامت الدنيا ولم تقعد لأن ذلك يثيرحفيظة الرجل المتزمت، الذي لم يتربى على مفهوم علاقته بجسده، للأسف الشديد معظم الرجال في مجتمعنا ينظرون للمرأة كجسد فاللقاء الأول بينهما ليس تعارفا فحسب وانما (الى السرير) لأن الرجل داخل مجتمع شرقي أيضا يعاني من الكبت وليس فقط المرأة ومن هنا علاقته بجسده لا تتعدّى موضوع التغذية والشراب،، وفي هذا أيضا ونحن كلنا مخطئون اذ لا نربي أولادنا وبناتنا منذ الصغر عن العلاقة الحميمة بينهم وبين أجسادهم، علاقة احتواء وحب، ورضا، وعطاء، وأنّ ملامسة الجسد في سن صغيرة تعني اكتشافه لنفسه، والتقرّب منها، أرى أن التربية بالتعامل مع الجسد ككل هي تربية صحيحة اذ هنا العلاقة ليست التعبير فقط عن لذة ونشوة وانما اتحاد بين الروح والجسد . لم يعتد لا الرجل ولا الأنثى بمجتمعنا المكبوت أن يتقبّل جسد الآخر ويحتويه حتى أنه يخال للرجل أن المرأة جسد في الفراش وهو المنفّذ، عليها مهمة ويجب أن تتمها على أكمل وجه، والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل عملية التوحّد بين جسدين ليس لا علاقة بالروح، بالنفس البشرية، بالكائن الحي الذي يختلف عن الحيوان بعقله والذي لا يتعاطى مع هذه العلاقة بشهوة الغريزة الموجودة عند الحيوان؟ وكأني بالمرأة آله لا تتعب وعندما تنتهي مهمتها توضع في مخزن لقطع الغيار ويشترى مكانها، حتى في عصرنا هذا تقبّلنا لأجسادنا فيه الكثير من الحدود، فيه الكثير من الممنوع، فيه الكثير من التردّد، اذ أنّ اكتشافنا لأجسادنا في سن صغيرة ومنعنا من الاقتراب ولمس الأعضاء كحب استطلاع أدى بهذه العقلية أن تتفاقم ويغيب عن الذهن أنّ المجتمع هو السوط والجلاد لامرأة تبوح بوصف جمال جسدها والتعبير عن مشاعرها بصدق، فهل اذن أن (هذه الظاهرة) في الأدب هي حقا لها علاقة بالايروسيا أم أنها تتوقف عند حدود معينة، وهل سببها الكبت؟ أو الشهرة، أو التنفيس عن غربة النفس داخل مجتمع يبيح لنفسه الاستمرار بقراءة (ليلى والذئب) ويضع حدودا لمسافات الغابة التي تقطعها ليلى وهي تحمل سلّتها المليئة بالكعك؟
المرأة حين تكتب، تكتب بصدق وان كتبت فهي ربما تعرّي المجتمع الذكوري من جرمه بحقها وبحق جسدها، ورسالة الأديبة أو الأديب على حدّ سواء ليس الشهرة ولا الاغراء ولا الأضواء انما رسالة كلّ منهما (رسالة اصلاح اجتماعي) ونحن بحاجة لهذا الاصلاح ليس فقط جسديا انما فكريا فالجسد والروح لن يكتملا الاّ اذا قادهما فكر متّقد، متحرّر، مكتمل، فهل نستطيع الحصول على اشباع روحي وفكري دون اشباع حاجات الجسد .
انّ المتزمتين والذين يشيّعون بأصواتهم أن أدب الجسد هو ايروسي فقط تجاهلوا العلاقة القائمة بين الجسد من جهة والعقل المتمم وهنا تشكيل الانسان ككل روحيا وماديا .
ويبقى السؤال هل نحن أمّة تتلذّذ بحواس الجسد فعلا، وكيف ويا للسخرية ونحن نعاني من خواء وفراغ فكري وروحي؟
حين قرأت رواية (حكاية زهرة) للكاتبة حنان الشيخ والتي اعتبرها البعض خارجة عن مبادىء الكتابة (النسائية) وكأنّ الكتابة تفرّق بين قلم أنثى ورجل،،وجدت أن الكاتبة لم تكتب سيرتها الذاتية في أحداث الحرب في لبنان بقدر ما صورت استغلال الرجل لجسد المرأة حتى في وقت الحرب والدمار، تحت الدرج، وفي القبو، روايتها بمشاهدها المؤلمة جاءت لتعرّي نظرة الرجل حين تأتيه فرصة لتتورط معه امرأة. أحلام مستغانمي في (ذاكرة الجسد) وفوضى الحواس اتهمت بتعرية الجسد ولم ينظر النقاد اليها الاّ كسيرة ذاتية تعاني كاتبتها من الكبت والشوق لحضن رجل، وأسألهم : هل فهموا مدى علاقة أحلام مستغانمي بجسدها؟
الكاتبة والروائية ليلى العثمان في روايتها (صمت الفراشات) هل جسّدت المشاهد لعلاقة بين فتاة ورجل بسن والدها علاقة (ايروسية)؟ لا،، وألف لا،انها أوصلت رسالة فاضحةعن مجتمع ما زال يتعامل مع جسد المرأة كسلعة تباع وتشترى، وفي نفس الوقت محرومة من التعبير عن أحاسيسها لتلتزم الصمت تحت مقصلة المجتمع الذكوري الذي يمنع منها اطلاق صرختها، فتلتزم الصمت، صمت الفراشات في عمر الصبا، في موتهن على سريرالشهوة، وحكم القوي، الأب، والأخ، والزوج .. ماذا اذن هل تصمت المرأة الكاتبة لأنها تعرّي هذا المجتمع؟ هل تصمت كي تنقاد لمجتمع مكبوت؟ هل تصمت لأن حدود اللغة تجبرها أن تعود أدراجها وتلعق معاناتها وهمّها الأنثويّ ؟
للأسف نحن ننقاد وراء عقلية متوارثة عبر العصور، انقياد أعمى يخاف من الانفتاح الثقافي والاجتماعي والتكنولوجي الذي يحدث في العالم، انقياد يلتزم التستر وراء أقنعة غبية آن لها أن تسقط، انقياد وراء القبيلة، والحارة، والقرية، والحرام بالسر .
المرأة الكاتبة أثبتت أنها تستطيع مضاهاة الرجل المبدع بمعظم أنواع الفنون والأدب / الشعر، القصة، الرواية، والأبحاث العلمية، والتاريخ .
وهمسة: دعونا ننظر الى الأعمال الأدبية نظرة خالية من هذه المفاهيم الاّ للخارج عن الآداب والسلوك منها، وأن نتعامل مع الأدب كلغة وأسلوب وجمال، وابداع ولا شك أنّ العمل الناجح لا يتوقف عند مشهد في رواية قد تخطّى المفهوم المتعارف عليه انما أن ننظر للعمل ككل كما ننظر لاحتوائنا أجسادنا ككل وليس النظر الى الجسد كل عضو لوحده، وأن نتوقف هنا ونتردد ..!