بقلم : رشاد أبوشاور ... 09.02.2011
هي ثورة شعب مصر التي تهزّ العالم منذ 25 كانون الثاني/يناير، والتي فجرها شباب لم يحسب لهم حساب، وشعب يحتضنها ويتبناها ظنّ نظام الاستبداد والنهب والفساد أنه أنهكه، وروضه، ونومه.
وهي ثورة أبرزت الوجه الحضاري لشعب مصر العريق منذ اليوم الأوّل للثورة التي بدأت كما لو أنها حدث يمكن أن يكون عابرا رغم قوته، ولكنه تطوّر، واتسع، وامتد، فإذا به يشمل كل مدن مصر، وكل فئات الشعب، و..تلتحق به القوى السياسية بعد دهشة وحيرة وتردد.
ثورة حددت الهدف الكبير: إسقاط النظام، وكان الشعار المدوي، وما زال: الشعب يريد إسقاط النظام، والذي صدحت به حناجر ثمانية ملايين مصري في اليوم العظيم، يوم الثلاثاء المشهود...
وحتى يسقط النظام رُفع شعار: الشعب يريد إسقاط الرئيس، لأن الرئيس هو الحاكم المطلق الصلاحية منذ 29، وفي ظله ترعرع الفساد، والاستبداد، ونهبت ثروات البلاد، وبطشت أجهزة القمع بالشعب، وكممت الأفواه...
ولأن نظام الحكم غبي، أفرادا ومؤسسات، فقد لجأ لحجب الإنترنت، والفيس بوك، وأوقف خدمات الخليوي، ثمّ حجب فضائية الجزيرة..وبظنه أنه سيوقف الثورة، ظنا منه أنها(نزوة) شباب يستخدم تكنولوجيا الاتصال، وأن فورته عابرة!
لكن الثورة اشتعلت أكثر، والشباب أوجدوا طرقا للتواصل، وبات من الواضح أنهم يتميزون بالعناد، والإرادة، ومعرفة ما يفعلون، وهذا ما جسدته شعاراتهم التي هي أهداف للتغيير الثوري في مصر.
التظاهرات المليونية الحاشدة والتي بلغت قرابة 8 ملايين في المدن المصرية الرئيسة، قالت للعالم بأن ما يحدث ثورة...
رد نظام الحكم كان غبيا تماما، فضح جوهر سلوكه، وتفكيره، ونظرته للشعب في مصر، وهذا ما شاهده العالم بدهشة وذهول وهو يرى اندفاع البلطجية وهم يحملون السيوف ويطلقون الرصاص على المحتشدين في ميدان التحرير، و..ليتوّج غباءه بدفع عشرات يمتطون الجمال، والخيل، والحمير..إلى ميدان التحرير..وتلك كانت صورة نظام حكم، وحاكم ديكتاتور أدار حكم البلاد بهؤلاء البلطجية، وبمن يحركونهم.
شعب حضاري، مثقف، ينشد الحرية، وبناء مصر حديثة، يحمي مدنه وشوارعه، ويتصدى للبلطجية ونهبهم وجرائمهم، ونظام حكم وقح وسمج، وسطحي، وبلا أخلاق..يتخبط مقترفا الخطأ وراء الخطأ.
ميدان التحرير بات قبلة العالم، إليه تنشد الأنظار، والقلوب، ولكنه بالتأكيد بات هدفا لأعداء مصر، الذين هم أعداء الأمة من محيطها إلى خليجها.
ونحن نتابع بفخر وسعادة وأمل نهوض شعب مصر، وثورته العارمة الكاسحة، فإننا مع ذلك، ومع دخول الثورة في الأسبوع الثالث نشعر بقلق على هذه الثورة، لأننا نرى فيها ثورة العرب جميعا، فتحرر مصر وامتلاكها لاستقلالها وسيادتها وحريتها، يعني عودتها لأخذ دورها اللائق بها عربيا.
أي مواطن عربي بسيط يعرف أن أمريكا لن تترك شعب مصر ينتصر، لأن هذا سيؤدي إلى انهيار نفوذها في الوطن العربي، وسيؤدي إلى دعم شعب فلسطين، وإنهاء الحقبة التي ترك فيها وحيدا، ودعم المقاومة في لبنان والعراق، وانتقال شعلة الثورة من مصر إلى أقطار عربية أُخرى، إلى أن يكتمل تحرر الأقطار والشعوب العربيّة، وهو ما سيمهد لنهضة عربية يدرك أعداء الأمة ما الذي ستحدثه عالميا.
المشهد المبهر في ميدان التحرير مشهد يوم الأحد 6 شباط/فبراير، يوم الشهيد، اليوم الذي صلّى فيه المسلمون صلاة (الغائب) على أرواح الشهداء الحاضرين في قلوب الملايين، شهداء الثورة الذين بلغ تعداهم مئات الشهداء..والقداس الذي أقيم في الميدان، وعقد قران شابين من معتصمي وثوار الميدان، والزغاريد، والغناء، وفرح الشباب وهتافاتهم:
ارحل ارحل ارحل
هذا المشهد القيامي يقدم صورة الإنسان العربي الحقيقية التي غُيّبت، وشوهت، ومسخت.
الثقافة التي تهب رياحها من ميدان التحرير، والتي انطلقت من تونس، تبشّر بزمن عربي آخر، نقيض لزمن التبعية والفساد والإقليمية والطائفية، والقمع، زمن ثقافة المقاومة، والنهوض، والبناء، والاستقلال، والعدل، والكرامة، والأخوّة العربيّة...
ولذا يخاف من هذه الثورة حلف الأعداء: أمريكا، والكيان الصهيوني، والطغاة العرب الفاسدون.
وهؤلاء لن يتركوا ثورة مصر تنتصر إلاّ رغم أنوفهم، وبقوة الجماهير، ووعيها وتمسكها بأهدافها، وفي المقدمة: رحيل الدكتاتور.
ستحاول إدارة أوباما المتصهينة التي فجأة أخذت تبدي تعاطفا مع ثورة شعب مصر، تلميع وجوه من داخل نظــام مبارك، ودفع هؤلاء لتقديم وعود بالإصلاح، والقيام بخطوات استرضائية..ولكن الهدف سيبقى الهيمنة على مصر، ومواصلة قيام نظام حكمها بدوره الذي حددته له أمريكا، وفي المقدمة حماية حدود الكيان الصهيوني، ودعم القيادة الفلسطينية التفاوضية، ومعاداة المقاومة في أي مكان من بلاد العرب.
ملايين العرب يرون في ثورة مصر ثورة الأمة جميعها، وفي المقابل الثورة المضادة بدأت هجومها المعاكس، وبهدف إفراغ ثورة شعب مصر من هدفها الاستراتيجي وهو التخلص من مبارك (الملياردير) ..كمقدمة لإنهاء نظامه التابع.
السماسرة، والوسطاء، والمستعقلون فجأة ـ وكأن الثورة يقوم بها شباب طائش!ـ والطامحون الانتهازيون، بدأوا يلعبون دور السوس في الثورة!
من يوافقون على بقاء مبارك حتى نهاية ولايته ليشرف على الإصلاح يهدفون إلى خداع الثوار الشباب، وكل شعب مصر، فمبارك يحكم منذ ثلاثة عقود وهو فصّل الدستور على مقاس كرسيه، وديمومة حكمه الاستبدادي، وتوريث ابنه.
من يتحدثون عن الدستور يعرفون أنهم يكذبون ويدلسون، فالشرعية الثورية هي التي ستكتب دستورها، وتبني مؤسساتها التي تخدم الحكم الديمقراطي العادل.
مع اشتداد التآمر، ومحاولة الالتفاف على الثورة، نزداد قلقا، مع ثقتنا بأن شعب مصر الذي أبدع شبابه ثورته العظيمة، سيبقى يقظا، ولن يثق بأي واحد من أزلام النظام الذين لا يقلون خطرا عن مبارك، والذين سيفتكون بأبناء مصر إذا ما تمكنوا من استعادة الهيمنة على الشارع، فالبلطجية موجودون، والسجون موجودة، والقانون غائب منذ ثلاثين عاما، وأحكام الطوارئ، التي بموجبها يحاكم المواطن المصري أمام محاكم عسكرية، ويقتاده زوار الفجر إلى معتقلات لا حقوق له فيها، حيث التعذيب الوحشي.
ثورة مصر ستنتصر إذا ما اقتلعت الدكتاتور، ووضعت أسس تغيير النظام، كما حدث في تونس، وأُنهي حزب الفساد(اللا وطني)، وحرم رموز النظام من الجلوس مكان (معلمهم) الملياردير الذي افتضح أمر ثروته التي تكفي لسداد ديون مصر..وإيجاد عمل لكل الشباب المحرومين من العمل!
الخطر على ثورة شعب مصر، يأتي من حجم مصر، وقدرتها على تغيير الحال العربي.. فمصر هي عمود البيت العربي، وانحيازها لأمتها سيؤدي إلى هبوب رياح الحرية لكّل العرب.
ثورة مصر بدأت تهز العالم، وتقدم لكل الشعوب نموذجا عربيا، بعد ثورة تونس، في القرن الحادي والعشرين، الذي ارادته أمريكا قرنا أمريكيا آخر بعد هيمنتها في القرن العشرين.
من حرصنا، وحبنا يا أهلنا في مصر، نتمنى عليكم أن لا تسمحوا بسرقة ثورتكم.
ومن حبنا لمصر نناشد عمالها تحديدا أن ينضموا لثورة شبابها، فهذه فرصة تاريخية لاستعادة مصانعكم..افعلوا ما فعله الاتحاد التونسي للشغل الذي نصر ثورة شعب تونس، وكتب فصلا مشرفا في مسيرة الطبقة العاملة التونسية.
ومن تقديرنا لجيش مصر نناشده أن لا يبقى على الحياد غير الإيجابي، فجيش تونس نصر شعب تونس..وأسهم في طرد الدكتاتور!
نحن يا أهلنا نعيش معكم في ميدان التحرير، فلا تدعوهم يحاصرونكم في ميدان التحرير، فالرهان أن تهزموا الثورة المضادة رغم ضراوتها، وأن تجددوا شباب مصر، لتكون مصر نبراسا ثوريا عربيا وعالميا...