أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
معركة كسر العظم: حرب استنزاف بين نظام مبارك والشعب المصري!!

بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 12.02.2011

قد تُدغدغ عملية نزول الجيش المصري الى الشوارع مشاعر الملايين من المصريين والعرب لكون الجيش جيش وطني ويحظى بتاريخ حافل في تشكيل المشهد السياسي في مصر منذ عقود من الزمن, لكن يبدو لي ان دور الجيش المصري في هذه المره هو دور اخر ضمن شبكة من الادوار الذي احاكها النظام المصري والغرب الامبريالي بهدف ترتيب اوراق النظام وافراغ مطالب حركة الشارع المصري من فحواها من خلال الرهان على الزمن وعلى نفاذ قوة دفع المظاهرات لتعود الاوضاع لما كانت عليه من قبل وبقاء حسني مبارك لفتره في الحكم حتى تتمكن امريكا والنظام المصري من ترتيب اوضاع نظام الحكم لضمان استمراريتة واستمرار نهجه من خلال تنصيب وجوه جديده من داخل النظام نفسه وتكحيل التشكيله المعَّدله ببعض من الشخصيات والرموز السياسيه المصريه المعارضه او شبه المعارضه وبالتالي وما لا ينتبه له حتى الان الكثيرون هو ان الذي اصدر الاوامر للجيش المصري بالتمركز في المدن المصريه والتدخل المباشر هو حسني مبارك نفسه الذي تطالب الملايين برحيله وتقديمه للمحاكمه وهو نفسه الذي يصر على البقاء في الحكم ويصف المتظاهرين باللصوص لابل ان الطاغيه مبارك لم يتطرق في خطابه الاخير لا من بعيد ولا من قريب للضحايا المصريين الذين سقطوا برصاص شرطة النظام وفي هذا الاطار يبدو ان سحب قوات الشرطه والامن من الشوارع المصريه واخلاءها لصالح سلطة الجيش كان امرا مدبرا بهدف امتصاص النقمه الجماهيريه على اساليب القمع البوليصي وتقديم صوره ايجابيه من خلال الجيش المصري كمناصر لمطالب الشعب يلبس كفات مخمليه ولا يقمع جموع المتظاهرين كما فعلت شرطة النظام والسؤال المطروح : لماذا لم يحسم الجيش المصري الموقف طيلة ايام الانتفاضه المليونيه؟ ولماذا طالب الجيش المتظاهرين بالعوده الى بيوتهم في اعقاب خطاب مبارك الاخير؟؟
الجواب على الاسئله اعلاه ينطلق من فرضية الخداع السياسي ومن مقولة " تمسكَّن حتى تتمكَّن" ودور الجيش المصري في هذه الحاله للاسف دور محبوك وواضح وهو البقاء في الشوارع لتخدير الجماهير وكسب الزمن من جهه وحماية نظام حسني مبارك من جهه اخرى وبالتالي ورغم احترامنا التاريخي للجيش العربي المصري الا ان دوره في الاحداث الجاريه في مصر دور يندرج ضمن منظومة ادوار كثيره احاكها النظام والغرب بهدف استنزاف قوة الدفع الجماهيري المطالبه برحيل مبارك نفسه حتى يتسنى للنظام والغرب ترتيب الاوراق واعادة النظام المصري بعد عملية طلاءه وتكحيله الى دفة الحكم ونفس والنهج بوجوه جديده هي في الواقع الوجه القبيح الاخر لمبارك نفسه والنظام المصري الحاكم وفي هذه الحاله لا يختلف عمر سليمان عن مبارك لابل ان سليمان هو رجل اسرائيل وامريكا بامتياز... الذي جرى منذ بداية الثوره المصريه وتحديدا منذ 25.1.2011 هو تسلسل لمواجهه بين ثورة الشعب المصري ومطالبه من جهه ونظام الحكم المصري والغرب من جهه ثانيه وبالتالي ماجرى حتى الان في اطر هذه المواجهه هو حرب استنزاف وصل او سيصل الى مرحلة كسر العظم في مرحلة من المراحل او في الايام القادمه وقد تسلسلت الاحداث ضمن سيناريو الاستنزاف الذي وضعه نظام مبارك كالتالي :
1. عملية نزول الجماهير المصريه للتظاهر بهذا الزخم الهائل اذهلت وفاجأت نظام مبارك الذي حاول قمعها بالقوه ولم يفلح ولذا جاءت اوامره للجيش بالتدخل والانتشار وفي نفس الوقت سحب قوات الشرطه من الشارع لتطبيق سيناريو الفوضى الامنيه المقرر والمخطط له مسبقا تحت شعار اما نظام مبارك او ال فوضى وهو المخطط الهادف لتشويه صورة الثوره واهدافها وفي نفس الوقت تخويف الشعب من البديل وهو الفوضى والسلب والبلطجه كما زعم ويزعم نظام الحكم في مصر..... النظام اراد تشويه صورة الثوار والاحتجاجات الشعبيه واظهارهم كقطاع طرق ورعاع من خلال حرق المحلات ونهبها بصوره مبرمجه يبدو بجلاء ان النظام نفسه هو الذي يقف وراءها من منطلق اثبات ان سقوط النظام يعني الفوضى...الهدف في هذه الجزئيه هو تشويه صورة الحركه الشعبيه المطالبه برحيل مبارك... اما مبارك او الفوضى..
2. دورالجيش المصري:ماهو لافت للنظر في تدخل الجيش المصري وانتشاره السريع في القاهره والمدن المصريه الاخرى هو ان الاوامر صدرت من حسني مبارك نفسه الى هذا الجيش الذي يحظى بالاحترام من الشعب المصري, ولكن الدور المناط بالجيش هو بالتأكيد ليست في صالح الثوره ومطالب الشعب وعلى راسها رحيل حسني مبارك والواضح ان مبارك قد ورَّط الجيش المصري ولربما شوَّهه صورة هذا الجيش اللتي عشعشت صورته الوطنيه في وجدان الشعب المصري الذي لم ياخذ بالحسبان ان هذا الجيش صار تابع للنظام المصري وخاضع لاوامر نظام حسني مبارك القائد العام لهذا الجيش...السؤال المشروع في هذه الحاله هو:: هل الجيش المصري في هذه الاثناء جيش الشعب ام جيش النظام الذي يطلق بلطجيته على المتظاهرين في ميدان التحرير بينما يقف الجيش المصري جانبا لابل يطالب المتظاهرين في بيان له الاربعاء؟2.2.2011 بالعوده الى بيوتهم وكأن اهداف المتظاهرين قد تحققت...باعتقادنا ان دور الجيش المصري غير واضح لكن كفة ميزان هذا الجيش تميل حتى الان لصالح النظام وفي الوقت نفسه يلعب الجيش لعبة تضليليه وتخديريه وكأنه بالفعل حاضن للثوره ومطالب الجماهير اللتي تطالب باسقاط حسني مبارك... من المؤسف القول ان مبارك استعمل الجيش المصري الوطني كأداه بديله لشرطة النظام المكروهه جماهيريا واللتي ارتكبت جرائم جمه بحق المتظاهرين والشعب المصري... ورغم العواطف الجماهيريه الجياشه والموقف المصري التاريخي من الجيش المصري, الا انه للاسف في هذه الاثناء جيش للنظام وليس للشعب....هذا الجيش المنتشر في شوارع المدن المصريه تابع للنظام ولو اراد ان يحسم الامر لصالح الشعب كما فعل الجيش التونسي, لفعل هذا.....بالمحصله النهائيه دور الجيش المصري الراهن سلبي وليست ايجابي وهو الذي يحول دون اسقاط النظام المصري كما تطالب الجماهير المصريه..
3. تعيين عمر سليمان كنائب لمبارك: هذا التعيين ل عمر سليمان كنائب لمبارك هو تعيين امريكي اسرائيلي بامتياز ويخدم رموز ومشتقات النظام لابل هو محاوله للحفاظ على استمرارية النظام و كسب الزمن لصالح ترتيب اوراق النظام وضمان استمراريته من خلال رموز جديده على راسها يقف نائب مبارك المدعو عمر سليمان الذي يعتبر افضل اصدقاء اسرائيل وامريكا في مصر وهو رمز من رموز الفساد والخنوع والهزيمه التي صبغت نظام مبارك منذ ثلاثة عقود, وهي العقود الذي دمَّر فيها مبارك وسليمان دور مصر وعروبة مصر وجعل من مصر مجرد دوله او سلة مصالح امريكيه واسرائيليه... لا اكثر...عمر سليمان هو الشخص اللتي تراهن عليه امريكا واسرائيل في هذه الاثناء وبقاءه يعني بقاء النظام لحما وعظما ونهجا..رحيل مبارك وبقاء عمر سليمان هو الامر اللتي تحاول ترتيبه امريكا والنظام المصري من خلال استراتيجية حرب الاستنزاف التي يراهن فيها النظام المصري والغربي على استنزاف قوة المتظاهرين وزخم المظاهرات وشق صفوف المعارضه وتكييفها سياسيا مع المرحله القادمه التي تحافظ على النظام القائم في الفحوى والنهج مع تغيير في الشكل وتكحيل النظام بعناصر من خارج حزب مبارك الحاكم.... استنزاف زخم وقوة المظاهرات الشعبيه هو عنصر رئيسي في حسم معركة كسر العظم..
4. معركة كسر العظم : ما يجري الان وخاصة بعد احداث الثلاثاء التاريخيه[1.2.2011] والمظاهرات المليونيه وفي اعقاب خطاب مبارك الرافض للتنحي والرحيل هو محاولة تفريق صفوف المتظاهرين والحيلوله دون استمرار المظاهرات وخاصة مظاهرات جمعة الرحيل الذي اعلنت عنها قيادات المظاهرات وتعد ا ليوم الجمعه الماضي4.2.2011, والمراقب للوضع حين يرى انتشار بلطجية مبارك في ميدان التحرير وانحسار دور الجيش في هذا الميدان يضع علامات استفهام على دور هذا الجيش ولربما تفضح الايام القادمه دور جيش مبارك في معركة كسر العظم بين النظام الحاكم والغرب من جهه وجموع الشعب المصري من جهه اخرى....
خلاصه: نعتقد ان هنالك خطأ ما في استراتيجية المظاهرات وعدم تطوير المتظاهرين في مصر اهدافهم الميدانيه وعلى راسها عدم استغلال مظاهرات يوم الثلاثاء المليونيه واسقاط النظام نهائيا من خلا ل محاصرة المقرات الحكوميه ومقرات التلفزه والاذاعه المصريه الذي ما زال النظام يوظفها في تشويه صورة الثوره وضمان استمرارية النظام.. المطلوب الان وليس غدا هو افراز قياده جماهيريه للمتظاهرين والثوره لتطوير استراتيجيه طويلة النفس او حتى قصيرة النفس لقيادة المظاهرات وحسمها باسقاط النظام وإلا جاءت النتائج عكسيه وهي كسر عظم وعماد الثوره والمتظاهرين من خلال قوات شرطة النظام والبلطجيه السريه والعلنيه, وانتصار النظام في معركة كسر العظم.......
عاشت مصر عربيه ابيه وثائره, لكن الثوره في مصر في خطر اذا لم تُحسَّم عملية اسقاط النظام من خلال مظاهرات مليونيه تحاصر مقرات النظام ولا تتفرق ولا تزول من الشوارع الا بزوال مبارك والنظام الحاكم... الجاري في مصر هو حرب استنزاف بين النظام مدعوما من امريكا واسرائيل من جهه وبين الشعب المصري والمتظاهرين من جهه اخرى....معركة كسر العظم..هذه المعركه بدأت بالفعل في ميدان التحرير وستنتهي هناك.... اما لصالح الشعب المصري بسقوط النظام او باجهاظ الثوره وبقاء نظام الحكم..بالفعل سقط نظام الطاغيه حسني مبارك يوم الجمعه..11.2.2011

**ملاحظه : المقاله كتبت قبل سقوط الطاغيه حسني مبارك معتمده على التحليل السياسي لتطور الاحداث في الثوره المصريه المباركه

*كاتب فلسطيني , باحث علم اجتماع, ورئيس تحرير صحيفة ديار النقب الالكترونية