بقلم : سهيل كيوان ... 10.03.2011
لم تبق منطقة يعيش فيها العرب إلا وانتفضت وأطلقت شعارات تطالب بإسقاط النظام أو إصلاحه، لدى كل عربي في هذه الأيام رغبة بإسقاط شيء ما من فوق، ولو أن الجالسين (فوق) سمعوا بنصيحة أحمد عدوية 'حبة فوق وحبّة تحت' لما حصل الذي يحصل.
هذه الطفرة العربية صالحة لمن لديه دولة ونظام، ولكن ماذا مع المحروم من نعمة الدولة، هل يكتفي بإسقاط مدير مدرسة أو رئيس مجلس بلدي! وهل يُعقل أن يخرج من هذا المولد التاريخي العظيم بدون حمّص، حتى لو كانت الثورات صرعة وغيرة وتقليداً كما يزعم بعض الجالسين (فوق)!
على ماذا يثور الفلسطيني وعلى ماذا ينتفض الآن وهو الذي اعتاد الثورات والانتفاضات على المحتلين منذ عقود؟ هل ينتفض على حكم رام الله الذي لا يحكم حتى نفسه؟ أم ينتفض على حكم غزة الذي يتعرّض للحصار والقتل والاغتيال؟ أم ينتفض على قيادات عرب 48 الضائعين بين حانا ومانا وشوشانا؟ هناك حركة تطالب بإنهاء الانقسام بين أبناء الشعب الواحد، والحقيقة أن المنقسم ليس الشعب بل القيادة،وهذا مطلب شعبي مشروع، ولكن الوحدة غير قابلة للتحقيق في ظل هاتين القيادتين، بعدما أثخن الطرفان بعضهما تجريحاً واتهامات، وتآمر طرف على آخر لتصفيته... ليس فكريا فقط كما تؤكد وثائق ودلائل عدة.
الحمساوي في الضفة مقموع مثل أخيه الفتحاوي في القطاع، وليس صدفة أن مسيرات التأييد لأبي مازن موجودة فقط في الضفة الغربية بينما مسيرات التأييد لحماس موجودة فقط في القطاع، فكيف لشعب أن ينقسم أيديولوجياً بتطابق تام مع الانقسام الجغرافي وعلى الشعرة؟ الحقيقة أن اليد الثقيلة لأجهزة الأمن من الطرفين هي التي تخلق انقساماً على المسطرة مشوهة حقيقة الشعب الواحد.
السلطة في غزة رغم تضحيات قيادييها وكوادرها التي يعرفها القاصي والداني ليست ديمقراطية ولا هي منارة للحرية على صعيد الحرية الفردية، بل أنها ضربت واعتقلت حتى من تظاهروا مطالبين بالوحدة، وقد اعتبرت المطالبة بالوحدة نوعاً من الولاء لسلطة رام الله ولهذا تنظر بريبة إلى من يرفع هذا الشعار. إلى جانب كبت التنظيمات الأخرى في القطاع وفرض نمط حياة أيديولوجي على الناس (إفعل كذا ولا تفعل كذا..) وتفاقم قائمة الممنوعات والمحرمات، وقد تجلى هذا بمهاجمة فنادق ومناطق سياحية في غزة، والتفتيش والتدخل بحرّيات الناس على غرار(الهيئة) في السعودية، في حين أن سلطة الضفة الغربية نسّقت أمنياً مع عمر سليمان وإسرائيل وليس فقط في قضية تسيير حياة الناس كما يزعمون وهذا أخطر بكثير على الرغم من احترام الحريات الشخصية قياسا بغزة. هذا يعني أن الوحدة بين قيادة حماس الحالية وقيادة سلطة رام الله غير قابلة للتحقيق ومصطنعة، وشعار الوحدة لن يتحقق إلا بنشوء قيادات جديدة لدى الطرفين ترى مصلحة حرية فلسطين وشعبها فوق مصلحة الفئة أو الحركة والأيديولوجيا والسلطة وترى أن فلسطين لكل الفلسطينيين ولكل مواطن الحق في تسيير حياته وممارستها حسب قناعاته طالما أنه لا يتجاوز حرية الآخرين ولا يفرط بالثوابت الفلسطينية. مهما كان المناضلون صادقين في نضالهم وتضحياتهم التي لا ينكرها عدو أو صديق إلا أن حرية الإنسان تبقى الهدف الأسمى لكل ثورة أو انتفاضة. لدينا الآن معادلة رديئة وخطيرة، تنازلات خطيرة من قبل سلطة رام الله ترافقها حرية شخصية للفرد مدعومة إسرائيلياً وفي المقابل تمسّك لا غبار عليه لدى قيادة القطاع بالثوابت ولكن إلى جانب كبت الحرية الشخصية وفرض نهج حياة على الطريقة السعودية حتى الوهابية ومواجهة مع إسرائيل.أما شعب فلسطين عموما فهو يريد الحرية القومية إلى جانب الحرية الشخصية ولهذا يحق له أن ينتفض على القيادتين لإصلاح المسار على الصعيدين القومي والاجتماعي.
أما قيادات عرب 48 فقد لحق بها الصدأ أيضا، بعضهم عانق السلطة في رام الله فراح يدافع عن كل مواقفها وتنازلاتها بحجة..ما هو البديل! وجند بعضهم أقلامه في الآونة الأخيرة للهجوم على 'الجزيرة' حذو رام الله، معتبرا أنها فضائية تبث الفتنة وهذا فقط بعد نشر وثائق المفاوضات،إلى جانب هذا هناك قسم متفق مع حماس وخطها ونهجها السياسي والاجتماعي. كذلك يعتمد البعض على بداياته النضالية منذ سبعينيات القرن الماضي وتوقف عندها وكأن هذا يزكيه للاستمرار في موقع القيادة إلى الأبد، ومثاله في ذلك الأنظمة العربية البائدة أو التي أوشكت نهايتها،ومنهم من يصر على التواصل مع الأنظمة العربية بدعوى التواصل مع العالم العربي ولكنه في الواقع منح ويمنح هذه الأنظمة ورقة الادعاء بأنها تناضل لأجل القدس والقضية الفلسطينية والفلسطينيين بينما هي تقمع شعبها وتشبعه شعارات فارغة من أية مضامين، بينما المطلوب هو التواصل مع الشعوب العربية وليس مع الأنظمة ولا أذرعها المختلفة بما في ذلك الثقافية اللهم إلا إذا نشأت أنظمة ديمقراطية تحتفي بالحرية ومنتخبة من قبل شعوبها.
قيادات عرب 48 أصيبت بالترهل وحتى بلوثة الجلوس المؤبد على الكرسي والقيادة إلى مدى الحياة رغم كذبة الانتخاب الحرّ التي لا تختلف كثيرا عن انتخابات حزب مبارك وبن علي وترفّع القذافي المصطنع عن السلطة.
عندما تطول مسيرات النضال يتعب كثيرون ومنهم مناضلون سابقون يقررون فجأة صرف أوراق نضالهم كسندات ائتمان فيبيحون لأنفسهم كل شيء وعندما تنتقدهم..يذكرونك بسني نضالهم السابقة.....
هذا الفخر بالماضي واتخاذه ذريعة لإباحة أي شيء سمعناه من القذافي (ابن الشهيد) الذي تحول إلى سفاح ومصاص دماء، ومن مبارك صاحب الضربة الجوية الذي قبض ثمنها حرية الشعب المصري لثلاثين عاما خلت، ومن بن علي الذي قال إنه خدم تونس خمسين عاماً..بأجرة ثلاثة ملايين دولار لليوم الواحد!
من حق المناضل والمضحي والسجين السابق أن يفخر بتاريخه، ولكن هذا لا يمنح الحق لأحد أن يتصرف بهذا كشهادة أبدية في الوطنية والقومية ونظافة اليد، فقد ثبت أن أطهر المياه تصبح آسنة إذا طال مكوثها في المكان نفسه، ولهذا فالمطلوب تحرك فلسطيني يفتح الطريق لدماء جديدة وحارّة لم تتلوث ولم تفسد بعد إلى مواقع القيادة،وهذا ينطبق على رام الله وقطاع غزة ومناطق 48، لمواصلة المشوار لأن الطريق ما زال طويلا وشاقاً.....