بقلم : رشاد أبوشاور ... 13.04.2011
تتعامل القيادتان الفلسطينيتان القاسمتان للشعب الفلسطيني على أن شعب فلسطين ساذج يمكن تضليله دائما، وأنه يمكن أن يرضى بهما كيفما كانتا، ومهما فعلتا، لأنه لا خيار له غيرهما، فهما قدره، وبيديهما مصيره وهذا هو السبب الرئيس في عدم تغيير هاتين القيادتين، أو تبديلهما، وثباتهما على حالتهما المتبلدة، وخطابهما الممجوج الذي لم ينتج سوى الإحباط لشعبنا، ومنح الوقت الكافي للاحتلال لتنفيذ مخططاته بمنتهى الراحة، وفي مقدمتها احتلال مزيد من الأرض الفلسطينيّة، ومتابعة سياسة الاغتيالات والاعتقالات والاختطافات دون قلق من رّد فلسطيني موجع، لأن الطرفين المتصارعين مشغولان بتبادل الاتهامات، والاعتقالات، والكيد كل طرف منهما للطرف الآخر.
هذان الطرفان لا يريان ما يجري في بلاد العرب، ولا يسمعان هدير الإعصار الثوري، واكتساحه لنظم حكم ما كان أحد يتصوّر انهيارها بسرعة أمام ضربات الجماهير التي احتلت الميادين، وردّت على الرصاص والبلطجة بالدم، وانتزعت الحرية بأغلى التضحيات.
ركب الحكّام الطغاة ترتجف، وعروشهم وكراسيهم تهتز كما لو أن زلازل اليابان ضربتها فيما ضربت، ومع ذلك فالقيادتان الفلسطينيتان تعيشان في زمن ما قبل انتصار شعبي تونس ومصر، وثورتي الشعبين العنيدين في ليبيا واليمن، وما قبل نزول الجماهير إلى شوارع بغداد منددة بالاحتلال ومتوعدة بمقاتلته.
الجماهير العربيّة كلها تريد الحريّة من الشام لبغدان، ومن نجد إلى يمن..إلى مصر فتطوان، وفقط القيادتان الفلسطينيتان تعيشان في الماضي الانحطاطي الذي يتهاوى في بلاد العرب، وتقولان نفس الكلام السابق الممل الذي طالما ردده ناطقوها الرسميون في رام الله وغزّة بسماجة لا يحسدون عليها!
إنهما قيادتان(ثابتتان) لا تتغيران، فهما لا تتأثران بما يجري، وكأنه لا يعنيهما.. مكابرة وعنادا في الباطل، وتشبثا بامتيازات، ورهانا على انتصار كل طرف على الآخر، بضربة حظ، وبغير جدارة، وبعامل خارجي، وليس اعتمادا على قدرات شعبنا وفعله في الميدان.
الفلسطينيون حيثما كانوا، في وطنهم تحت الاحتلال، أو في الشتات القريب، أوالبعيد..يرهفون السمع والنظر بلهفة وفرح للحدث الثوري العربي التغييري، والذي لا تغيب عنه فلسطين، فهي في جوهره، وصلبه، وفي كل نقطة دم ينزفها جسد شاب وفتاة على الأرض العربيّة التي تنشد للحريّة بفصيح الكلام العربي. حقا: الأرض بتتكلم عربي، وكلامها ليس لغوا، ولكنه نشيد للحرية المرتجاة، وللكرامة التي افتقدت لأزمنة تحت حكم الطغاة السفلة.
كل هتاف للحرية من فم عربي هو هتاف لحرية فلسطين.
وكل هتاف للكرامة هو هتاف لكرامة فلسطين وشعبها وانتمائها
ولهذا يتابع شعب فلسطين ما يجري، ويراهن على أن كل قطر عربي يُسقط نظام الحكم عن كاهله، ويقتلع طاغية، يقرّب فجر فلسطين.
بدلاً من أن تنتقل القيادتان الفلسطينيتان من حالة المناكفة، والانقسام، والتنابذ، والاعتقالات المتبادلة المُخزية (لهما)، إلى تبني هدف الوحدة الوطنية، والتقاط اللحظة الثورية العربيّة، فإنهما تلعبان بنفس الكلام، تسوفان، تلتفان على مطلب الجماهير الفلسطينيّة بالوحدة الوطنية، وكأن شيئا لا يتغيّر.
تطرح السلطة بلسان رئيسها الرغبة في زيارة غزّة، واللقاء مع قيادة حماس، للاتفاق على حكومة تكنوقراط، تحضّر لانتخابات رئاسية، وتشريعية و..مجلس وطني فلسطيني، فترحب قيادة حكومة غزة، ثمّ لا يحدث شيء جدّي، لأن المراوغة والعبث هما الثابت في (اللعب) السياسي بين القيادتين، وهو لعب غير مسل لشعبنا، ولا هو ممتع لملايين العرب الذين يتابعون بدهشة بؤس ورثاثة القيادتين الفلسطينيتين المتكايدتين.
يقول مثلنا الشعبي الحكيم: قال: لابد لك ..قال:عارف لك!
الطرفان يتربصان واحدهما بالآخر، وهما إذ يرحبان بالمصالحة فإنهما أوّل من لا يريدها، وشعبنا بخبرته بهما، وبنواياهما، بات على يقين من أنهما لن يتصالحا، وأن الانقسام بينهما نهائي، لأن لكل طرف منهما (أجندته) الخاصة، وهي ليست (أجندة) الشعب الفلسطيني، ولا الجماهير العربية الثائرة.
الوحدة الوطنية ليست المصالحة، لأنها تنطلق من الهدف الرئيس الجامع للشعب الفلسطيني، وليس من رأب الصدع بين طرفين هدف تحرير فلسطين ليس واردا لديهما، والمقاومة الفعلية الجدية الشعبية لم تعد استراتيجيتهما، فهما، للتذكير، مع (دولة) في حدود الـ67 التي لم يتبق منها ما يكفي لبلدية ذات تخوم وحدود وسيادة!.
الطرفان: أحدهما اختار التفاوض حتى لو خسر الشعب الفلسطيني آخر دونم أرض في الضفة، وآخر بيت في القدس..والطرف الآخر منذ استولى بالقوّة على قطاع غزة تغيّرت حساباته المعلنة، وأهدافه، وما عادت المقاومة عنده سوى شعار، لأن هدف تحرير فلسطين، أرض الوقف (الإسلامي) لم يعد واردا..ألا يلتقي الطرفان هنا؟!
موقف الطرفين من الوحدة الوطنية تجسد في كثير من سلوكياتهما، وآخر ممارساتهما تفريقهما بالقوّة للمسيرات التي انطلقت يوم 15 آذار مطالبةً بتجاوز الانقسام، وبمقاومة الاحتلال.
أهو غريب أنهما التقيا في قمع جماهير الشعب الفلسطيني، الذي بدأ يتوجه (لتجاوز) الطرفين المعوقين لكفاحه؟! ليس غريبا أن المبررات التي سيقت من (السلطتين) لقمع المسيرات هي نفسها في غزة ورام الله!
شعار المصالحة يستخدم للمناورة، للتضليل، للتعمية، ولا ينبع من (المصلحة) الوطنية التي لا تتحقق بدون الوحدة الوطنية.
السلطة خسرت بسقوط مبارك وعمرو سليمان، وسلطة غزة تراهن على الكسب مما جرى..ولكن إلى أي حّد؟!
هل تنطلق قيادة سلطة غزة في موقفها من رؤية شاملة للقضية الفلسطينيّة التي بدأت تعود إلى حضن وقلب وعقل أمتنا العربية؟!
هذه القضية لم تكن يوما قضية (تيّار) أو (حزب) أو نظام حكم عربي ما..ولذا فهي تعود ثورة ثورة، انتصارا انتصارا، قضية عربية بامتياز.
شعب فلسطين لن يبقى (وحده) تستبيحه صواريخ الاحتلال وجرّافاته ودباباته، فالحكام الساقطون هم من حشر شعب فلسطين (وحده)، وهم من قزّموا القضية وأخرجوها من إطارها العربي، مستعينين بالخطاب الفلسطيني الرسمي الإقليمي الذي تشبثت به القيادة الفلسطينية.
استقوت قيادة السلطة سابقا بالدعم الأمريكي (الشكلي) الذي افتضح دائما بالفيتو لمصلحة الكيان الصهيوني، وآخر مسلسل الفيتوات اتخذته إدارة أوباما حتى لا يدان الاستيطان!
راهنت كلتا السلطتين على سقوط الطرف الآخر..ثمّ ماذا بعد؟!
الذهاب للتفاوض براحة، وحدها لتكون الممثل (الوحيد) للشعب الفلسطيني!
الرهان لدى كل طرف من القيادتين هو أن ينتهي دور الطرف الآخر، ويبقى هو المطلوب للتفاوض معه، والمرحب به، والوحيد!
وطبعا ليس لأنه قائد الشعب الفلسطيني المقاوم الذي استحق القيادة بجدارة في الميدان، ولكن لأنه لا يوجد غيره.
ورطتنا مع القيادتين هي هي، قبل الثورات العربيّة وأثناءها، وحتى انتصار آخر ثورة من ثورات العرب!
القيادات الثورية تلتقط المتغيرات، وتراكم ما يضمن انتصار ثورتها وشعبها.. إلاّ هؤلاء، فهم لا يتغيرون، ولا يتبدلون، ولا يتطورون..رغم أن كل شيء يتغيّر في بلاد العرب.
ما بدأه (شباب) فلسطين في الـ15من آذار، وما بعده، لا بدّ أن يتجاوز شعار المصالحة إلى تجاوز الطرفين، فلا سبيل لإنقاذ قضيتننا واستعادة شعبنا لحضوره مع هاته العقليات التي بعضها أغرقنا في أوهام السلام والدولة، وبعضها يضللنا بشعار المقاومة متغطيا بدم أهلنا النازف في القطاع، ولا مقاومة حقيقية، والمقاومة معروف من أين تبدأ..وإلى أين تمضي.
وهل مقاومة تنتصر بدون الوحدة الوطنيّة، وحدة الهدف، ووحدة الشعب بكّل قواه؟!.