أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
لطمة أميركية جديدة للمفاوض الفلسطيني!!

بقلم : نقولا ناصر* ... 16.04.2011

*(إن التعبير عن "الأسف" وخيبة الأمل من اللطمة الأميركية الجديدة التي أجلت اجتماعا للرباعية الدولية علقوا عليه آمالا كبارا، واستعداد مفاوض المنظمة للتعاطي مع مبادرة أميركية جديدة، هو تعبير عن العجز عن شق أي طريق دولي مستقل عن الإملاءات الأميركية)
بغض النظر عن الاجتهادات الوطنية الفلسطينية المؤيدة أو المعارضة ل"حل الدولتين"، فإن إجماع المجتمع الدولي على هذا الحل هو اليوم حقيقة سياسية ودبلوماسية قائمة، وهو حاليا في مرحلة مخاض ما قبل ولادة دويلة فلسطينية على حوالي خمس الوطن التاريخي للشعب الفلسطيني من المفترض أن تحول "حل الدولتين" إلى واقع على الخريطة السياسية. لذلك فإن وصف المحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل في مقال له مؤخرا لهذا المخاض بأنه "حمل كاذب" ليس دقيقا، فهو حمل حقيقي، في الأقل بدليل الانقسام الفلسطيني عليه خشية أن يكون المولود الجديد وريثا يحظى ب"شرعية دولية" للتنازل عن الإرث التاريخي والحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في وطنه، لكن دولة الاحتلال الإسرائيلي الطامعة في كل هذا الوطن، بالرغم من ذلك، تبذل كل ما في وسعها لإجهاضه ويساعدها راعيها الأميركي جاهدا لإخراجه إلى الوجود جنينا مشوها إن عجز الحليفان عن إجهاضه.
وفي هذا السياق وجهت الولايات المتحدة الأميركية لطمتها الجديدة، بعد صفعة "الفيتو" الأميركي الأخير في مجلس الأمن الدولي، لمفاوض منظمة التحرير الفلسطينية، الأب "الشرعي" لهذا الجنين، وللقابلة "الدولية" التي ترعى ولادته عندما أجلت للمرة الثانية خلال شهرين دون تحديد أي موعد جديد اجتماع اللجنة الرباعية الدولية الذي كان مقررا في العاصمة الألمانية منتصف الشهر الجاري والذي كان مفاوض المنظمة شبه متأكد بأن يصدر عنه بيان "يرقى عمليا إلى شهادة ولادة" للدولة المأمولة كما قال رئيس حكومة تسيير الأعمال في رام الله د. سلام فياض في بروكسل يوم الأربعاء الماضي أثناء اجتماع لجنة تنسيق المساعدات المقدمة لسلطة الحكم الذاتي التي يرأس حكومتها من الدول والمؤسسات المانحة، لكن الولايات المتحدة لا تفوت فرصة لإصدار "شهادة وفاة إسرائيلية" للدولة المأمولة حتى بينما ما زالت ولادتها في رحم الغيب.
ومع ذلك، فإن مراجعة ردود فعل منظمة التحرير ولجنتها التنفيذية وحكومتها على اللطمة الأميركية الجديدة تتلخص في إدارة الخد الآخر بدعوة لا لبس فيها إلى المزيد من اللطمات الأميركية، فاللجنة التنفيذية في بيانها مساء الأربعاء الماضي تعقيبا على تأجيل اجتماع الرباعية للمرة الثانية كانت ما زالت تعلن استعدادها لاستئناف المفاوضات مع دولة الاحتلال استنادا إلى بيان الرباعية الذي لم يصدر، وبالرغم من وضوح الموقف الأميركي طالب الناطق الرسمي باسم رئاسة المنظمة، نبيل أبو ردينة، "بموقف أميركي واضح"، وعضو تنفيذية المنظمة تيسير خالد الذي أكد بأن إلغاء اجتماع الرباعية الدولية "بضغط من الإدارة الأميركية يقوض مصداقية هذه الإدارة" ويعطل دور المجتمع الدولي وبخاصة المبادرة السياسية لكل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا دعا مجددا إلى "ضرورة" التوجه إلى مجلس الأمن الدولي متناسيا أن التعرض للدغ من جحر "الفيتو" الأميركي مرتين ليس من الايمان ومتجاهلا أن مفاوض منظمة التحرير هو الذي وافق على "تعطيل دور المجتمع الدولي" عندما ارتهن القرار الفلسطيني ل"عملية سلام" برعاية أميركية عام 1993.
إن التعبير عن "الأسف" وخيبة الأمل من اللطمة الأميركية الجديدة التي أجلت اجتماعا للرباعية الدولية علقوا عليه آمالا كبارا، واستعداد مفاوض المنظمة للتعاطي مع مبادرة أميركية جديدة، هو تعبير عن العجز عن شق أي طريق دولي مستقل عن الإملاءات الأميركية. لكنه في حالة مفاوض المنظمة يعبر عن استسلام كامل لل"قدر" الأميركي وارتهان طوعي له.
ومن المؤكد أن هذا المفاوض يستعد الآن للتعاطي مع بديل أميركي للمبادرة الفرنسية البريطانية الألمانية عبر الرباعية، ويعلق آماله على مبادرة أميركية جديدة قد يعلنها الرئيس باراك أوباما في خطاب رئاسي مرتقب خلال أسابيع، ربما بعد أخذ موافقة رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو عليها خلال زيارته المقررة لواشنطن الشهر المقبل، وقد ألمحت إلى هذه المبادرة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس شيوخ الكونغرس جون كيري خلال اجتماعات المنتدى الأميركي – الإسلامي بواشنطن الأسبوع المنصرم، لكن البيت الأبيض رفض تأكيدها.
أما دعوة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي علقت مشاركتها في اجتماعات تنفيذية المنظمة إلى "عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات برعاية الأمم المتحدة .. بعد انكشاف فشل الرباعية الدولية التي تتحكم بها الإدارة الأميركية" فإنها بدورها تتجاهل حقيقة أن كل المؤتمرات الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة بشأن العراق وافغانستان وصربيا وليبيا وإيران واليمن، إلخ.، إنما كانت في حقيقتها مؤتمرات وقرارات أميركية اتخذت من رعاية الأمم المتحدة غطاء لها، فمؤتمرات "المجتمع الدولي" بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق تحولت عمليا إلى مؤتمرات أميركية بغطاء دولي، ولم تنعقد عمليا أي مؤتمرات دولية لم تباركها واشنطن منذ انهار الموازن السوفياتي للقوة العظمى الأميركية. و"الشعبية" كما يبدو تدعو إلى رعاية دولية غير أميركية تكون موازية أو قادرة على فرض الإرادة الدولية على الولايات المتحدة من أجل "تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة" كما جاء في بيان الجبهة الأسبوع الماضي وهي تدرك تماما أنه لا وجود لأي رعاية دولية كهذه في الواقع حتى الآن. إن توجه منظمة التحرير إلى تجاوز مجلس الأمن الدولي والذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر المقبل ينسجم تماما مع دعوة "الشعبية" للتحرك في معزل عن الرعاية الأميركية الفاشلة، فالجمعية العامة مؤتمر دولي حقا، وإرادته مستقلة عن الإرادة الأميركية، لكنه بلا أسنان.
وحتى "الرباعية الدولية" التي أنشئت في مدريد عام 2002 لرعاية حل للصراع العربي الإسرائيلي فإنها "لم تكن أبدا وسيطا، وكانت دائما مجموعة دعم للمفاوضات الأميركية" كما قالت د. كلير سبنسر رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز أبحاث تشاتام هاوس الذي يتخذ من لندن مقرا له. لذلك لم يكن مستغربا أن يرضخ "المجتمع الدولي" الممثل بالأمم المتحدة والاتحادان الأوروبي والروسي الأعضاء في الرباعية للإملاءات الأميركية ليؤجل ثانية اجتماع الرباعية في برلين في الخامس عشر من الشهر الجاري، لأن "الوقت ليس مناسبا" لاستئناف المفاوضات نظرا لعدم استعداد الطرفين لتقديم "تنازلات" كما قالت مصادر دبلوماسية أميركية حسب تقارير تقارير إعلامية.
لقد كرر "الرئيس" محمود عباس في كل العواصم التي زارها مؤخرا تأكيده على أن يتضمن بيان الرباعية عندما تنعقد تأكيدا على خطوط وقف إطلاق النار عام 1967 كحدود للدولة الفلسطينية المنشودة وإلزاما لحكومة دولة الاحتلال بوقف الاستعمار الاستيطاني كمرجعية لاستئناف المفاوضات، لكن هيلاري كلينتون ردت عليه الأسبوع الماضي بالتأكيد على "حل تفاوضي" لإقامة هذه الدولة، لتؤكد مجددا أن واشنطن لن تسمح ل"أحد أن يفرض حلا على إسرائيل" كما قال رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وقد أعلن بصورة مفاجئة عن تأجيل اجتماع الرباعية في برلين مع أن مندوبي اللجنة الرباعية كانوا قد التقوا عباس في العاصمة الأردنية في الأسبوع الأول من الشهر تمهيدا لاجتماعها، وكان منهم السفير الأميركي ديفيد هيل مساعد المبعوث الرئاسي جورج ميتشل، دون إي إشارة إلى نية الإدارة الأميركية طلب تأجيل الاجتماع، مما يرقى إلى عملية خداع جعلت مفاوض منظمة التحرير يغرق في توقعاته المتفائلة من عقد الاجتماع، محلقا في الوهم على أجنحة تقارير من مندوب الأمم المتحدة روبرت سري وصندوق النقد والبنك الدوليين ومبعوث الرباعية توني بلير التي أشادت بأدء حكومة مفاوض المنظمة برام الله باعتباره أداء "يوازي الآن أداء حكومة دولة" كما قال سري، مما عزز توهم المفاوض وحكومته بأن "الدولة" قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى قبل أن تعيدهم اللطمة الأميركية الجديدة إلى عالم الواقع.
أو علها تعيدهم إلى عالم الواقع كي يدركوا بأن أي جمعية أممية يلجأون إليها لن تفيدهم طالما ظلت جماعتهم الوطنية منقسمة على نفسها وأن أي قرار يصدر عنها سوف يظل حبرا على ورق ما لم تتوفر له أداة وطنية واحدة تترجمه إلى واقع على الأرض، وأن أي مؤتمر دولي يلجأون إليه لن يأتمر لقضيتهم العادلة طالما لم يوحدهم مؤتمر وطني على قضيتهم، وأن أي هيئة دولية، رباعية كانت أم ألفية، لن تكون قادرة على مساعدتهم طالما ظلوا عاجزين عن مساعدة أنفسهم بالوحدة، ف"الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".