أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
انتهى زمن: بيان رقم 1 !!

بقلم : رشاد أبوشاور  ... 06.04.2011

لا ننسى نحن من عشنا زمن انقلابات الجيوش العربيّة: البيان رقم 1، الذي كان ينطلق من حنجرة مذيع مضطر للنفاق بعد موسيقى عسكريّة حماسية مجلجلة، معلنا عن بدء زمن جديد في (البلاد).. بعد أن تمّ الفضاء على المنحرفين أعداء الوطن.. عملاء الاستعمار، مع وعود كثيرة مستنسخة عن البيان رقم 1 للانقلابيين الذين تمّ الانقلاب عليهم من زملائهم في الجيش والقوّات المسلحة!
البيان رقم 1 ضلل الجماهير البريئة التي صدقته في أوّل مرّة، وثاني مرّة، و.. بعد أن ذاقت الويلات ممن بشّروا بالوعود، وقطعوا العهود، ما عادت تنطلي عليها جعجعة حنجرة المذيع المنافق، والكلمات المجلجلة التي صاغها مستوزر، أو مسترئس، فالجنرالات أتلفوا الحياة السياسية في البلاد، وتسابقوا على نهب ما تيسّر، وأضافوا لمساوئ من سبقوهم مساوئ جعلت الجماهير(الغفيرة) لا تغفر لنفسها تصديقها لهم، واستغلال براءتها وعفويتها.
في البيان رقم1 وما تلاه من بيانات حضرت فلسطين دائما، فالوعود بتحريرها استخدمت للتضليل، وفلسطين بقيت أسيرة، والشعوب ملّت من أكاذيب البيان رقم 1 وما تلاه من بيانات، وتصريحات، وخطابات، ومؤتمرات صحافية للانقلابيين..والعبارة المتوعدة لأعداء مجهولين: بالضرب على أيديهم بيد من حديد..لتسقط اليد الحديدية على يد الشعب عقابا له على المطالبة بالحريّة.
الانقلابيون في بلاد العرب، بعد ثورة 23 تموز أوحوا دائما بأنهم يسيرون على هديها، وإيقاع خطاها، ولكن التشبه بجمال عبد الناصر لم يكن ليدوم، فالمواقف فضّاحة، والقيادة التاريخية لا تستنسخ، والوعود تسقط أمام امتحان التطبيق والتنفيذ.
انتهى زمن الانقلابات لعدّة أسباب، منها: استبداد الانقلابيين، وتحكم أجهزة الأمن، وما ناله الجنرالات من امتيازات كفتهم مخاطر المغامرة.
البيان رقم 1، ورهبة وهرة الدبابات حول مبنى الإذاعة.. انطوى زمنه، فالبيان رقم 1 الجديد انطلق من سيدي بوزيد، من جسد محمد البوعزيزي، ومن جسد الشاب خالد سعيد في الاسكندرية، ومن صيحات شباب ليبيا التي تتجاوب في كل الوطن العربي مشرقا ومغربا، ومن ساحة الحريّة في صنعاء وأخواتها.
البيان رقم 1 في كل بلدان الثورة العربية المتتالية هو بيان تكتبه جماهير الأمة بدمها، فالدم الليبي واليمني يتحدى الطاغيتين. والدم في أقطار عربية أخرى بدأ يقرع باب الحرية، وأي نظام حكم لا يستجيب بالتي هي أحسن لمطالب الجماهير، وينهي الأحكام العرفية، والفساد، وقبضة أجهزة المخابرات..فإنه يكتب بيان نعيه، ويحفر قبره بعناده واغتراره بما لديه من قوّة ثبت أنها ضعيفة أمام قوّة وعزيمة الشعب.
فلسطين حاضرة هذه الأيّام أكثر مما كانت حاضرة في أي يوم من الأيام منذ نكبة 48، لأن الجماهير العربيّة وهي تتحرر تكون قد قرّبت فجر حريّة فلسطين، وهذا ما يدركه الكيان الصهيوني الذي ترتجف ركب قادته، فحقبة كامب ديفد، ووادي عربة، وأوسلو، والمكاتب التجارية الصهيونية في بعض العواصم العربيّة، تدوسها هذه الأيام أقدام ملايين العرب، التي تدق الأرض راعدة الغضب وهي تتقدّم إلى مستقبل كرامتها وحريتها وسيادتها.
في تونس دوّى الهتاف من أفواه الحشود في شارع بورقيبة:
الشعب يريد تحرير فلسطين. وشعب تونس رائد الثورات العربيّة المعاصرة وهو يطلق هذا الهتاف كان يبعث برسالة متعددة العناوين، تقول بالعربيّة الفصحى: نحن لا ننسى فلسطين، ونحن ندفع ثمن حريتنا، ونحن نسقط الطاغية وحاشيته.
وفي ميدان التحرير بالقاهرة خفقت راية فلسطين، وشعب مصر العريق على اختلاف اتجاهاته السياسية أعلن بأنه لا يقبل بأن تبقى غزة محاصرة: غزة أمانة في أعناقنا...والانحياز لعروبة غزّة هو انحياز لعروبة فلسطين.
فلسطين حاضرة حتى وإن لم يهتف لها أحد، فعندما تحضر الجماهير العربيّة، وتكون هي سيدة الشارع والميادين، وتكون السلطة سلطتها، ممثلة لها، حاملة لطموحاتها، فإن فلسطين لن يُستفرد بها، ولن تكون لقمة سائغة لمخططات الصهاينة، وستكون على موعد مع الحرية، فحرية العرب ناقصة بدون تحرير فلسطين، وهذا ما يعيه جيدا، ويؤمن به كل عربي ينزل إلى الميادين، ويؤدي واجبه في إسقاط الطغاة.
انتهى زمن الانقلابات..وجاء زمن الجماهير، وزمن الجماهير هو زمن (الوعود الصادقة)، ولذا فهو زمن فلسطين، وشعب فلسطين الذي قاتل معارك فوق احتماله، وهي معارك كان للطغاة الفاسدين فيها دور مكشوف ومفضوح مهما حاولوا إخفاءه، لأن الفساد والاستبداد حليف طبيعي للعدو الصهيوني، وللهيمنة الأمريكيّة صانعة الطغاة وولية أمورهم، وراعيتهم.
تصوروا أن كلمة السّر في ثورة (الفاتح) هي (القدس)!
ومع ذلك فلم يدخر القذافي جهدا في تعذيب الفلسطينيين واضطهادهم، والتسلي بهم، فهو يطردهم تارة، ويلقي بهم إلى الحدود مع مصر، في الصحراء تارة..ثمّ هو من تخلّى عن القدس وفلسطين وبدأ يغازل قادة الكيان الصهيوني وأمريكا..فنحت اسما جديدا لفلسطين(إسراطين)!
إن من يضطهد شعبه لا يمكن أن يكون مع تحرير فلسطين.
القذافي دمّر حياة أجيال في ليبيا، وامتهن تاريخ وكرامة ليبيا، ولذا رأينا كيف بدّلت الإدارة الأمريكية موقفها من توجيه الاتهامات للقذافي بالإرهاب إلى الرضي عنه. إنها لا تؤيد ثورة الشعب الليبي، فهي تعلن أنها لا تريد إسقاط العقيد، والعقيد سلّف لها بضخ أموال الشعب الليبي إلى بنوكها، وهو في مواجهة ثوار ليبيا جاهز للتبعية التامة، ولمّد اليّد للكيان الصهيوني، وابنه سيف مدّ قلبه في العلاقة مع حسناء تحمل جنسية الكيان الصهيوني!
العسكر الذين انخرطوا في السياسة، ولم تعد الخنادق ساحات المعارك والدفاع عن الوطن ميادينهم.. أفسدوا واستبدوا، ولذا نرى الجيوش هذه الأيام تستعيد علاقتها بالشعوب، بحراسة ثوراتها من بطش أجهزة الطغاة المستبدين، وإن كان بعض الجنرالات المنتفعين ما زال مواليا للطاغية، يضع بندقيته في خدمته ويسدد فوهتها إلى صدر الجماهير الثائرة، ويأمر بتوجيه المدافع لتقصف المدن..كما يفعل أتباع القذافي الذين يدمرون (مصراتة) العريقة الشجاعة التي قاتلت الطليان ببسالة أدخلتها التاريخ مع ابنها الثائر رمضان السويحلي مؤسس أوّل جمهورية في تاريخ العرب الحديث عام 1919.
الفلسطينيون من زمن بعيد ما عادوا يصدقون وعودا من أحد بتحرير فلسطين، ولذا لجأوا للاعتماد على أنفسهم، فشكلوا تنظيماتهم السريّة، وأطلقوا مقاومتهم بعد اكتشفوا أكاذيب الانقلابات والبيان رقم 1.
والجماهير العربيّة اكتشفت بعد التجارب المرّة مع الانقلابيين خداع البيان رقم 1..ولذا نراها هذه الأيّام وهي تكتب بيان ثوراتها التاريخي التغييري الثوري الجذري الذي لن يسمح بعد اليوم لحفنة ضبّاط مع رتل دبابات أن يتلاعبوا بحياة بلد وشعب وأمّة.
عندما تفتح ثورة شعب مصر بوابة رفح ستنال غزّة حريتها، وسيتحرر مليون ونصف المليون فلسطيني، وسيكون مخطط شارون قد انهار وفشل..فانسحاب شارون من قطاع غزة هدف إلى حشر الفلسطينيين في الأسر، في السجن الكبير، والرهان على انفجارهم داخليا، وهو ما وعد به شارون من انتقدوا تفكيك المستوطنات، وترك غزة للفلسطينيين.
بعض أسوأ ما خططه شارون للفلسطينيين تحقق، فهم اقتتلوا، وهم وقعوا في سجن محكم، سجن العدو، وحصار نظام مبارك!
نحن على يقين أن كل شعب عربي يتحرر سوف يقدم لفلسطين وشعبها، دون أن يطلب منه، وسيقرّب فجر فلسطين..وأوّل البشائر ننتظرها من مصر: إنهاء حصار قطاع غزة، وتحرير مليون ونصف فلسطيني، وعودة مصر قائدةً لأمتها، تنفيذا لبيانها الذي كتبه دم شبابها انطلاقا من ميدان التحرير، وكل ميادين مدن مصر العظيمة.