أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
لا أريد إحياء ذكرى النكبة..!!

بقلم : سهيل كيوان  ... 07.04.2011

سنت الكنيست الأسبوع الماضي قانوناً يمنع إحياء ذكرى النكبة ويعاقب المؤسسة التي تقوم بذلك معنوياً ومادياً.
الحقيقة أنني لم أقرر في يوم من الأيام إحياء ذكرى النكبة، ولا أذكر أن أهلنا أعدوا لذكرى النكبة مناديل للعويل والبكاء، ولم تنشأ في قرانا 'نكبويات' مثل (الحسينيات) مثلا لاستقبال الذكرى باللطم والعويل وإسالة الدماء!
النكبة لم تمت حتى يتم إحياؤها، ولا هي ذكرى أليمة محنطة في جوف التاريخ، وهي لا تبتعد يوما بعد يوم في غياهب الزمن، بل تزداد معالمها حدة ووجعاً وفجيعة يوماً بعد يوم.
إحياء ذكرى النكبة هو ترف لم نبلغه بعد، ولا أرى في الأفق القريب أننا بالغوه ولا حتى بشق الأنفس، فنحن ما زلنا في خضم الحدث نعيشه ويعيش فينا يومياً، بل من السخافة تخصيص يوم لهذه المناسبة، فهي ليست حدثا وتاريخاً مضى، هي حالة ما زالت تتفاعل وتتغير وتتحرك وتحرك بقوة أحياناً وبضعف أحيانا أخرى، ولكن إذا نظرنا نظرة شاملة إلى العالم سنجد أن منطقتنا من أكثر بقاع الأرض تفاعلا وأحداثاً ومتغيرات ونكبتنا في مركزها، فما دام هناك عرب ومسلمون ستعيش هذه النكبة بهم وفيهم، لأن النكبة لا تقاس فقط بمساحات الأرض التي ضاعت، ولا في المدن والقرى التي محيت أو صودرت وأخذت جاهزة لتقدم للآخرين، النكبة هي قطعة مريضة في الجسد العربي الكثير الأمراض، ولكن مرضها هو الأخطر وتظهر إسقاطاته ونتائجه على بقية أعضاء هذا الجسد، وما لم يعالج فسيبقى الجسد العربي سقيماً.
لا يمكن لعربي أو مسلم ولا غيره أن يتعلم تاريخ الأندلس مثلا دون أن يرى أوجه الشبه وخطورة تحول فلسطين إلى أندلس جديدة وبالبث المباشر. كذلك لا يمكن لمن يدرس تاريخ اليهود تجاهل نكبة فلسطين، ولا يمكن لمن يدرس تاريخ الحرب العالمية الأولى والثانية ونتائجهما أن لا يمر مضطراً بأوروبا ومحارق النازية ونكبة فلسطين، ولا يمكن لعربي أن يذكر إسرائيل دون أن يذكر كيف وأين وعلى ماذا ولماذا قامت وما الذي تمارسه حتى هذه اللحظة، وهذا يعني أن الصراع هو في كيفية رواية النكبة وليس بتجاهلها أو ذكرها، ما تريده الكنيست هو منع الرواية من أصحابها وأبنائهم وحشو روايتها في رؤوسهم رغماً عنهم.
قرار منع إحياء النكبة هو محاولة هروب المجرم من جريمته، فهو لا يريد أن يتذكر الحقيقة ويطلب من الضحية أن تنسى ما حدث وأن تحفظ شهادته وإلا فإنه سيعاقبها مرة أخرى.
كي نتنفس لا نحتاج إلى قرار، أعطني أمراً واحدا في حياتنا لا يذكرنا بالنكبة، الشجر والحجر، الإنسان، المؤامرات والاغتيالات والفساد، الموسيقى، الدبكة، الطعام، الرسم، جائزة نوبل للسلام، لقاء شمعون بيريس بأوباما هذا الأسبوع، وحثه على الإسراع لإيجاد حل للصراع قبل أن تنقلب المعادلات في المنطقة العربية.
أرضنا، بيوتنا، أسماؤنا، ساحات مدننا، قرانا، مخيماتنا، كتبنا، صحفنا، الأنفاق تحت الأقصى، الأنفاق بين رفح ومصر، الإرهاب، الثورات والثورات المضادة، الإعلام الصهيوني، الإعلام العربي الرسمي، الإعلام الأجنبي، الطوائف، المذاهب، السجون المكتظة، الانقسام، شاطئ البحر، الحجاب،الكيل بمكيالين،الشعر، الرواية والقصة، البدو، الحضر، الحلاوة، الكنافة، المكاتب الحكومية، بيض الدجاج، القبور، ساحات وقوف السيارات، أسماء البلدات المشوّهة، رنات الهواتف، التبغ، المؤرخون القدامى والجدد، جوائز الكتاب والشعراء، مهرجانات الشعر، اتحادات الكتاب، الشبكات الاجتماعية، محرك البحث (غوغل).
لا تسمحوا لنا بإحياء النكبة، بل إياكم أن تسمحوا لنا،سوف أشعر بإهانة كبيرة لو أصدرت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية بيانا تقول فيه إنه من واجبي كفلسطيني أن أحيي ذكرى نكبتي.
في الأسابيع الأخيرة احتفلت المدارس العربية بأسبوع اللغة العربية وبعضها أطلق عليه اسم أسبوع 'الكتاب العربي'. وفي هذه المناسبة يدعى الكتاب والشعراء للقاء الطلاب ومحاورتهم،منذ سنوات تسرني المشاركة ولقاء آلاف الطلبة من الصف الأول الابتدائي حتى الثاني عشر.
وعاما بعد عام يفاجئني الطلاب بطريقة احتفائهم بهذا الأسبوع، في معظم الحالات لا شأن للمدير أو معلم الموضوع بكيفية إحياء النشاطات، مجلس الطلاب يبدع ويقترح، فوجئت هذا العام من الاطلاع الواسع للطلاب على ما يدور في العالم العربي من ثورات، وحتى شعارات هذه الثورات وانخراط معظمهم بمتابعة الأخبار ومعرفة ما الذي يدور، وهو عكس ما يبدو من خارج الصورة، وواضح أن ثورة الاتصالات فعلت وتفعل فعلها، فكيف يريدون ممن يعرف ما يدور في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية أن لا يعرف ما الذي يدور في حارته وبيته.
ما يلفت النظر هو جرأة الطلاب في الحوار والسؤال والنقاش عاما بعد عام ثم عدم الانضباط الذي يصل أحيانا إلى نوع من الفوضى،فإما أن يكون المحاضر جذاباً في طرح موضوعه وإلا فلن يستطيع أن يفرض على الطلاب سماعه.
لم تعد للمعلم سلطة بطريركية يفرض من خلالها على الطالب ما تفرضه الوزارة عليه، وإذا أصر المعلم فسيبدو غريباً عن الطلاب، وسوف يفشل إذا تردد وكان جباناً كما تريد له الوزارة.
من نشاطات الطلاب إقامة معارض، لوحات بأسماء عشرات الكتاب العرب والفلسطينيين ومساقط رؤوسهم وأصولهم في حالة كانوا في الشتات أو مهجّرين داخل الوطن، أسماء قرى مهجّرة، تراث فلسطيني يشمل الطعام واللباس والغناء وأدوات العمل والأمثال وغيرها.
القانون الذي سن حديثاً زاد الطلاب تمسكاً بقضية إحياء ذكرى النكبة حتى بدا لي هذا القانون سخيفاً إلا من ناحية واحدة، فهو ربما سيتسخدم ذريعة لحرمان بعض المؤسسات العربية من الدعم المالي ولكنه على الصعيد المعنوي ميت منذ لحظة ولادته.
قانون منع إحياء ذكرى النكبة هو جزء لا يتجزأ من نكبة مستمرة في تفاقمها، منع إحيائها يعني أنها ما زالت حية لأن الذي يحتاج الى إحياء ذكرى هم الأموات وليس الأحياء.
النكبة ليست موضوعاً تدريسياً يلغى أو لا يلغى، إنها واقع يعيشه الناس في فلسطين والشتات. إنها مرض خبيث في الجسد العربي وليس في جسد فلسطين لوحدها. مهما حاول البعض التفلسف وحصر الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، حتى الآن لا يوجد أي شعب من الشعوب العربية سلم من إسقاطات النكبة عليه، سواء كان من المحيطين بفلسطين أو البعيدين عنها، حتى أولئك الذين وقعوا اتفاقات سلام معها سراً أو علناً،إسرائيل مشروع أكبر بكثير من المساحة التي تقوم عليها، ومن يضع رأسه في الرمال لن يخدع سوى نفسه.
وفي الوقت الذي تسن فيه الكنيست قانون حظر إحياء ذكرى النكبة على الصعيد الداخلي فهناك احتمال قوي بتحويلها إلى صراع ديني يتجاوز المنطقة العربية كلها إذا استمر حكام إسرائيل في عدوانيتهم خصوصاً تجاه المقدسات وما يفعلونه في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس من تزييف وإلغاء ومحو لوجود الآخر وروايته.