بقلم : محمود صالح عودة ... 21.10.2010
يعجز المرء عن وصف ما قامت به القوّات الإسرائيلية تجاه الطفل عمران منصور، إبن الـ11، من حي البستان في بلدة سلوان المقدسية، وقد كان صمت الطفل خير تعبير عمّا جرى له، عندما قامت صحفية بمقابلته وسألته عن حاله.
فقد تصدّى عمران برفقة أطفال بلدته لجنود الاحتلال الذين اعتدوا على المواطنين في بلدتهم، ولمسؤول جمعية "إلعاد" الاستيطانية - التي تسعى لإقامة حديقة توراتية بعد هدم المباني الأصلية في حي سلوان - دافيد باري، الذي لم يتردد بدهس الطفل عمران ورفاقه والفرار من مكان الحدث، في مشهد تقشعرّ منه الأبدان. طالبت السلطات الإسرائيلية "دافيد" لإجراء التحقيق معه وأفرجت عنه بعد قليل، بينما اعتقلت الطفل عمران ليلاً، بعد تلقيه العلاج في المستشفى، وحققت معه لمدة 9 ساعات، إضافة لعدد من أطفال بلدة سلوان في القدس المحتلة، الذين قامت قوات الاحتلال باعتقالهم في منتصف الليل تحت تهديد السلاح، حيث كان بعضهم في فراشه، تم ذلك مع منع أهالي الأطفال من مرافقتهم لمقر التحقيق، بالرغم من صغر سنّهم.
كما إن التحقيق مع الأطفال القاصرين الذين تتراوج أعمارهم بين 9-16 سنة، شمل الشتائم القبيحة لهم ولأمهاتهم وأخواتهم وسب الذات الإلهية، إضافة للتعذيب والترهيب، في مخالفة صارخة لكل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية، ناهيك عن حقوق الطفل الخاصة. أفرجت السلطات الإسرائيلية لاحقًا عن بعض الأطفال بعد إجبار ذويهم على دفع غرامات مالية تقدّر بآلاف الدولارات، وحكمت على عمران بالحبس المنزلي لمدة أسبوعين، إضافة إلى تحديد وقت وجوده في المدرسة. يجدر الذكر بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي قامت باعتقال 600 طفل مقدسي منذ بداية العام الجاري.
لم يقتصر المشهد على الطفل عمران ورفاقه فحسب، بل قامت قوات الاحتلال يوم الجمعة الماضي بالاعتداء على المصلين في خيمة الاعتصام التضامنية في سلوان بعد صلاة الجمعة، وعزمت على هدم خيمة الاعتصام، إلا أن المواطنين تصدّوا للقوات الإسرائيلية. كما هدّدت السلطات الإسرائيلية صاحب المنزل نعيم الرويضي بطرده وعائلته من البلدة وتفعيل قرار الهدم الصادر بحق منزله إن لم يقم بإزالة خيمة الاعتصام، التي أصبحت رمزًا للصمود وعنصرًا توعويًا لأهالي البلدة.
إن ما تقوم به إسرائيل تجاه المواطنين الفلسطينيين لهو شذوذ عن الأعراف الدولية، وتعدٍ على القانون، ومعاداة للإنسانية. ومن المؤكد أنه إذا كانت الصورة معكوسة، وتم دهس طفل مستوطن يهودي تصدّى لسيارة فلسطينية، لكان المشهد مغاير تمامًا.
أصبحت ظاهرة دهس الأطفال الفلسطينيين ثقافة إسرائيلية، فحوادث الدهس التي تمت منذ بداية العام إما على يد مستوطنين أو على يد قوات الاحتلال بلغت العشرات، وهذا مؤشر خطير يدل على عدم مبالاة السلطات الإسرائيلية بتلك الحوادث، وعدم معاقبة فاعليها.
قد يكون سبب عدم المبالاة لتلك الجرائم هو إعطاء الشرعية الدينية لها؛ فهناك فتاوى يهودية تجيز قتل الأطفال والرضّع والنساء "الجوييم" (غير اليهود) في حال "شكّلوا خطرًا"، وصدرت آخر تلك الفتاوى من قبل "الراب" يتسحاك شابيرا في كتاب مشترك له ولـ"راب" آخر تحت عنوان "تورات هاميليخ". وإن كانت قد اعتقلت السلطات الإسرائيلية "الراب" يتسحاك شابيرا بعد اتهامه بالتحريض وأفرجت عنه لاحقًا، فمن المتوقع أن تترجم ذلك على أرض الواقع، وهو ما لم نشهده بتاتًا، بل تقوم القوات الإسرائيلية بمساندة المستوطنين ومشاركتهم باعتداءاتهم المتكررة على الفلسطينيين وأراضيهم.
إن تصدّي أطفال القدس للاعتداءات الصهيونية المتكررة يثبت أنهم أقوى من الآلة العسكرية الإسرائيلية، وأنهم من آيات الله بإيمانهم وشجاعتهم، وإن قال المرحوم غازي القصيبي ذات يوم:
حين يخصى الفحول.. صفوة قومي تتصـــدّى للمجرم الحســـناء
نعدّلها قليلاً ونقول:
حين يخصى الفحول.. صفوة قومي يتصـــدّى للمحتلّ الأطـــفال