بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 16.04.2011
يشهد العالم العربي في هذه الاثناء ثورات وقلاقل ومشاكل جمه تلقي بظلالها على المشهد العربي العام من المحيط الى الخليج ومن المشرق وحتى اقصى المغرب العربي, وما يجري في ليبيا وتحول ما يسمى بالثوره الى حرب اهليه هو دليل على ان مسار الثورات والتغيرات العربيه قد تغير ودخل منحى اخر غير هذا اللذي كانت تتمناه الشعوب العربيه والحقيقه المُره الجاثمه على صدر الواقع الليبي هي ليست دكتاتورية القذافي فقط لابل تحول جماعة بنغازي الى مشكله ومعضله من حيث تعاملهم مع الغرب والطلب من الحلف الاطلسي بتوجيه المزيد من الضربات للقوات الليبيه النظاميه والمزيد من التدخل الغربي في الشأن الليبي وهذا ان دل على شئ فهو يدل على الخدعه اللتي تعرضت لها الشعوب العربيه التي دعمت الثوره الليبيه ومن ثم تبيَّن ان هذه الثوره بدأت تعتمد على الغرب بالكامل في محاولة الاطاحه بنظام القذافي لابل ان هذه الثوره بلغت مرحلة تلطيخ الذات وتضليل الشعوب العربيه بتنسيقها مع امريكا والحلف الاطلسي ولا يعتقد اليوم عاقل ان هنالك اي تشابه بين مسار الثوره التونسيه والمصريه وما يجري اليوم في ليبيا من حرب اهليه وتدخل اجنبي سافر خلط حابل ليبيا القذافي بنابل معارضه تدعي انها ثوريه وفي نفس الوقت تتعامل وتنسق مع القوات الغربيه الغازيه للتراب لليبي..ما جرى ويجري في ليبيا هو خدعه اعلاميه وغربيه والجاري اليوم هو حرب اهليه واليوم بعدما ذاب الثلج وبان المرج تبين ان الثوره الليبيه المزعومه فاقده لكل المقومات الثوريه والاخلاقيه والسياسيه وهي في الحقيقه مجرد حركه معارضه تحاول اسقاط نظام القذافي من خلال التنسيق مع الغرب ومع القوات الجويه الاطلسيه التي قصفت وتقصف المواقع الحيويه والعسكريه في ليبيا لمساعدة المعارضه في اسقاط نظام القذافي...ثورة فضائية الجزيره وامير السيليه في ليبيا هدفها تلطيخ مسار الثورات العربيه وليس باي حال تصحيح هذا المسار..ماهو جاري في ليبيا حرب اهليه طرفها الاول قوات القذافي وطرفها الاخر المعارضه الليبيه والحلف الاطلسي الغربي... لاثوره ولا شحار بين...نقطه.
ماهو جاري في اليمن "السعيد" اخطر من خطير حيث تتدحرج كرة عنف النظام الحاكم نحو المزيد من سفك الدماء والمزيد من القتلى والضحايا من اليمنيين الذين يسقطون جراء اطلاق قوات علي صالح النار على المتظاهرين والمحتجين الذين يطالبون برحيل نظام طاغية اليمن الذي تقتل وتجرح قواته في يوم واحد المئات من اليمنيين في تعز وصنعاء وعدن الخ, والعجيب ان هذا النظام العدمي الذي يحكم اليمن منذ عقود مضت لايرى بوادر الكارثه ولا يعترف بتدميره اليمن اقتصاديا وسياسيا ولا يرى حقيقة ان اكثرية الشعب اليمني تعيش تحت خط الفقر ولا يحاول استنتاج النتائج واتخاذ موقف او مخرج لرحيله لتجنيب اليمن المزيد من التدهور وسفك الدماء.. النظام اليمني الذي يعتمد على قسم من الجيش والقبائل اليمنيه لم يستوعب بعد ان رحيله اصبح حتمي وعليه ان يرحل وترك اليمن لمن هو اقدر وافضل منه والسؤال المطروح: هل سيرحل نظام حكم اليمن من خلال مبادره شعبيه او خليجيه ام سيقود اليمن الى حرب اهليه تحت مقولة علينا وعلى اعداءنا؟
لايختلف الوضع في مشايخ وممالك الخليج العربي والجزيره العربيه, حيث البراكين الشعبيه تغلي وتنتظر لحظة انفجارها وما جرى في البحرين وسلطنة عمان والعراق وما سيجري في السعوديه ودول عربيه اخرى في هذه المنطقه لا يوحي ان هذه الانظمه الدكتاتوريه قد استوعبت الدروس وتفهمت مطالب الشعوب التي تطالب بمزيد من الحريه والعداله الاجتماعيه في بلدان غنيه بالنفط ينخر عظامها الفساد والفقر وغياب قلة عدل توزيع الثروه الذي ينهبها الفاسدين والفاسقين من ملوك وامراء ووزراء ورؤساء.. الوضع في ممالك ومشايخ ودول الخليج العربي ليست على مايرام و تحريف الامور حول تحريم المظاهرات "دينيا " وقمعها عسكريا لن يحل المشكله..المطلوب حل واصلاح شامل كامل وإلا ان الطوفان قادم لامحاله.
سوريا البلد العربي الذي يحاول نظام الحكم فيه استعمال العصا والجزره مع المحتجين والمتظاهرين, يخطأ نظامها في تقدير الموقف ورمي الكره في ملعب التحريض الخارجي على فتنه طائفيه داخليه, والنظام نفسه يعرف انه منحدر من طائفة اقليه تتحكم في كل مناحي الحياه السوريه سواء الاقتصاديه او السياسيه او العسكريه لابل ان النظام السوري يعرف ان الفساد احد اركان حكمه في سوريا وهو ظاهره نخرت وتنخر المجتمع السوري ونهبت ثروات سوريا وادت الى افقار الشعب السوري وجعلت اكثر من نصفه يعيش تحت خط الفقر وبالتالي ماهو جاري في سوريا من مظاهرات ستتصاعد وتتسع اذا لم يدرك النظام السوري اهمية التعجيل باصلاحات جذريه وليست اطلاق الرصاص وقتل الناس في درعا وغيرها لمجرد احتجاجهم على الاوضاع الاقتصاديه, والنظام السوري لم يدرك بعد ان الحكم العائلي والتحكم بقيادات الجيش والشرطه والامن من قبل عائلة الاسد لن يجدي في حالة هبة الملايين, والقمع في هذه الحاله سيؤدي الى مجازر اشنع من مجازر حلب في ثمانينات القرن الماضي الذي ارتكبها الاسد الاب و اخيه رفعت الاسد, لكن الوضع سيختلف تماما عام 2011 ولا يوجد اي ضمانه لنجاح النظام في قمع الشعب اذا اشتعل لهيب الثوره في سوريا التي تعيش على مسار خيط طائفي دقيق جدا تشكل فيه السنه الاكثريه الساحقه والعلويه الاقليه الحاكمه.. اي حماقه او مجزره سيرتكبها النظام السوري ستشعل سوريا وتغرقها في بحر من الدم..على النظام السوري ان يتوخى الحذر حتى لو كان اخوة الرئيس واقاربه هم من يقودون الجيش والشرطه والحرس الجمهوري.. الحل هو سياسي واقتصادي والبديل حرب اهليه دمويه والسؤال هل سيتحرك النظام السوري بسرعه لتفادي انزلاق سوريا الى مثال الحاله الليبيه واسوأ منها ايضا؟؟....نتمنى ان يدرك نظام سوريا ان الغربان تحوم بكثره في سماء سوريا وكثير منها هي غربان النظام نفسه؟؟
الاردن والمملكه الاردنيه يمر في مرحلة حراك شعبي وفرز جماهيري واضح, ولكن يبدو لي ان التحشيد السياسي والقبلي ما زال سيد الموقف في الاردن الذي يطالب شعبه بمحاربة الفساد والمزيد من الاصلاحات السياسيه والاقتصاديه وعلى النظام الحاكم ان يقدم مشاريع وحلول بديله لقمع المتظاهرين والمحتجين من خلال قوات الامن والبلطجيه.. الاردن ايضا يحظى بنسيج اجتماعي فيه كثير من الحساسيه, ولكنه نسيج استطاع التعايش على مدى عقود وبامكانه ان يواصل المسيره اذا اتخذ النظام اصلاحات جذريه سواء قانونيه اواقتصاديه او سياسيه..شعب واحد وهويه واحده..مواطنه صادقه لها وماعليها من واجبات..
لبنان الذي لم ينطلق من بوطقة برلمانه دخان اسود او ابيض يبشر بانفراجه سياسيا وطائفيا هو الاخر يمر في مرحلة حرجه ولكن اسوأ ما في الامر هو ضرب التعايش المشترك القائم في لبنان منذ عقود طويله من خلال التحشيد الطائفي وبالتالي لبنان الدوله نفسها تعاني نفس المشاكل الاقتصاديه الجاريه في العالم العربي, لكن لبنان يعاني من حساسية الطائفيه والتقسيمات الطائفيه والضامن لوحدة لبنان هو حكومه ودوله لبنانيه وطنيه قويه تضمن عيش الجميع بكرامه وحق المواطنه بما عليه وله لكل لبناني بغظ النظر عن مذهبه وطائفته ودينه...لبنان ايضا يجلس على فوهة بركان’ لكن بالامكان اغلاق هذه الفوهه من خلال برنامج وطني لا طائفي بغيض..!
دول المغرب العربي بما فيه تونس الثوره والجزائر والمغرب ما زالت تعاني من مشاكل اقتصاديه وسياسيه جمه وقوات الدرك والغازات لن تحل المشكله في النهايه, والاحتجاجات والمحاولات الشعبيه ستتواصل في ظل غياب طرح الحلول السياسيه والاقتصاديه في هذه الدول و للمثال لا يعقل في دوله كالجزائر غنيه بالنفط والثروات الطبيعيه ان يعيش اكثرية الشعب تحت خط الفقر ودون سكن..دول المغرب العربي بحاجه الى اصلاح شامل في مجال النظام ومحاربة الفساد والفقر الخ..!
مصر الدوله العربيه الاكبر والخارجه للتو من ثوره عارمه ما زالت تسير ببطؤ وتعاني من مشاكل جمه بعد سقوط نظام الطاغيه حسني مبارك, لكن المفارقه في مصر ورغم وضوح مطالب ثورة ال25 من يناير ان محاكمة رموز الفساد ومن نهبوا ثروات مصر لا تسير على مايرام لابل ان حسني مبارك يعيش في رغد في افخم الفيلات في شرم الشيخ في الوقت الذي يدعي فيه المجلس الاعلى الحاكم في مصر ان مبارك يخضع للاقامه الجبريه... يبدو ان مفارقة مبارك غيض من فيض المفارقات المصريه الجاريه.. نعتقد ان الثوره المصريه تحتاج الى تصحيح مسار ونعتقد ان صوت ميدان التحرير يجب ان يصدح من جديد اذا اراد الشعب المصري الحفاظ على ثورته العظيمه والحيلوله دون الالتفاف عليها من قبل الفاسدين والغرب الامبريالي...
فلسطين والقضيه الفلسطينيه تحتاج الى ترميم سياسي شامل يشمل وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة مطالبه من خلال انهاء الانقسام الفصائلي الجاري بين حركتي فتح وحماس اللذان لا يمثلان الشعب الفلسطيني بقدر ما يمثلا برامج فصائليه تفصل بين غزه ورام الله وكامل الشعب الفلسطيني وطنا ومهجرا.. في فلسطين وخارجها شعب فلسطيني مناضل ينتظر دوره في سلسلة الثورات العربيه والعائق امامه ليست الاحتلال الصهيوني فقط لابل ايضا الاحتلال الفصائلي التي تمارسه فتح و حماس في كل من رام الله وغزه.. اوسلو اليوم هي حمساويه وفتحاويه ومشتركه.. المطلوب اسقاطها من اجل وحدة الشعب الفلسطيني ومستقبله ,وبالمناسبه وبما يتعلق بالقرارات الدوليه والهيئات الامميه نرى في تراجع غولدستون عن تقريره كإقرار واضح بعبثية هذه الهيئات وكذبها اذا تعلق الامر بحقوق الشعب الفلسطيني وجرائم الاحتلال الاسرائيلي... الشعب الفلسطيني والشباب الفلسطيني عليه ان يتخطى عقبة حماس وفتح ويمضي قدما نحو فلسطين الوطن,, وهذه الملحقات والملصقات الفصائليه اما ان وتلهث وتلحق بركب الشعب او ستسقط تلقائيا بعدما يفوتها قطار ثورة الشعب الفلسطيني..نُدرك ان الحاله الفلسطينيه ليست طبيعيه في ظل الاحتلال والاختلال الوطني,, لكننا في الوقت نفسه ندرك اهمية المرحله واهمية تحريك الحراك الجماهيري الفلسطيني!
واخيرا وليس اخرا هناك الكثير من القضايا العربيه العالقه, ولكنها جميعها تتشارك وتتقاسم الاسباب نفسها وهي انظمة الحكم العربيه الفاسده والساقطه تاريخيا, وحتى ما يتعلق بالشان الفلسطيني هو قريب من الحاله العربيه العامه..فصائل,فساد, وتبعيه... العرب ورغم الثورات الجاريه يحتاجون الى تغييرات جذريه ومخططات بعيدة المدى لتخطى الحاله العربيه المزريه الراهنه....تشخيص الحاله هو الذي يؤدي الى علاجها او على الاقل محاولة العلاج!!