أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
بالمناسبة ما زلت رفيقاً في الحزب..!!

بقلم : سهيل كيوان ... 16.06.2011

رغم كل ما حملته الأشهر الثلاثة الأخيرة من آلام في وطني الحبيب سورية إلا أن هناك أسباباً كثيرة تدعوني للهتاف 'أنا سوري يا نيالي'. كنت قد تحمّست لفكرة الإصلاحات وتفاءلت خيراً بقدرة النظام بقيادة السيد الرئيس على إجرائها 'فلا يموت الذيب ولا يفنى الغنم'، ولكن هذا كان يشبه انتظار مُصاب بمرض خبيث أن يعالج نفسه بنفسه دون تدخل الطب ومعداته وأدويته وجراحته، وما لبثت بعد شهرين من بدء الانتفاضة أن آمنت بضرورة إسقاط النظام، ورغم قناعتي هذه لم أقتل بعد، ولم أجرح ولا دعيت إلى تحقيق، كذلك لم أعتقل، ولم أفصل من وظيفتي ولم يهددني أحد بالفصل من العمل، بالعكس، ما زلت أشعر بنظرات رضا وأسمع كلمات إعجاب من المحيطين بي، وهذه باتت تزعجني، لأنها تذكرني بأنني ما زلت محسوباً على النظام الذي بت أكرهه، وأهم من كل هذا أنني لم أتهم بخيانة وطني الحبيب سورية رغم رغبتي التي باتت حارقة بإسقاط النظام، وليس أقل من أي واحد من أولئك الذين حملوا أرواحهم على راحاتهم وألقوا بها في مهاوي الردى وهم يهتفون 'حرية حرية'.
سأكون صريحاً قبل أن تتساءلوا كيف تم لي كل هذا دون أن أصاب أو أتعرض لأذى! الحقيقة أنني لم أصرح برغبتي بإسقاط النظام حتى الآن لأحد، وما زلت محسوباً على النظام وهذا يأكلني من الداخل،بت أشعر بطفيليات تنتشر في جسدي وتنهشه. موقفي الحقيقي لا تدري به حتى زوجتي التي تشاركني الحياة 'على الحلوة وعلى المرّة' منذ أكثر من ربع قرن، لم أخبرها برغبتي السرية هذه لأنني أحبّها وحريص عليها أكثر من بؤبؤ عيني، وأخشى أن تتبنى موقفي وتتحمس له فهي متهورة وقد يخونها لسانها في لحظة ما فتجهر بهذا لجارة لها أو قريبة وتتورط وتورطني وتدمر كل ما بنيناه معاً، مرات عدة سألتني بلهجة استنكارية: أيعجبك ما يجري في البلد.. منتظرة هجومي على النظام! فكنت أرد عليها بأن ندع الأمور حتى ينجلي الموقف الضبابي، فرغم كل الود والرحمة بيني وبينها أخشى أن يحدث في يوم من الأيام خلاف بيننا بسبب أمر تافه لا علاقة له بالسياسة فيتطور إلى نزاع وتحدٍ فتنتقم مني وتخبر ابن عمّتها (الشبّيح) بحقيقة مشاعري التي أخبئها عميقاً في صدري، فيشبحني شبحاً بحجة الانتصار لإبنة خاله التي هي زوجتي، ولن يعرف أحد بعد هذا ما هو السبب الحقيقي لشبحي، سيقول الثائرون 'خرجُه..مستاهل الله لا يردّه كان يأكل من خبز السلطان ويضرب بسيفه' وسيقول رفاقي وزملائي في العمل إن مندساً قتل أحد الموظفين المخلصين للوطن وللعمل ولسيادة الرئيس،ولن يعرف أحد الحقيقة المختبئة من وراء شبحي.
أنا مع إسقاط النظام من كل قلبي فقد بت حاقداً عليه بعدما رأيت أفعاله الإجرامية، وهذا سر لا يعرفه عني سوى أنا وخالقي، ورغم ذلك ما زلت محسوباً على النظام، فنحن في مكان العمل لا نتحدث عن ما يجري أمامنا وحولنا إلا كما تبثه فضائيتنا وصحفنا الرسمية التعيسة، فنكذّب أعيننا وآذاننا وأنوفنا ونردد كذبهم.
تسري قشعريرة في بدني عندما أسمع الثوار يهتفون 'الشعب يريد إسقاط النظام' أطل عليهم من نافذة الحمّام فأحسد هؤلاء الشجعان على شجاعتهم، يا إلهي من كان يجرؤ على مثل هذا قبل أشهر فقط، فالهتاف في أحيان كثيرة قد يعني الموت، وعلى الأقل التحقيق والاعتقال والبهدلة، ولو ضبطت متلبساً بالهتاف فمن المؤكد أنني سأطير من وظيفتي وسأحرم من كل حقوقي وقد تلفق لي تهمة التحريض على التمرد، أحسد هؤلاء المتظاهرين على شجاعتهم، فأنا رغم ما كتبته عن قصص الشجاعة والشهامة والرجولة للمسلسلات التي أحبها الجمهور العربي الواسع، أشعر بصغري أمام هؤلاء الأبطال، إنهم يواجهون الرصاص الحي بشجاعة أسطورية، والرصاص الحي أرحم وأفضل بكثير من الموت ركلاً بالشلاليط وتحطيم الجمجمة بالهراوات، ها أنا أسقط في الامتحان، لست جبانا تماماً، والله لو عرفت أن نهايتي ستكون برصاصة لخرجت الآن وتظاهرت، ولكنني أخشى مما هو أبشع، ليس في قلوب هؤلاء رحمة ولا ذرة من الإنسانية، إنهم مثل حيوانات عجماء موجهة لا تحسن سوى التمزيق والقتل وحتى التمثيل بجثث الموتى، لقد فقدوا الحس بالحياء، كيف أصبحت كلمة 'حرّية حرّية' أكثر خطراً من تهريب الحشيش والكوكائين وممارسة الدعارة! ورغم هذا أقول 'أنا سوري يا نيالي'، أقولها بثقة لا تتزعزع، هؤلاء الثوار الشجعان جعلوني أقولها بفخر واعتزاز، ولا بد أن تأتي لحظة كسر الحاجز الذي نما في جسدي فأكون منهم،إذا لم يكن في هذه الجمعة ففي الجمعة التي تليها،وكل جمعة لها اسمها، قد يكون اسمها 'جمعة أهل الفن والكلمة'، ليس هذا هو المهم،المهم أنني سأشارك قبل فوات الأوان، أحدهم قال لي ...أي ثورة هذه التي لا تنطلق إلا في أيام الجمعة وبعد الصلاة..! يومها رددت عليه بانتهازية احمر لها وجهي وقلت: صحيح ما تقوله..أين دور المسيحيين والدروز والمسلمين الذين لا يدخلون المساجد من أمثالنا!ها هو حتى الشاعر أدونيس قال إنه غير مستعد للمشاركة في مظاهرة تخرج من مسجد! أتذكر انتهازيتي هذه فأتعرق خجلاً،فالحقيقة التي أعرفها ويعرفها الجميع أن النظام لم يُبق مجالا آخر لتجمع الناس وتنظيمهم سوى المساجد، هؤلاء الناس يجتمعون تحت حماية الله، وحتى هذا لم ينج من البطش، ولكنه ما زال أكثر قدرة على تجميع الناس من نادي حزب سياسي، وهل بقيت أحزاب قادرة على المعارضة دون أن تغلق نواديها ويعتقل كوادرها إلا إذا كانت جزءاً من لعبة النظام! لقد قضى النظام عبر سني حكمه على كل صوت معارض، والآن يتفذلك بعض المثقفين ويلومون الناس لأنهم يخرجون من المساجد للتظاهر وفقط في يوم الجمعة.
أنا لم أولد جبانا، لم أكن هكذا في زمن مضى، ولكنهم خصوني، ورغم هذا أشعر بدنو تلك اللحظة التي أسقط فيها القناع، فلا يمكن لحياتي أن تستمر وكأن شيئاً لم يحدث، سوف أختنق أو أنجلط، ما يفعله النظام هو تأجيل للحظة التاريخية الحتمية وسكوت أمثالي يساعده في تأجيلها، وهذا يعني ضحايا أكثر، صحيح هناك أصوات أجنبية معادية تدّعي أنها مع مطالب الشعب السوري، والنظام يستغلها ليخلط الأوراق ويتهم الثورة في شرفها، حتى ليبرمان وزير خارجية العدو طالب الرئيس بالتنحي، من طلب نصرة من هذا الوبش أصلاً! كذلك تفعل هيلاري كلينتون وكثيرون من ساسة الغرب المنافقين، يريدون خطف زهور الربيع العربي، ولكن النظام هو المسؤول بتعنته وليس الثوار، النظام جعل الذي يسوى والذي لا يسوى يتدخل ويشمت بنا، على كل حال ما كان لن يكون، فالناس كسروا حاجز الخوف، ومن العيب أن يبقى أمثالي متفرجين، قريباً سأكسر حاجزي الشخصي، وبالمناسبة أودّ التوضيح بأنني لست معادياً لحزب البعث، وقد تستغربون بأنني ما زلت رفيقاً في الحزب، أي ما زلت مسجلاً، وهذا أمر بات مصدر خجل لي، بل يؤرقني ويخيفني، لأن الهوّة بين مبادئ الحزب وما يجري على أرض الواقع شاسعة، شاسعة جداً حتى بات من المستحيل ردمها أو رأبها، لقد أساء المتنفذون لأفكار البعث مثلما أساء متنفذون آخرون لأفكار الشيوعية ولهذا فالنهاية حتما ستكون متشابهة....