أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
عُرس إلأموات..!

بقلم :  د.شكري الهزيل ... 24.6.07

الجزء الاول: الكهف!
كانت نشاتنا مع الحروب و الموت وقصص الموت والحياه كما يبدو نَشاه حتميه, وكان على اهل فلسطين من شمالها الى جنوبها وصحراءها وسهولها وجبالها وبحارها واجيالها المتعاقبه ان يُعايشون قصص كثيره واشكال عده عن و مع الموت والتشريد, وكان علينا ان نُعايش اشكال وكيفية موتنا بمقدار تطور اسلحة القتل والموت الجسدي والمعنوي اللتي فرضها علينا الاصدقاء والأعداء في أن واحد,وكان قدر الكاتب ان يُولد في صحراء ليست قاحله كما إدعى الاعداء!!, جميل كان ذلك المنظر الخلاب الذي مازال عالق في ذاكرتنا مُنذ عقود,.. منظر عودة القطيع والرعيان عند غياب وغروب الشمس الى المضارب والخيام...حركة إنسانيه واصوات الخوار وصهيل الخيل,وذلك الدُخان الذي ينبعث من النيران الموقده يداخل او إمام الخيام... والرجال والنساء اللتي تُلاقي القطيع عند عودته..والجوع والعطش بعد تعب اليوم الذي جعلنا نحلم في تلك اللحظه فقط بلُقمه خبز او شُربَة ماء...في بعض الاحيان تَضيع عنزه او نعجه من القطيع وفي احيان أخرى تمُوت وفي احيان أخرى تفترس ذئاب الصحراء بعض الأغنام داخل الزريبه رغم الحراسه الليليه ونباح الكلام.. وهكذا ورغم قِلة الشئ واالتخلف الانساني والتقني كانت الفوانيس العامله على الكاز تُضئ ر وح حياتنا وحياة صحراءنا الجميله...هذه الصحراء وما جرى لنا ولها بقي غصه قي قلوبنا ولوعة حنين الى ماضي قد وَلَّى ولن يعود..قد يعود ولكن ليس الأصل!!
كانت الباديه تعيش طبيعتها وفصولها, وكان اجمل فصولها فصل الربيع والصيف والحصادون وعند بزوغ الفجر تُراقب حركة صحوة الناس والحَصادين الذاهبين الى الحصاد مُبكرا حتى يستغلوا رطوبة ساعات النهار الاولى قبل بلوغ الشوب[ الحر] ذروته في ساعات ماقبل الظهر, ومن ثم تَرقُب عودة الحصادين والبهائم المُحمله بالحصاد والقش الذي يُجمع في الجُرن لتدرسه البهائم [ درس الزرع لاستخراج الحبوب] اللتي تُربط بجانب بعضها وتبقى تدوس وتدور فوق القش حتى تسقط الحبوب من السنابل, ومن ثًم يُذَرَّى القش بالدِقران[يُذرى القش عندما تهب الرياح ويقف المُذري في العاده مع مسار الريح حتى يتطاير القش وتبقى الحبوب] والغربال فيما بعد حتى تصبح حبوب القمح والشعيرصَليبه شبه صافيه من القش والاعشاب الاخرى, ومن ثُم تُعبى في اكياس يُباع الفائض منها و تبقى المونَه من القمح والشعير والذره كعلف للبهائم وكبذور للزراعه في فصل الشتاء القادم, ولا ننسى التِبِن اللذي يُدرس من القش حتى يصبح ناعما وعلفا البهائم!!!
في فصل الشتاء وبين كانون اول والثاني يَكُون وقت الزراعه اللتي يقوم فيه الفلاحين اولا بحراثة الارض بواسطة الَفرد[ المِحراث] اللتي تجره الخيل والبغال او الجمال والحمير ومن ثُم تُبذر الارض بالبذور[ البْذار], ويقوم البَذَّار بحمل القُفَه اللملوءَه بالبذور ؤيغرُس يده كُل مره في القفه ويوزع البذور ويرميها بشكل قوسي حتى نهاية الخط[المارس] ومن ثُم يبدأ خط موازي للأول وهكذا تواليك حتى زراعة كامل قطعة الارض!! هُنا وفي هذه الفتره تَمُر أسراب بعض الطيور المُهاجره كالزرازير وابوسعد وغيرها , وهي طيور تستغل وقت البذَار لتلتقط الحبوب المبذوره على الارض ويقوم المُزارعين وخاصة الاطفال بدق الصطول والطبول او الطُشط لطرد الطيور اللتي قد تُسبب بخساره فادحه إذا ماتُركت تلتقط حبوب البذار!!!!
عند حلول الخريف تصبح الصحراء قاحله وتمتلئ بالاتربه الناعمه وخاصة في اارض الحصيدَه اللتي تاكل قشها الأغنام وتدوس الارض بِاقدامهاحتى تصبح التربه ارض ناعمه تحمل غُبارها الرياح والمَعَاصِير, وفي هذه الفتره يقوم البدو بعلف مواشـيهُم بما خَزنُوه من قش وتبن وحب لهذه الفتره ولهذا الغرض!!!!! اجمل ما في تُربة صحراءنا[ تُربة صحراء النقب الشمالي تُربه حَمراء وليست تُراب صحراوي ناعم] هو رائحتها الجميله بعد سقوط اول زخات المطر الذي يطول إنتظاره في كثير من الاحيان...سنين المحل: السنين لا يسقط فيها مطر كافي للزرع والمواشي,, وسنين الخير هي: السنين اللتي يهطل فيها كمية مطر كافيه لانتاج غلَه ومحصول جيد من القمح والشعير والذره!! بداية سقوط الامطار تكون ايام سعيده بالنسبه للبدو ولنا كأطفال انذاك, حيث تَغسل الامطار الأرض غسلا وتصبح الدنيا جميله وتُذبح الولائم ويصبح مزاج الناس مزاجا طيبا ومرحا!! اول فوائد المطر هي توقف الغُبار والتُراب عن التطايُرمع الرياح[ الارض تصبح مُتماسكه] ... وثانيها بزوغ الاعشاب اللتي تتغذى عليها المواشي, كمية الامطار هي اللتي تُحدد سنين المحل وسنين الخير!!!!!!
ترعرعنا في اجواء الصحراء وصحونا على قصص وحكايات التَعليله[السهره] في الشِق [المضافه] اللتي ياتي اليه رجال المضارب البدويه في المساء بعد ان يَنهوا اعمالهم ويؤمنوا مواشيهُم في الزرائب خوفا من ذئاب الليل الكاسره... ذئاب حقيقيه وذئاب بشريه!..في هذا الشق كان الناس يتجاذبوا اطراف ألأحاديث عن الأحياء والاموات وعن هؤلاء اللذين غادروا الحدود ولم يعودوا..او هؤلاء الذين طردوهم او قتلوهُم اليهود..او عن المُتسللين وهم الفلسطييون اللذي شردتهُم اسرائيل خارج فلسطين وكانوا يُحاولوا التسلل الى الوطن من الدول المجاوره او النوع الأخر من المُتسللين وهم الفلسطينيون من قطاع غزه والضفه الذين يتسللون عبر الوطن المُحتل من غزه الى الضفه او بالعكس او من غزه ثُم الى الضفه فالاردن!!
شاءت الاقدار والاحداث ان يكون موطن وخيمة ابي في مكان ما في الصحراء يقع بين الضفه والقطاع, وشاءت الاحداث ان بيتنا كان يقع على تله وحولها اوديه [وديان] وشعاب, ولكن الأهم من هذا ان في اسفل التله من الجهه الشرقيه كانت هُنالك مَغاره[كهف] قديمه يبدو انها تابعه لعصور غابره, وكانت هذه المغاره واسعه ومُقطَّعَه الى غرف ومخازن ,و عَقِد,, وتفوح من داخلها رطوبة و رائحة عبق التاريخ وعصور مضت...كانت لهذا الكهف رهَبه خاصه تبعث الرعب والوحشه في قلوب الصغار في النهار ولكن بشكل خاص يصبح مُرعبا في الليل لشدة الظلام وخُلوَة المكان وأثار المقبره العتيقه الواقعه الى جانب هذا الكهف...هذا الكهف كان جزء من منظومه كامله تحول ماحوله الى خراب وأثار حجاره مَردومَه,ولكن هذا الكهف كان متينا وواسعا ويمتد في عمق الارض طولا وعرضا...في الليل كان الظلام حول خيمتنا وحول هذا الكهف ظلاما دامسا ولا ترى سوى نور الفوانيس القليله المُنبعثه من خيم جيراننا البعيدين...تبدو هذه الفوانيس كنقاط نور صغيره في بحر شاسع من الظلام...كُلنا نقول: لا يرى الانسان أصبع يده من حلكة الظلام!!
كان ابي طيب الله ثَراه يضع المواشي في فصل الشتاء في هذه المغاره خوفا عليها من البرد , وكُنا نحن البشر نُشارك المواشي في الغُرف الاماميه إذا إشتد البرد وحَلَّت العواصف على خيمتنا فوق التله اللتي تَبعد عن الكهف أكثر من مئة متر..كُنت اتصور أحيانا انها تبعد الف كيلومتر عن هذا الكهف المُوحش!!!
كان أبي يوزع علينا المهام والعمل نحن ابناءه وبناته من صغار ومتوسطي الاعمار وكبار....وكنت انا صغير القوم...كاد ان ابزُغ من الارض...وكانت زيارة الكهف في الليل والاعتناء بشؤون المواشي تحدي كبير ومُرعب..تحدي يختلط فيه حابل الرجوله[الطفوله] المبكره وعدم إظهار الخوف ونابل الخوف ومطرقة العشرات من حكايات حول الجن والمارد والارواح الشريره اللتي تسكن هذا الكهف..في بعض الاحيان تبدو البقره او النعجه او الحصان الذي نعرفهُما في النهار شيطانا في ظلمة ليل هذا الكهف!...كانت عيون الحيوانات هي الوحيده اللتي تُلصف في الغُرَف الخلفيه لهذا الكهف المُظلم والمُرعب!!... الحديث يدور هنا عن خيمه وكهف ورُقعَه خاليه,, واقرب جار لنا من الجهه الغربيه اللتي لاتطل على الكهف كان على بُعد كيلومترات بينما لايوجد اي جار او ضوء قريب لهذا الكهف من الجهه الشرقيه والشماليه والجنوبيه!!
بالرغم من وحدة وبداوة ابي في الصحراء, كان ابي من وجهاء وشيوخ القبيله, وكانت المعازيب الزوار والضيوف يأتون الى الشق على ظهور البهائم لتناول الطعام وتبادل الحديث, وفي كثير من الأحيان يبقون حتى التعليله[السهره] حتى ساعه متاخره من الليل ويعودون الى بيوتهم على ظهور البهائم, ومنهم من يَبيت [ينام] في الشق ويذهب في الصباح الى دياره!!
اطلق الناس علينا لقب البَرَّاره والمتوحشين في البريه!!, لأن ابي كان يعيش نوعا ما بعيدا عن المضارب الرئيسيه لعشيرتنا اللتي كان يتربع على عرشها جدي والد والدي!!, ولكن من اللافت للنظر ان والدي كان يملك صندوق عجب[مذياع] في حين كان هذا الصندوق بضاعه نادره ولا يملكه إلا اصحاب الشأن والحظ , وكان هُنالك من المعازيب في الشق من كانوا يأتوا خصيصا لسماع الاخبار العربيه وعلى راسها صوت العرب ومحطات عربيه إذاعيه أخرى, وبرنامج سلامات لم اعد اذكر اسمه, ولكنه كان يبث سلامات من الفلسطينيين المُشردين في العالم العربي الى اهلهُم في الارض المُحتله...وكان بعض معازيب الشق يعرف مُرسلي السلامات او اهلهُم وعائلتهم... وكان من بينهم [المعازيب] من يتَحصَر بعد وأثناء سماع برنامج سلامات...سبحان الله بعد ما كُنا أهل البلاد وفي فلسطين..صاروا ناسنا مشردين ويبعثون السلامات في صندوق العجب!! بينما يقول أخر :الله يَلِم شمل ناسنا وربعنا!!! والله يِكسر شاؤول وموشيه اللي خَربوا ديارنا وشردوا ناسنا!! ثم يدعوا أخر على العرب والجيوش العربيه الخائبه اللتي سلمت فلسطين لليهود!!
لم افهم سر ان والدتي ام سالم كانت تَخبُز كثير من الخبز على النار والصاج إلا فيما بعد..وكان ابي يقول لأمي...أخبزي يا ام سالم خبز كثير ولا تنسي ضيوف الرحمن وضيوف الليل!! وكنت استيقظ في بعض الليالي على اصوات تُنادي ابي من الظلام..يا ابوسالم..يا اهل البيت ..وكان ابي يَرُد عليهم: حيالله بالضيوف.. وتفضلوا.. وسلمتُم.... وعندما انظُر في بعض الاحيان ورغم صغر سني من ثقب في المعنَد[ العازل بين الشق وباقي الخيمه] ارى على ضو الفانوس وجوه بشر تبدو متعبه واحيانا مرعوبه ومُنفعله, وفي ليالي القمر ارى كثير من الحمير البيض والكبار[ في بلادنا يسمونهن الحمير المَصريات] مُحمله بالبضائع تقف امام خيمتنا ثُم تختفي في الصباح ولا وُجود لها , وهكذا دواليك...وفي الصباح يَكون هُناك باقي خُبز وطعام في الشق!! وذفال[كيس الخبز] ام سالم يَكون شبه فارغ بالرغم من أنَّهُ في المساء يَكون دوما عامر!!!
كان والدي يحتاط كثيرا من اليهود وعيونهُم من العرب, ويشك او غير واثق من معرفتهم لهوية ضيوف الرحمن والليل اوانهُم يراقبونه بالفعل !! وكان ينزعج عندما يرى كمنكر[سياره] جيش يهودي في المحيط او يقترب من الخيمه او كهف العجائب!! وكان احيانا يُهادنهُم ويعزمهُم على الشاي كي يبدو ساذجا ويُموِه عن وضعه الحقيقي وعلاقته المُستمره مع ضيوف الرحمن والليل!! كان دوما قبل حلول الليل يُراقب من على التله حركات وتحركات كمنكرات الجيش ويَشك احيانا في ان لَهم عيون بدويه[مُخبرين] !!
كان الليل دامسا والبرد قارصا عندما طلب منا والدي انا واخي اللذي يكبرني ببضع سنوات القيام بمهمه!.. , كان الطلب صعب ومرعب من وجهة نظرنا كصغار..كان علينا أن نذهب الىالمَغاره[ الكهف] لنرى ماهي احوال المواشي في داخل المَغاره!!! لايوجد لا ولا رفض للطلب في قوانين الصحراء حتى لوكنت خائفا ومرعوبا من المَغاره ناهيك عن ان راسك يعج بالخوف المَسبَق من اساطير الشياطين والعفاريت اللتي تَسكُن المَغارَه!!
تسلحنا بالعُصي أنا وأخي كالرجال وأخفينا هذا الكم الهائل من الخوف وذهبنا بخطى مُضطربه حتى وصلنا بوابة المغاره [المدخل الرئيسي]...كانت الخيل والأغنام في المصاطب[الغُرف] الأماميه على مايُرام وضو فانوسناالصغير يكفي نوعا ما لرؤية هذه المساحه, ولكن الصعوبه الكُبرى تَكمُن في المصاطب الخلفيه المُظلمه واللذي يقطنها قطيع البقر اللتي لا ترى منها الا لمعان عيونها في الظلمه!!! ويوجد بين المصاطب الاماميه والخلفيه ممر واسع[ساحه] وعلى اليمين فَتحة العَقِد[ مخزن علف وحبوب عميق كالبئر ولَه فتحه صغيره ودرج الى الاسفل..عادة كان مَلئ بالثعابين] , وعلينا ان نَمر من الممر حتى نَصل الى المصاطب الخلفيه..." كُنا نسمي هذا الممر: خط الخوف والموت", وهُنا بالتحديد تَسمرت فَجأه في مكاني ولكزت أخي على كتفه..وقع نظري على حمار ابيض مصري كبير, وخلفَه على الحائط يقف رجل"مارد" وعلى راسه عمامه بيضاء!!..تماما كما هو مغروس في راسي من صورة رُعب للمارد والشيطان اللتي يسكن في المغارَه!!....وبدأت اصرَخ يا بوي ويا يُمه ..المارد....المارد..العفريت..وتسمر اخي في مكانه ايضا !!..ولم يستطع احدا منا الهرب او القدره على الحركه...وحاول "المارد" الانسان ان يُهدأ من روعنا!! عَمُو لا تخافوا...انا ابويونس صديق ابوكُم..وبدا يقرأ ايات قرانيه حتى يُهدا من روعنا...ولكن ماحدث زاد الطين بله وهو نفاذ كاز[زيت] الفانوس وانطفاء الضوء وحلول الظلمه الدامسه..وغياب ابويونس في الظلمه وبقاء صوته ضائع في برية صراخنا ورُعبنا!!! كان هذا الكهف عميقا تحت الارض وسقفه سميك, ولا يمكن ان يسمع احدا صراخك او صوتك وا نت داخل هذا الكهف!! ولا ادري حتى يومنا هذا: كيف جمعنا انا واخي قوانا وخرجنا من حالة التَسَمُر وهربنا الى الخارج صارخين ...يا يُمه ويابوي ...المارد.. العفريت في المغاره....إلحقونا....!! سمع ابي وامي صراخ إستغاثتنا ...إسم الله ..إسم الله...ياساتر تُستر...تستور يُستر الظعوف[ الاطفال] قالت والدتي لابي.,,,.. ثُم حاول أبي تَهدأت روعنا وقال انَه سيذهب للمغاره ؤيأتي بملعون الوالدين "المارد"...أسيرا في الشق لِنتفرج عليه....ويبدو انهُ خمن من سيكون هذا المارد!!...ولكنه حاول تهدأت روعنا بعودته السريعه الى الخيمه وإمتشاقه لِغَدَّارَه ومشط كامل من الفَشَك...إمتشق غداره والكَف ونزل الى المَغارَه....إستغرق ألأمر بعض الوقت حتى عاد ابي حقا وحقيقه ومَعَهُ " المارد" اسيرا" في الشق...حيالله بأبو يونس!! تَحيا ودُوم أجاب ابويونس" المارد" وقال : الله يَلعن الشيطان:.. ألاولاد أرتعبوا من شُوفتي في المَغاره!!, ومن ثُم جلبنا ابي الى الشق لنتأكد ان مارأيناه ليس مارد لابل صديقه ابويونس اللذي يتسلل من حين الى أخر من غزه الى الضفه او العكس بهدف التجاره وكَدَلال [مُرشد] طُرق لِمُتسللين أخرين لا يعرفوا الطريق بين الضفه والقطاع وكيفية التستُر عن عيون اليهود!!!....الحقيقه ورغم رؤيتي بان ابويونس كان إنسا وليس جِنا,,,ولكني كُنت مرعوبا وغير مُصدق أ ن حماره الأبيض بقي للمبيت مع المواشي الأخرى في المغاره!!!... والدتي قالت ... لا عفريت ولاشحار بين...هذا يايُمَه من المُتسللين أصحاب ابوك,,,وهذه كما اذكر اول مره اسمع بالمُتسللين واستنتج ان هؤلاء هُم ضيوف الليل والرحمن اللتي يطلب ابي من امي دوما ان تأخذهُم في الحساب عندما تَخبُز الخبز!!!! ابويونس كان يختبا دوما مع علم والدي في المغاره إذا ما شعر بعدم الامان ووجود كمنكرات جيش في المنطقه!! وكان ابويونس رجل طيب وامين!! وعندما يشعر بالامان في الليل يخرج من المَغاره ويذهب الى خيمة ابي على التله ويتزود بالزواده [ الخبز والطعام], ومن ثُم يكُمل طريقه مع الفجرالى خويلفه وجبل الخليل!!!...في هذه المره كان حظنا انا واخي تعيسا لعدم معرفة ابي بإختباء ابويونس في المغاره, ولهذا السبب لم يُخبرنا بوجود"المارد"!!!...ولكن ابويونس لم ينسى ان يجلب لي من غزه بعد حين وفي رحلة تسلل أخرى هديه بسيطه عباره عن فَخ[مصيده] عصافير اطلقت عليه اسم الغزاوي..اصبح عادي القول صاد الغزاوي عصفور... الغزاوي اسد يفترس العصافير...والقاب واحلام طفوله ضاعت مع الغزاوي في طيات السنين وأحداث لم يبقى منها سوى هذا الذي على الورق!!
ظَل ابي على عهده بمساعدة المُتسللين وظلت خيمتنا والمغاره إشارة مرور وبطاقة تعريف لأبي والمتسللين....ونحن الاطفال الصغار تعلمنا كتم الاسرار!... بإ مكانك ان تحكي عن كل شئ ماعدى المُتسلللين وضيوف الرحمن والليل...الحديث للغُرباء وحتى الأقارب عن زياراتاهُم للخيمه والمغاره يُعتبر خيانه عُظمى لا تُغفر!!! ولا مجال هُنا للخطأ وزلة اللسان اللتي في حال حدوثها.. سيعتقل اليهود والدي بتهمة " مُساعدة العدو وتهريبه" وسيزجوا به في السجن لعشرات السنين كماجرى لأخيه تاجر السلاح اللذي مازال قابعا حتى ذلك الحين في السجن الاسرائيلي بتهمة بيع اسلحه " للعدو"!!! ...العدو اخوه الفلسطيني!!
صِرنا في صحراءنا ومنطقتنا اللتي تَسمى وادي الخزان فريق كامل مكون من الوالد ولوالده والأخوه وألأخوات يُعنى بشؤون المُتسللين والمراقبه والاستخبارات خوفا من جيش اليهود والكبسه..الكبسه تعني كما عرفناها وعايشناها على جلودنا: ان يظهر جيش وقوات اليهود فجاه ويحاصرون الخيمه والمغاره بهدف التفتييش عن وجود مُنسللين او سلاح وإدانة الوالد بتهمة " مساعدة العدو"!! كبسة الليل كانت مُرعبه لنا نحن الأطفال:: جيش مُدجج بالسلاح وكشافات واضواء تُضئ عتمة وظلمة الصحراء!! احيانا يأخذك الجندي كطفل ليُرعبك حتى تُعطيه معلومات عن المتسللين!! ولكن كما ذكرت كان هذا شبه مُستحيل بإعتبار هذا العمل خيانه عُظمى!! وكما تعلمون اليوم وبعد عقود من الزمن أصبحت الخيانه في العالم العربي مُجرد وجهة نظر يعتز بها الخونه الكبار امام الصغار!!!!
كانت هُنالك رموز وشيفرات ومراسيل تُحاول تأمين طريق المُتسللين والتجار بين قطاع غزه والضفه الغربيه واللتي تَمُر من فلسطين التاريخيه ومناطق صحراء النقب المُحاذيه للحدود مع غزه والضفه...فمثلا " الهيشه فيها ضَبْعَه" تعني ان الطريق خطره بوجود جيش اليهود,,, والهيشه سالكه تعني ان الطريق مُهيأه للتسلل,و يبدو ان خيمتنا والكهف كانت نقطه ورمز من رموز كثيره لشبكه نُقاط واشخاص مُمتده على الطريق من غزه وعبر النقب وحتى الضفه الغربيه, ولكن هذا لا يعني بان جميع المُتسللين يَمرون بسلام..إذ تحولت في كثير من الأحيان هذه الطريق والمسالك الالتفافيه الى طريق الخطر والموت حيث يقبض الاسرائيليون على المُتسللين ويقومون بإعدامَهم ودفنهم في وادي الشريعه[ القريب من غزه] واماكن أخرى, حيث روى احد معازيب والدي هذه القصه: لقد ذهب"تسلل" في فصل الشتاء الى وادي الشريعه لجمع ألأعشاب لعلف الأغنام.. وعندما سار في الوادي راى ان السيل جرف التراب عن جُثث مازالت مُلقاه في سفح الوادي والشعاب ومنها مازال اصحابها[ الجثث] يعتمرون الكوفيه واللباس التقليدي الفلسطيني, وقد تأكد من كون الجثث كانت من المُتسلليين اللذين قتلهم اليهود!! قال الراوي أنَهُ ارتعب وهرب وخاف ان يكتشفوه قريبا من الجثث ويُحولوه الى جثه هامده مثل تلك الجثث!! كان معروف بين الناس ان اليهود يقتلون الشاهد على جرائمهُم حتى لايكتشف احد هذه الجرائم ومن المسؤول عنها!!!!
توالت الكبسات و أحداث المُتسلليين وجرائم الصهاينه بحقهُم, حيث كان هُنالك يهودي اطلق عليه البدو اسم موسى العِير, وهو ضابط اسرائيلي تخصص في القبض على المُتسللين وإعدامهم أفرادا وجماعه بدم بارد, وقد كان موسى العير وجماعته يُلقون القبض على المُتسللين ويُجمعمهُوهم في البوايك[ البايكه:بيت الطين] المهجوره[ هجرها الفلسطينيون عام 1948] ثُم يطلقون عليهم النار, ومن بين هؤلاء اللذي أعدمهم موسى العير كان خالي أخ امي, وقد حاول التسلل عائدا الى الوطن ولقي حتفه على يد موسى العير[ عاش موسى العير حتى وقت مُتاخر من منتصف التسعينات من القرن العشرين في كيبوتس ميشمار هانيقب..مستوطنه يهوديه في النقب مُجاوره لمضارب البدو, ولم يُحاسبه احدا على جرائمه رغم معرفة الكثيرين من بدو النقب ان موسى العير كان قاتل ابوهم او اخيهم او احد اقرباءهم] ...هذا موسى العير كان يجمع ويُصادر اموال وممتلكات المتسللين قبل قتلهُم....وقدأصيب هذا العير في احدى المرات بجراح خطيره عندما هاجمه احد المتسللين الشجعان بسكين قبل ان يطلق الرصاص عليه ويرديه قتيلا مع باقي المُتسللين!!!
وبالمناسبه حدثني والدي ان الكثيرون من من كانوا يتبوؤن مناصب في الانتداب الانجليزي وكانوا مسؤولين عن شؤون منطقة النقب,,,تبين فيمابعد[بعد عام 1948] انهُم من غلآة الصهاينه وشاركوا في طرد عشرات الألاف من بدو النقب, وكان من بين هؤلاء من خانوا العيش والملح...كان البدو يُضيفوا وينحروا الخراف للبعض من هؤلاء كمسؤولين في حقبة الانتداب الانجليزي!! هؤلاء كانوا أشد من فتكوا بالبدو فيما بعد عام 1948 !! ومن بينهُم من قام بالسرقه والاستيلاء على خيول البدو الأصيله وهي من نوع الخيول العربيه الأصيله,وقد أقاموا مزارع خاصه لتربية وتكاثرهذه الخيول في المستوطنات اليهوديه بهدف التجاره بها للخارج فيما بعد باسعار باهظه كخيول عربيه اصيله وهذا ما حدث ومازال يحُدث!!!
أغرب ما في ألأمر هي حكاية هذا اليهودي القادم من العراق ويُدعى فْريح, وكان بطبيعة الحال يتكلم اللغه العربيه العراقيه بطلاقه وهي لُغه نوعا ما قريبه من لُغة بدو جنوب فلسطين, وقد ظن البدو بطيب قلبهم وكرمهُم الانساني أن فريح مسكين وكانوا يُكرمُوه كعراقي تقطعت به السبل في فلسطين زمن الانتداب, وكان من يتبرَع له ببعض المواشي, وكان فريح هدا يعيش ويأكل عند ومع البدو حتى تمكن من إتقان اللهجه والعادات البدويه بطلاقه!!..
إختفى فريح لفتره وجيزه مابين عام 1947 وعام 1948, وعاد للظهور عند البدو بعد عام 1948 بوجهه وهويته الحقيقيه كضابط في جيش "الهاجانا" الاسرائيلي ابلى بلاءا إجراميا بحق بدو النقب اللذين أشفقوا عليه وأكرموه لسنين طويله, وقد عُين فريح بعد عام 1948 كحاكم عسكري لمناطق بدو النقب , وقام بمُطاردة البدو ومُصادرة مواشيهُم واراضيهُم وحرق بيوتهم حتى اصبح القول الدارج بين البدو..." إذا سال عنك او طلبك فريح الى المركزالعسكري, فأهرُب من موت مُحقق", وقيل ان فريح بحث عن بدوي كان يُشفق على فريح ويمنحه بعض المواشي, وعندما وجدهُ سارحا مع أغنامه في الصحراء ..تَرجَل فريح من الجيب العسكري وأمر هذا البدوي بعد ان صفعهُ ولكمهُ ان يترك المكان تاركا وراءه قطيعه!! قال لهُ البدوي الطيب...يافريح بألأمس كُنت عندي ضيف مُعزز ومُكرَّم واليوم تَسرق غَنمِي!! ورد عليه فريح بالاستيلاء على نفس القطيع اللذي كان البدوي ينحَر منه الخراف ويُكرم فريح المسكين!!!
هذا الفريح وموسى العير لعبا بالاضافه لاخرين دورا رئيسيا في مُطاردة المُتسللين الفلسطينيين وقتلهُم, وتهجير أكثر من 120000 بدوي فلسطيني من النقب الى الدول العربيه المجاوره!! ...قبل سنوات عديده [منتصف التسعينات من القرن العشرين] وبعد ان شاخ فريح...وقف هذا المجرم في احدى الجلسات الجامعيه ليدعي انَّه جاء للدفاع عن حقوق البدو,,فأشتاطت احدى الطالبات الجامعيات من البدو غضبا وقالت له: انت يا فريح أخر من يُدافع عن البدو...انت قاتل البدو!!, فرد عليها فريح:أنَهُ لم يحسب حساب هذا اليوم اللذي اصبح فيه البدو اكاديميين ويعرفون تاريخ فريح!!,,, وتمنى لو بَقوا رُعاة غنم يخافون من فريح ولا يجراون على القول بِأنَّه قاتل!!!:[ يتبع في الحلقه القادمه]!!