بقلم : ردينة حيدر ... 11.02.2011
قديما عبر الزمن.. كنت كائنا آخر.. معبأ بالأسئلة.. وكانت أمي تقول: هذا النوع من الأسئلة ممنوع أيتها الجنية!
لم أكن يومها أعرف أنواع الأسئلة، وأشكالها!
كانت أسئلتي أكبر من بيتنا في الضيعة المنسية، وأعلى من سقفه العاري..!
كانت غولا كبيرا يخيم على الكون، وأنا في المركز، طفلة الخوف، تجرب فصل الوهم عن الخيال، خارج الزمن..
تبحث عن معاني الوجود في عنبر القمح، في خوابي العتمة، في ليل الأسرار.. في الخيال المحض..!
مرت الأيام طويلا، كنت أتوارى مع غيلاني في مكان خفي من الغابة، محاولة تهدئتها، حتى لا تلتهمني.. كما كان يخيل إلي..!
قررت في أحد الأيام، أن أصمت قدر المستطاع، وأن أعيش لوحدي، في عالم الغيلان العملاقة..
مر زمن طويل على صمتي وكاد أفراد عائلتي أن ينسوا صوتي..
وهناك في ذلك العالم الموغل في العمق، في البعد، كنت أكبر في مساحات الشهيق المتواصل، كان المطر يطرز ذاكرتي بالغيم، كنت طفلة الوله، عشقت حضوره الآسر فوق الغابات الممتدة كإله أخضر رحيم، تمعنت مليا في الكون، حتى سكنت روحي وذابت في موسيقا الوجود..
وحيدة سكنت زمني، تألق حزني، تكاثف هطل طويلا، رحلت بعدها الغيلان بعيدا خلف المطر.. !
ثلاثون عاما مضت ..
وإلى اليوم مازلت وحدة الغيلان تسكنني.. أشتاق لها، أفتقدها..
ربما كنت أنا الغول الوحيد المتبقي، أسكن الوحدة، والغرابة، الكائن المختل اجتماعيا..
غول بعين واحدة، وقدرات سحرية بطل مفعولها عبر الزمن..!
هل كان الزمن هو سرب الغيلان تلك..!
ومن كنت أنا يومها..!
أمي لا تتذكر الكثير عن طفولتي، وأنا طفلة الوهم، أضعت سحر الحكايات..
أستطيع اليوم أن أقرأ نفسي أمام الريح على الشكل التالي:
تعاويذ، خربشات، خطوط سوداء، فراغ أبيض سحيق ..هلوسات، أشباح، كوابيس، مطر لانهائي.. ونادرا بعض الألوان الغريبة..
بعد ثلاثين عاما، وليس بمحض الصدفة، أعمل في مكتبة للأطفال، ألعب دور الجدة، وأحكي للأطفال قصصا وحكايات، وآمل
ألا ترافقهم الغيلان إلى المدرسة، أو في نزهات الربيع..
أو في الأحلام..!