بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 07.07.2011
"أم الطناجر" عنوان مقال لا أحاكي فيه منطقه "أم الشرائط" في رام الله، ولا قصدت فيه منطقة "أم الكلاب" في خان يونس، ولا "أم الفحم" شمال فلسطين، "أم الطناجر" إشارة رمزية لموظفة فلسطينية عملت مديراً لدى السلطة الفلسطينية، ولما تشكلت الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية، وتأخر صرف الرواتب، خرجت مع عشرات الموظفات العاملات بدرجة مدير، خرجن في مظاهرة أمام المجلس التشريعي، وهن يحملن الطناجر، ويصرخن جوعاً: وين الراتب؟ بدنا نعيش، متنا من الجوع! بدنا طبيخ، بدنا خبز!.
لقد قارنت في مقال سابق بين "أم الطناجر" الموظفة بدرجة مدير، وبين المرأة الفلسطينية قاهرة السعدي، التي قاومت العدو، فحكمت عليها المحاكم الصهيونية بالسجن المؤبد، وحكمت أيضاً على زوجها بالسجن المؤبد عدة مرات، ليعيش أطفالهما الأربعة بلا حنان أمٍّ، وبلا رعاية أبٍ. وعندما سألها وزير الأسرى السابق: ماذا تتمنين يا قاهرة السعدي؟ أجابت: أتمنى أن أرى أولادي، وأن ألامس شعرهم، وأن أضمهم إلى صدري، وأن أوقظهم في الصباح إلى المدرسة، أغسل وجوههم، وأعد لها براد الشاي وصحن الزعتر!.
طبعاً لا مقارنه بين "أم الطناجر" وبين أم المكارم، فالمسافة بين نجم السماء والوادي السحيق لا تقطعها الرواتب التي انقطعت هذه المرة بعيداً عن إسماعيل هنية، وإنما قريباً من الضغط السياسي الهادف إلى تفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها.
سأعود إلى "أم الطناجر" وأسألها: ما رأيك؟ هل ستخرجين بطنجرتك؟ تصرخين: بدنا أكل يا فياض، بيعوا القدس واصرفوا لنا رواتب، بيعوا ما تبقى من الضفة ووفروا رواتب!.
دفعني الفضول لأن أتتبع صوره "أم الطناجر"، وأن أسأل عنها العارفين بالأنساب في قطاع غزة، فقيل لي: لقد ترقت "أم الطناجر" حتى صارت مديراً عاماً، إنها لا تزال تواصل تخصصها في الطبخ ومشاهدة التلفاز، وما زالت تسلي وقتها على الإنترنت، وتتسلم راتب مقداره سبعة ألاف شيكل، والغريب أن زوج "أم الطناجر" برتبة لواء، رغم أنه لم يأخذ في حياته دوره عسكرية، ولم يلامس طوال حياته قطعة سلاح، "أبو الطناجر" يتسلم راتباً شهرياً مقداره ثلاثة عشر ألف شيكل، بمعنى آخر، راتب أبو الطناجر زائد راتب أم الطناجر يساوي دخل عشرين عامل نظافة في بلديات قطاع غزة.
عندما سئل "أبو الطناجر": لماذا لا تدفع ثمن استهلاك المياه والكهرباء؟ قال بسخرية واستهزاء: ألم يسدد فواتير المياه والكهرباء الممثل المصري عادل إمام؟.
أكتب عن "أم الطناجر" بعد أن صارت القضية الفلسطينية التي أكلت ألاف الشهداء، صارت مرهونة برغيف خبزٍ، وبعد أن صارت سنوات عمر ألاف الأسرى تباع برطل باذنجان، وبعد أن صار المقابل لتسليم رفات مئات الشهداء المقاومين، صار المقابل هو التنسيق الأمني، كما صرح قادة إسرائيل، الذين قتلوا رجال المقاومة في المرة الأولى بالرصاص، ويقتلونهم اليوم ثانية بالخلاص، وطي سيرتهم، وردم طريقهم، وهم يقدمون رفاتهم مكافأة لحن سير وسلوك السلطة تجاه إسرائيل.
ليعذرني القارئ؛ "أم الطناجر" مقال ابتعد عن تحليل الظواهر، واكتفى بوصف المظاهر، "أم الطناجر" مقال غادر رحابة الجدية إلى زنقة المساخر، "أم الطناجر" حال القيادة السياسية التي أدخلت مصير شعب في جراب الساحر، وآمنت بشروط الرباعية التي صاغها خبيث الغادر، فصار المقاوم إرهابياً، وصار اليهودي تاجر البندقية رقيق المشاعر!.