بقلم : محمود صالح عودة ... 04.11.2010
شكّلت حيفا عبر التاريخ المعاصر مركزًا ثقافيًا وسياسيًا وأدبيًا هامًا، برز في عهد العثمانيين، وخلال الانتداب البريطاني، مرورًا بنكبة عام 1948 وحتى يومنا هذا.
من أبرز مقوّمات تلك المركزيّة الصحافة المحلية، فوجود الصحيفة أمر واجب وضروري، وبالرغم من وجود وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، تبقى للصحيفة ميزاتها الخاصة وآثارها المختلفة.
كانت أول المجلات الحيفاوية التي نُشرت في العهد العثماني مجلة "النفائس"، التي حرّرها خليل بيدس عام 1909، مرورًا بجريدة "الكرمل" التي أصدرها نجيب نصّار الملقّب بـ"شيخ الصحافيين الفلسطينيين"، وجريدة "الاتحاد"، ومجلات "الزهرة" و"اليرموك" إلخ، إلى "المدينة" حديثًا، حتى صحيفة "حيفا"؛ التي نحتفل هذه الأيام بالذكرى السنوية الأولى لصدورها، والتي حصلنا على شرف الاشتراك بها منذ تأسيسها.
شكّل القرن الـ20 أحد أشرس القرون وأصعبهم على حيفا، فمنذ وعد بلفور حتى النكبة شهدت المدينة توترات واشتباكات متتالية بين العرب واليهود، إضافة لمحاولات حثيثة لزرع الفتنة بين أبنائها من قبل الانتداب البريطاني والمنظمات اليهودية الصهيونية من الـ"هاغاناه" و"إرغون" وغيرهما.
إحتضنت حيفا العديد من الشخصيات البارزة والمؤثرة على المستوى المحلي والعالمي، منهم المطران حجّار اللبناني الأصل، المعروف برفضه لقرار تقسيم فلسطين، والذي توفي في حادث طرق قيل إنه كان مدبرًا من قبل الانتداب البريطاني. كما كانت حيفا معقل الشيخ المجاهد عز الدين القسّام، الذي استشهد وقُبر في المدينة (تمّت عدّة اعتداءات على قبره من قبل مجموعات صهيونية، لكن ما زال يحفظه ويرممه بعض الشرفاء)، الذي ترأس جمعية "الشبان المسلمين"، كما كان إمام مسجد الاستقلال. كان للشيخ القسّام دور بارز في الثورات الفلسطينية؛ إذ حرّض أبناء فلسطين على الكفاح المسلّح ضد البريطانيين والصهاينة، وشكّل استشهاده عام 1935 أحد أبرز أسباب اندلاع الثورة الكبرى في فلسطين عام 1936، التي أشعلت فتيلها حركة "إخوان القسّام". أضف إلى ذلك شخصيات أدبية مثل الشاعر محمود درويش وأحمد دحبور والعديد من الشخصيات البارزة الأخرى.
الجدير ذكره أن حيفا شهدت أكبر عدد من التفجيرات والاشتباكات إلى جانب القدس ويافا خلال الأعوام التي سبقت 1948 وفي العام ذاته، وقعت أكبرهم صباح يوم 30/12/1947، حين قامت مجموعة من عصابة الـ"إرغون" بإلقاء عبوتي حليب فيهما متفجرات على ما يقارب 100 فلسطيني كانوا ينتظرون تسجيل أسمائهم للعمل في مصفاة النفط في حيفا، فقُتل 6 وتم جرح 46 منهم 25 في حالة الخطر، ولحقت هذه المجزرة اشتباكات بين عمّال عرب ويهود حيث قُتل 41 يهوديًا و6 عرب وجرح العشرات من الجانبين.
لم تسلم مساجد حيفا من الاعتداءات الصهيونية؛ فقد قامت المنظمات اليهودية بقصف مسجد الحاج عبد الله في حي الحليصا عام 1948، ممّا ألحق به أضرارًا جسيمة. كما لم يسلم مسجد الجرينة (النصر الكبير) من القصف الصهيوني الذي أدّى لسقوط مأذنته. أضف إلى ذلك تدمير 1200 مسجد في باقي أنحاء فلسطين. لم تقم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بترميم المساجد بالرغم من مسؤولية قادتها المباشرة وسيطرتها على الأوقاف الإسلامية، بل أهملتها ونهبت أجزاء كبيرة من الأوقاف على مر السنين.
شكّلت صحيفة "حيفا" منذ تأسيسها منبرًا لكشف تلك الحقائق، إلى جانب زوايا خاصة للقرى المهجّرة التي كانت ضمن قضاء حيفا التاريخي، بالرغم من الجهد الحثيث الذي بذله الصهاينة لمحو آثار تلك القرى خلال الاحتلال وبعده، ومحو هذا التاريخ من أذهاننا.
في الذكرى السنوية الأولى لإصدار صحيفة "حيفا"، أبارك لطاقم الصحيفة، لا سيما الأخ المؤسس راني عباسي، والزميل المصمم والكاتب امطانس فرح، وأوجّه التحية لجميع محبّي حيفا وقرّاء الصحيفة في أقطار البلاد، وأسلّم على أهلي في الكبابير والحليصا ووادي النسناس والبلد التحتى وفي جميع أحياء حيفا، ولن ننسى اللاجئين الحيفاويين في كل مكان، الذين يحلمون بالعودة إلى مدينتهم وبيوتهم التي هُجّروا منها.
آمل أن تبقى صحيفة "حيفا" منبرًا إيجابيًا وعنصرًا محرّكًا وتوعويًا للجمهور العربي في حيفا وسائر الداخل الفلسطيني، لنسير معًا نحو بناء مجتمع قارئ ومثقف وفعّال، حتى تحقيق النّهضة والصّحوة والحريّة المنشودة.