أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
على ماذا اختلفوا على ماذا يتصالحون؟!

بقلم : رشاد أبو شاور ... 04.05.2011

اليوم الأربعاء سيلتقي الطرفان المختصمان المتصارعان اللذان شقّا صّف الشعب الفلسطيني، ودفعاه تكلفة فادحة، وغيباه عن الفعل، ونابا عنه اغتصابا و( بلطجة) سياسية، فخسراه كثيرا مّما أنجز، وشوها سمعته، ونكسا رأسه أمام 'من يسوى ومن لا يسوى'، سواء أكان صديقا، أوكان عدوا.
بغتة، ودون توقع، فوجئنا بخبر توصل (الطرفين) للمصالحة، بل والتوقيع بالأحرف الأولى على بنودها، وفرقعت التصريحات المشيدة بالأخوة بين الطرفين..أمّا السنوات الأربع العجاف التي دفع شعبنا وقضيتنا تكلفتها فلا أحد من الطرفين يتحمل أوزارها، فهما بريئان طاهران نظيفان مضحيان، فلا مساءلة، ولا (نقد ذاتي)، ولا إعادة حساب لتفحص الخسائر..مع التذكير بأن إيجابية مهما ضؤلت لم تنتج عن الاقتتال والصراع بكافة أشكاله بين الطرفين، بما فيها ما كان يعتبر حراما بين الأخوة، ففي صراع الطرفين تم تجاوز المحرمات، واستبيحت الأعراف والتقاليد والعبر.
كل المصالحات السابقة فشلت، ولذا ما عاد شعبنا الفلسطيني يصدّق الطرفين، وتبريراتهما، ووعودهما، وتواقيعهما سواء بالأحرف الأولى أو بكامل الأسماء التنظيمية و(الأبوية).
هل نصدق إذا المصالحة التي ستتم اليوم في القاهرة برعاية مصرية، وبحضور الجامعة العربيّة، وآخرين؟!
لا داعي للتذكير بأن مصر ليست هي مصر قبل ثلاثة أشهر، فمصر مبارك وأبي الغيط وعمر سليمان ولّى زمنها، واندثر أثرها، واليوم توجد مصر أُخرى طلعت من رحم ميدان التحرير، وميادين المدن المصرية، وهي تستعيد دورها وهيبتها وفاعليتها بعد القضاء على رؤوس زمن التبعية والفساد.
المصالحة اليوم في القاهرة ما كانت لتتحقق لولا مصر، وربيع الثورات العربيّة التي بدأت تستعيد فلسطين كقضية عربية بعد أن أقلمتها القيادات الفلسطينيّة التي راهنت على أن الأوضاع ثابتة، وأن الجماهير العربيّة ماتت، وأن زمن التبعية لأمريكا بات نهائيا، وقدرا لا يرّد، والشاطر من يؤقلم نفسه معه، وينحني له، ويهرول وراءه حتى لا يفوته القطار، أو يسحقه القطار بعجلاته!
مصر جلبت الطرفين وفرضت عليهما بالتي هي أحسن، وعلى السكيت، أن يتفقا على المصالحة، وهو ما يعني أن (القرار المستقل) لم يعد قرارا في يد هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك، فالقضية الفلسطينية ليست ورقة محلية خاصة داخلية يتصالح على اقتسامها، أو الاستحواذ عليها، طرفان في الساحة الفلسطينيّة!
فلسطين قضية مصرية داخلية، جغرافيا وتاريخيا، ومن يجهل هذه الحقيقة عليه أن يتأمل خارطة فلسطين، وأهمية فلسطين لمصر منذ بدء التاريخ وحتى يومنا، وهذا ما نسيته الأطراف الفلسطينيّة بقصر نظر، وحول سياسي نجم عن خلل في البصيرة التي راهنت على الرضى الأمريكي، ونوايا قيادات الكيان الصهيوني رغم أنها اختبرت منذ أوسلو حتى اليوم.
الطرفان أحدهما احتقر الجماهير الفلسطينية والعربيّة، ورأى فيها قطعانا تساق بلا رأي، ولا قدرة على الرفض، فما بالك بالثورة والمعاندة و..الانفجار؟ وطرف حلّق في عالم الغيب، وراهن على ما يأتي به المجهول، وقفز بالقضية من فضائها العربي إلى فضاء (إسلامي) موهوم، وفي الواقع بحث عن محاصصة، وطمع في الاستحواذ على القرار لوحده محاولاً اهتبال فرصة توفرها سلطة عاجزة تابعة.
الحسابات الخاطئة الجاهلة بفلسطين القضية، وأبعادها، دفعت للصراع على القرار، وهو ما أدى لاستخدام السلاح في الحسم، وانتزاع غزّة و..ما تبع غزّة التي خرج منها شارون وأوقعها في الحصار، مراهنا على الانفجار الفلسطيني الداخلي ..وهو ما حدث فعلاً!
المصالحة اليوم في القاهرة!..هل هناك ما يضمن أن لا تكون مجرّد مشهد عابر، يعود بعده الطرفان إلى ألاعيبهما..وصراعهما، وماكائدهما..بأساليب ربما تختلف عن السابق، ولكنها في الجوهر تكرّس الانقسام، فالضفة عاصمتها رام الله، وغزّة عاصمتها غزّة..ولا وحدة حقيقية لشعب مقاوم يعرف بالخبرة الطويلة المريرة أنه لن يحرر شبرا من أرضه إلاّ بالمقاومة، وأنه لن ينتصر في المعركة إلاّ بالظهر والظهير العربي الشعبي، و.. بالدول التي تعبّر عن تطلعات الشعوب العربيّة، بعد أن بدأنا نرى دولاً تنتمي لشعوبها وأمتها في تونس ومصر؟!
مصر التي ترتب أمورها لن تنشغل داخليا وتعزل نفسها، فثورة شعبها كان أحد أسبابها الخروج من العزلة، واستعادة الدور، لأنها بهذا ستضمن ماءها وغذاءها، وثقل حضورها عربيا وأفريقيا وعالميا.
لو كان الطرفان اللذان شقّا الساحة الفلسطينيّة ومزقا وحدة الشعب الفلسطيني صادقين لاتفقا على بنود تضمن الوحدة الوطنية الفلسطينيّة، بحضور ومشاركة كافة القوى الفلسطينية والكفاءات والشخصيات، وممثلين عن التجمعات الفلسطينيّة من التشيلي في أمريكا اللاتينيّة حيث اكبر جالية فلسطينيّة بعد اللاجئين في الأقطار العربيّة، وحتى أصغر تجمع فلسطيني في العالم.
الطرفان استجابا للدعوة لأنه لا خيار أمامهما، فمصر الجديدة ليست مصر الضعيفة التي يمكن مراوغتها!
رفح بوابة مصر، ومصر بدأت تستعيد قوة حضورها وتأثيرها، ولا لعب معها، فهي في كل يوم تزداد قوّة حضور، ومصر لم تعد تفرض على طرف فلسطيني أن يخضع للأوامر والرغبات الأمريكية ولبلطجة قادة الكيان الصهيوني. مصر اليوم تعود قائدة..فزمن السمسرة المباركية انتهى و..مبارك في (بيت خالته)..في طرّة، هو ورموز حكمه، ووريثه والبطانة الفاسدة.
يراهن الطرفان على الوقت، فطرف يراهن على الاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول(سبتمبر)، وطرف يراهن على فشل مراهنات الطرف الأخر، أو ربما على مصر منحازة في حال تمكن تيار سياسي من الهيمنة على القرار المصري!
في طريق المصالحة ألغام، منها ما هو قائم: هيمنة حماس بالمطلق على قطاع غزّة، و هيمنة السلطة وأجهزتها على ما تبقّى من الضفة!
هناك بند يتكرر في كل اتفاق مصالحة، وهو وجود بند ينّص على المهمة الرئيسية للوزارة المتفق عليها: الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
لا يخفى أن هذا البند يفضح روح التنافس على انتزاع وحدانية التمثيل..لماذا؟ للتفاوض باسم الشعب الفلسطيني الذي لن يشارك في هذه الانتخابات التي ستكون وقفا على بعض الفلسطينيين في القطاع والضفة!
العامل العربي المصري جرّ الطرفين للتصالح الاضطراري، رغم أن العامل التنظيمي الفئوي سيتحكم بسلوك وتفكير الطرفين المتربصين ببعضهما إلى أن تنتهي هيمنتهما على القرار الفلسطيني.
مجرّد حضور وفود من الفصائل لا يعني أبدا أن الحدث يحظى بالمباركة الفلسطينيّة، فالفصائل تحضر حتى لا تغيب، وهي تحضر وهي مغيّبة لأنها لم تستشر، ولم تشارك في الخطوات السريعة، وهي ترى في الظهور في (الصورة) الجماعية اعترافا بها..وذلك أضعف الإيمان، وهذا لن يمنع ناطقيها الرسميين من الإدلاء بتصريحات(تبارك) و..تحذّر، وتعتب، وتلوم، و..يعود كل (فريق) إلى مواقفه، ولا مقاومة حقيقية، ففي غزّة ورام الله اتفاق ضمني من موقعين مختلفين على وقف المقاومة التي تورّط، وتخسّر الدور والمكتسبات الخاصة!
مصر تريد للطرفين الفلسطينيين أن يتصالحا حتى تنتزع ورقة الانقسام من يد نتنياهو وحكومته والكيان الصهيوني المدعي باستمرار أنه لا يوجد طرف فلسطيني واحد( نتفاوض معه)!
مصر تحضر، وحضورها سيزداد ثقلاً، ولذا بإمكان الفلسطينيين المؤمنين بعروبة فلسطين، وبأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، وبأن فلسطين قضية عربية بامتياز ..أن يضاعفوا من نشاطهم، ويبرزوا خطابهم الذي لن يتهم بعد ثورات العرب بالخشبي، ففلسطين تعود قضية عربية، ويبقى أن نعود نحن بها إلى أمتها بمنظور يعلو على ضيق أفق وخطاب الطرفين، وعدم تخفيف الضغط عليهما شعبيا فلسطينيا وعربيا حتى تتحقق الوحدة الوطنية التي ستنهي أسباب الانقسام نهائيا!