بقلم : زهير ابن عياد ... 24.07.2011
على تلة تضرب اطنابها على انقاض قرية كحلة المهجرة , تجد مزرعة مترامية الاطراف تتربع على ما يقارب المئتي دونم مسيجة بسياج يرتفع عن الارض مترين , مئتي دونم ما بين سهل ووعر تنتشر فيها قطعان البقر , التي تنتج اغلب متطلبات شركات الالبان والاجبان " تنوفا وياطفتا " , مئتي دونم بمثابة حمى , محرمة تحريما قاطعا على ان يمس ترابها البدو بالذات , يتوسط هذه البقعة بيت حضاري جميل تتوفر فية كافة مستلزمات الحياة , وللمعلومية هذه المزرعة لا تجاورها أي مزرعة او اناس فهي في منطقة خلاء تم استصلاحها , فمدت لها اسلاك الكهرباء ووصلتها الحنفيات الحكومية , ومدت صوبها السكك والخطوط والشبكة الهاتفية, تتوفر في هذه المزرعة كافة اساليب الحياة العصرية في المجال الزراعي , وفوق ذلك تتلقى الدعم والمساعدات الحكومية المرتكزة على البحث العلمي لاقتناء الثروة الحيواية بشروط مريحة , مقابل تمييز صارخ وجلي ضد المجمعات البدوية التي تفتقر لادنى شروط الحياة العصرية ... ارتأيت بهذه المقدمة كنموذج لعشرات المزارع الفردية من هذا النوع , او مزارع الخضر والفواكة , تنتشر اوساط البدو يقطنها ويمتلكها يهود من عرق شرقي تشبعوا عنصرية وحقدا , عشرات المزارع - اكرر الفردية - الغير قانونية اصلا , انشأت على اراض النقب , هدفها الاستيلاء على ما تبقى من الارض , وفي مرحلة متقدمة تهويد النقب بحيث سنت الكنيست مخطط قانون يعرف بقانون " طريق النبيذ " كلفها ما يقارب 30 مليون شيكل , يهدف بمجملة الى دعم هذه المزارع الغير قانونية ودعم اصحابها , وانشاء 100 مزرعة جديدة , وجلب يهود اخرين وتوفير 80 دونم لهم مقابل استيطان النقب , أي الاستيلاء على الاف الدونمات , تهويد يهدف لمحو الذاكرة والتاريخ حتى الجغرافيا , فبدأوا بالتهجير وبالتوطين ومن ثم قطعوا اوصال النقب الى غيتوات , عششت بينها هذه المزارع واصحابها الذين يستولون على الاراضي بطرق غير شرعية " وللمفارقة يتهمون البدو بأنهم سارقون خونة يتسللون الى مزارعهم في الليل , فأين العدل يا ترى " , هؤلاء المزارعين من رعاة البقر اشد غلظة من المستوطنين ويحملون حقدا وكرها للبدو لا يطاق ويتعاملون معهم كأعداء, وهم المحرك الاساسي في قضية تهويد النقب , كلبهم بل منازع " بني بادش " رئيس بلدية عومر والذي يعمل على اعلى المستويات من اجل القضاء على الوجود البدوي في النقب , يستهزأ بالبدو قائلا " في القرن 21 لا ينفع ان تقيم على كل تلة خيمة وتبني مدرسة ..." وللمفارقة -سيادة بادش -الدولة تمنح كل صاحب مزرعة مئات الدونومات، ويحاول بعض أصحاب المزارع وبشكل مستمر لتوسيع تلك المزارع من حيث الأبنية والأراضي. وهناك ما يزيد عن 48 الف بيت عربي في القرى غير المعترف بها مهدد بالهدم بحجة عدم القانونية، علما ان ما يزيد عن 95% من هذه البيوت بنيت قبل اقامة المزارع الفردية بكثير، ولم تصادق الكنيست على أي قانون من شأنه ان يساهم في حل مشاكل هذه البيوت.
هذه المزارع الفردية والتي جلبت لها الدولة الاسرائيليه اناس بعيدون عن الحضارة – يذكروني بالهنود ورعاة البقر الامريكان – وعبأتهم بسموم فكرية جعلتهم يسعون في كل فج بتهويل امر البدو " عند الجمعيات اليهودية الاوربية والامريكية بمساعدة الكرنكييمت ومجلس ابو بسمة الذي يعتبر اداة لسلب الاراضي " , اتهامات مجحفة باطلة يبثها هؤلاء الرعاع الجلاف يعملون عليها بجد , فبثوا في وسائل الاتصال الاسرائيلية ان البدو خونة سارقون مهربي سموم وسلاح ونساء , الشرطة تخاف من الدخول لمناطق البدو ,, وهذه نبذ من اقوالهم لترى بأم عينيك مدى الحقد الذي يكنه هؤلاء لثباتنا نحن عرب النقب على ارضنا , بل انهم دعوا صراحة الى القضاء علينا وتهجيرنا لاننا كالسرطان في الدولة يقول احدهم " المشكلة الفلسطينية كلام فارغ انها خدش سيشفى يوما , اما البدو فهم السرطان يجب القضاء عليهم فورا " ... دعايات واباطيل واكاذيب حدت بالمجتمع الاسرائيلي الى تأييد شاي درومي " قاتل خالد الاطرش " بل وسن قانون في الكنيست سمي باسمة يعتبر القتل في الدفاع عن الممتلكات حلال , قانون جاء فقط ليخدم القتلة من اصحاب هذه المزارع , وتقول اخرى " ان الحياة في النقب لا تطاق , انا اعيش في خوف دائم , كلما رأيت شابا بدويا تنتابني نوبات رعب وخوف شديد ..." وتقول اخرى " ان النقب ليس في سيطرة الدولة , النقب تسيطر عليها الخاوة , الشيوخ يرسلون الشباب لاخذ الخاوة ..."
سيطرة الخاوة " نوع من ضريبة الحمايه" على المناطق الصناعية , مصطلح سرى بين اليهود بعيدا , فظنوا الظنون العظيمة المبنية على الوهم والخيال حول البدو , لدرجة اني اعتقدت اننا في زمن " الصرة العثمانية " ...
بواسطة المزارع الفردية تسيطر الدولة على معطم الاراضي , وهذه المزارع تعتمد على الاقتصاد الذاتي , تتوفر لها جميع الخدمات من الدولة , ويستثمر فيها العديد من المصالح اخرها مشروع الطاقة البديلة " تحويل الطاقة الشمسية لطاقة كهربائية " وحظيت بهذا المشروع احدى هذه المزارع , في حين تفتقر القرى البدوية للكهرباء ... لم اجد تعريفا لهذه المزارع يوضح سرقتها لاراضي البدو اوفق من التعريف الرسمي للدولة اذ تعرفها في قوانينها " المزارع الفردية – وتقع هذه المزارع بالقرب من الطرق الرئيسية- أقيمت هذه مزارع لايقاظ المستوطنات من سبات طويل القائم في النقب وسعيا للتوصل لتسوية تسلسل على طول الطرق في هضاب النقب والحفاظ على الأراضي والتنمية الزراعية والسياحة. وقد بدأت فكرة المزارع الفرديه من المجلس الاقليمي رمات النقب ، و ما يسمى ب"دائرة أراضي إسرائيل".. دائرة سرقة اراضي العرب.و مخطط "طريق النبيذ" يشمل انشاء حوالي 100مزرعه استيطانيه منها 25 مزارع تعمل حاليا وتشارك جميع هذه المزارع في قطاع الزراعة، و جزئيا للسياحة ومزارع إنشاء لم الشمل لطيفا مع أزواجهن --... عشاق الصحراء الذين يختارون العيش في ظل Cfiihm الكدح، جنبا إلى جنب مع الضيافة المعتادة في الصحراء.
مزارع تسمح فرصة عظيمة للتذوق والشم، ويشعر تجربة الحياة زيارة ممتعة الزراعية " ...
مزارع فردية تمتد مساحتها الى الاف الدونمات بدأت توزعها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من اجل استيطان النقب وفي ظل إحجام الإسرائيليين عن العيش في النقب لظروفه الصعبة، فبدأت الحكومة بإعطاء تصاريح وامتيازات لإقامة مزارع فردية، على مساحات واسعة من الأراضي لوضع يدها على أرض النقب ومحاصرة سكانه العرب البدو. وفي ظل تراجع حركة الاستيطان الزراعي التي أطلقتها الحركة الاستيطانيه الصهيونيه العمالية على هيئة كيبوتسات وقرى تعاونية "موشافيم" اتجهت إسرائيل نحو توزيع الأراضي على مواطنين يهود تحت مسمى مزارع فردية، حظي أصحابها بقروض وهبات مالية كبيرة، ناهيك عن حصولهم على مساحات واسعة من الأراضي. فتم تشتييت البدو فاصبحت كل قرية من القرى البدوية محاصرة ومفصولة عن سائر القرى البدوية الأخرى بمزارع يهودية ومستوطنات ومدن تطوير ...
هذا ما يحصل عليه هؤلاء المزارعون في حين حرم البدو من المراعي وتم التضييق عليهم في مجالات الثروة الحيوانية , لأنهم يعتقدون ان البدو يتمسكون بالارض لاجل الاغنام والابل فاذا تخلصوا من هذه الثروة , فلا ريب ان البدو سينتقلون لقرى التوطين القسرى , او هكذا يظنون , ولا اقول الا ما قال د. شكري الهزيل "واجب التشبث بِالأرض لا ينتهي بهدم البيت الحجري أو براكيات الصفيح لابل إن التمسك بِالأرض تحت وطأة البرد وأشعة الشمس أو ظل خيمة أفضل ألف مرة من الانتقال إلى مشاريع التوطين الإسرائيلية, والأهم من هذا وذاك أن الحفاظ على الأرض واجب تاريخي ووطني " !!