بقلم : جلال الخوالدة ... 27.07.2011
لم تترك دولة الاحتلال الصهيوني وسيلة واحدة، لم تتبعها لمحاربة حق عودة الفلسطينيين، حتى باتت تلك المسألة معضلة تشغل مثقفيها وعلماءها وأجهزة استخباراتها وساستها وعملاءها حول العالم، كما اشتغلوا لوقت طويل في محو هوية وعروبة القدس من خلال التضليل التاريخي بدس فكرة هيكل مزعوم في جنبات المسجد الأقصى، وتحت حائط البراق، مع أن قصة هذا الهيكل، كانت في البداية، مجرد محاولة مخططة لأول اشتباك مع الفلسطينيين العام 1929 بعد سنوات من وعد بلفور للفت انتباه الحكومة البريطانية إلى تعهداتها ولفت انتباه عصبة الأمم المتحدة للحصول على موطئ قدم وأي حقوق هناك، ولتكريس أن الصراع على القدس يرتبط بتاريخ حديث، يتوقف عند معراج النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلى السماء، وليس عروبيا يمتد في أصقاع التاريخ.
معظم كتب التاريخ تتفق على أن الكنعانيين العرب، وصلوا فلسطين، في الألف الرابع قبل الميلاد، وأن اليبوسيين قد هاجروا من الجزيرة العربية في الألف الثالث قبل الميلاد، وقاموا ببناء القدس "يبوس" على يد "ملكي صادق" اليبوسي، والذي عُرف بملك السلام، وأطلق عليها إسم "أورسالم"، لكن المراجع الدينية اليهودية، ومن ورائها عصاباتهم، ولغايات كثيرة، تعبث في هذا التاريخ بتصوير أن الكنعانيين واليبوسيين قبائل ومجتمعات غير عربية مرة أو بتنسيبهم إلى حام بن نوح لإبعادهم عن النسب السامي مرة أخرى، ومحاولات كثيرة أخرى، يصعب حصرها، فقط لخلط التاريخ باستخدام النموذج نفسه من التضليل، وقد لاحظ المؤرخ والصحافي البريطاني هربرت جورج ويلز هذه المحاولات، وقال: "هل التوراة هي التي صنعت اليهود أم أن اليهود هم الذين صنعوا التوراة؟ هو سؤال يشبه السؤال القديم عن البيضة والدجاجة، ماذا كان قبل ماذا".
يقول ويلز في كتابه موجز التاريخ: "كانت حياة العبرانيين في فلسطين تشبه حالة رجل يصر على الإقامة وسط طريق مزدحم، فتدوسه الحافلات والشاحنات باستمرار، ومن البدء حتى النهاية لم تكن ممتلكاتهم سوى حادث طارئ في تاريخ مصر وسورية وآشور وفينيقيا ذلك التاريخ الذي هو أكبر وأعظم من تاريخهم".
تحاول دولة الاحتلال، من خلال مراكز دراساتها ولوبياتها وضع نظريات محكمة سهلة النفاذ والترويج تتعاكس مع حق عودة الفلسطينيين أيضا، وتنتشر هذه النظريات حول المعمورة باعتبارها حقائق، وتظهر في رسائل كثيرة مباشرة وغير مباشرة تقود إلى نتيجة يشعر فيها المتلقي أن النكبة كانت لليهود! وأن السياسات العربية ومنذ العام 1948 منعت تقبل الفلسطينيين كمواطنين بينما قامت بتهجير الآلاف من اليهود من الدول العربية! وكذلك تتهم الدول العربية بأنها لم تكن عادلة ومنصفة باعتبارها لم تمارس هذه القوانين مع أقليات أخرى موجودة لديها، وأن الفلسطينيين أحق من غيرهم من الأقليات في التوطين، وتصل الوقاحة في بعض الأحيان إلى المقارنة بين عدالة "دولة الاحتلال" في استيعاب وتقبل عرب 48 ومنحهم المواطنة والحقوق مقابل منع الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم عند العرب.
هذا التاريخ وتلك الحقائق، لم تمنع "دولة الاحتلال" من تصديق الأكاذيب التي نشرتها وتنشرها في كل مكان، ووصل التزييف والخداع إلى مراحل متقدمة، يتم تدريسها في مناهجهم التعليمية ومؤسساتهم وجمعياتهم حول العالم وجميع مرتاديها، والدوائر غير المتناهية من اللوبيات التي شكلتها الصهيونية العالمية لتحقيق أهدافها.
ذلك لم يدفع بالعرب جميعا للوقوف في وجه هذا الشر، بالكتابة والتعريف بعروبة القدس وقدسيتها في آن واحد، والتعريف بتاريخها وحضارتها التي تفوح في كل الأرض العربية المباركة، والمطالبة بأن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية، وكذلك المطالبة ليل نهار، في الصبح وفي المساء، بحق العودة وأملاك الغائبين والتعويض، بل وصل الأمر أن البعض منّا يصدق أكاذيب الاحتلال مستندا إلى مراجعهم الدينية ونظرياتهم المُشبعة بالخداع والتزييف.