بقلم : محمود صالح عودة ... 28.07.2011
بعد العمليات الإرهابية التي شهدتها النرويج والتي قتل فيها 76 شخصًا وأصيب 172 آخرون معظمهم من الشباب، سارع كثير من الكتاب والصحفيين ووسائل الإعلام لتلصيق التهمة بالجماعات الإسلامية المتطرفة، ونشرت الأخبار وكتبت المقالات التي تتهم المسلمين بتنفيذ العمليات قبل التحقيق والتدقيق في الخبر.
لم يقتصر الأمر على وسائل الإعلام في الغرب فحسب، بل سقط في التهافت بعض الكتاب العرب والمسلمين، هذا مع التذكير بأن جزءًا لا يستهان به من الصحفيين العرب والأجانب كانوا منصفين وانتقدوا أداء وسائل الإعلام التي سارعت إلى اتهام المسلمين بالعمليات الإرهابية.
لن ندخل الآن في النقاش الطويل حول تعريف الإرهاب، وحقيقة (وكذبة) الجماعات الإرهابية وصلتها بأجهزة المخابرات الدولية، ولا في أداء وسائل الإعلام التي يسيطر الصهاينة على كثير منها. بل نريد أن نركز قليلاً على منفذ الهجمات الإرهابية، المسيحي الماسوني المتطرف أندرس بريفيك، والأيديولوجيا التي حركته، لا سيما أنه صاحب البيان الرسمي (مانيفستو) "2083 - إعلان استقلال أوروبي" ذو الـ1518 صفحة.
يعلن أندرس في بيانه عن عداوته الشديدة للإسلام، إذ يعتبره عدوًا منذ بعثة محمد (ص) قبل أكثر من 1400 عام، الذي وصفه بريفيك بـ"أمير الحرب". كذلك فإنه يعتبر الإسلام أكبر خطر على أوروبا وهويتها المسيحية، ويعتبر "الإنسانيين" و"التعدديين الثقافيين" الذين يبدون التسامح مع المسلمين والمهاجرين عامة "خونة" بدرجات مختلفة.
كما يعتبر أنه يجب طرد جميع المسلمين من أوروبا إلا من يقبل التنصير، ويخوّن من يعطيهم حقوقهم الطبيعية، ويشيّد كثيرًا بإسرائيل التي ما زالت تمارس التمييز العنصري، ويستشهد بكثير من الكتّاب والمحاضرين الصهاينة الذين يدعون لترحيل العرب من داخل فلسطين، ويدعي أنه على كل عاقل أن يدعم الصهيونية، ولقد سرد إحصائيات طرد المسلمين من أوروبا على مرّ التاريخ.
ويرى بريفيك - الذي يعتبر نفسه صليبيًا من فرسان الهيكل الجدد - أن على أوروبا أن تقوم بحملة صليبية جديدة لتحمي مسيحيي الشرق من "الاضطهاد" الإسلامي، ومن "الإبادة الجماعية" التي يمارسها المسلمون بحقهم.
من هذه المقتبسات القليلة (جدًا) نسنتنتج أن الشخص صاحب أيديولوجية عنصرية، لا-إنسانية متطرفة، ولكن هل تختلف الأنظمة الغربية الرسمية كثيرًا عن بريفيك وأيديولوجيته؟ وهل فعلاً لا محل للعقيدة في الصراع بين الشرق (العربي الإسلامي) والغرب؟
فإن الغرب الرسمي وقف خلف بوش وأمريكا الرسمية في "الحرب الصليبية على الإرهاب" بعد عمليات الحادي عشر من سبتمبر بكل ميادينها؛ العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وإن معظم الأنظمة الغربية وقفت وما زالت تقف إلى جانب إسرائيل بكل قوة، لا سيما في عدوانها على الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه، إذ تعتبر هذه الأنظمة إسرائيل الدولة المتحضرة الوحيدة في الشرق الأوسط.
لو وقفنا عند هذان النقطتان فقط، يتضح لنا أن المنظومة السياسية الرسمية في الغرب تتفق جوهريًا مع أندرس بريفيك، وإن ليس بالأسلوب. فالفرق هو أن الإرهابي بريفيك امتلك الجرأة لتنفيذ ما يعتقده بيده، بينما بعض أنظمة الدول الغربية لها خبرة طويلة في الخداع السياسي ولا تقوم بكل مخططاتها بشكل مباشر، بل تستخدم وسائل وأساليب متعددة أخرى كأجهزة مخابراتها وعملائها لتنفيذ أعمال لا تليق بـ"أخلاقياتها" و"مبادئها" الظاهرة، وفي تفجيرات 11/9 و7/7 عبَر لؤلي الألباب.
ولمن ما زال يظن أن لا دخل للدين في السياسة ولا دخل للعقيدة في الصراع، أنصحهم بقراءة البيان الذي كتبه أندرس بريفيك، وإعادة النظر في ما تقوم به الدول الغربية في بلادنا.