أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
أذكروا حسنات أعدائكم...!!

بقلم : سهيل كيوان  ... 02.06.2011

قال أجدادنا 'إكره عدوّك ولكن الحق قله'. مثل الكثيرين شعرت بالاشمئزاز وأنا أرى خطاب بيبي نتنــــياهو أمام الكونغرس الأمريكي، وشعرت كأنه يفرك بصلة بعيون العالم أجمع الذي يتابع المشاهد الإجرامية التي تقترفها الأنظمة حتمية السقوط في بلاد العرب وهو يقول بخيلاء'أليس غريباً أن يتمتع العرب في إسرائيل بحرية تعبير لا يحظى بمثلها أكثر من 300 مليون عربي من حولهم'، ثم تكرم بيبي على الأمة العربية وثوارها ورحب بالديمقراطيات العربية حديثة الولادة وتلك التي في طور المخاض،حتى خلته سيطلب الوقوف دقيقة صمت وحداد وفاء لأرواح شهداء الحرية العرب.
مُتعتنا التي لا توصف بالديموقراطية الإسرائيلية لم تبق سراً منذ زمن بعيد، ولهذا لم يكن من حق أعضاء الكونغرس الأمريكي الوقوف تصفيقاً وكأن بيبي أتى بجديد، كان يكفي أن يهزوا رؤوسهم ويتمتموا..نعرف نعرف...أو..صدقت صدقت...ولم يكن من حقهم السحجة كأعضاء مجلس شعب في بلد عربي متخلف يحكمه حزب واحد يقول لأبناء شعبه سأحكمكم رغماً عن أنوف آبائكم الذين خلّفوكم، وإذا رفضتم فليس لكم يا كلاب إلا الشبّيحة.
نعم لقد عشنا الديمقراطية في إسرائيل على جلودنا، وعندما كنا نتألم من وخزاتها على مسامع المواطنين اليهود في أمكنة العمل أو أثناء لقاء عابر في مكان عام يهبون بوجوهنا متسائلين 'هل ينعم المواطنون في الدول العربية بمثل الحرية التي تنعمون بها' هل تستطيع وصف وزير الدفاع في صحيفة في بلد عربي بأنه مجرم حرب دون أن يتبخر الكاتب والجريدة من الوجود'!
ورغم ما كان يرويه اليهود القادمون من بلاد العرب عن حرية التعبير شبه المعدومة هناك، فقد كنا نعاندهم وتأخذنا الحمية والنخوة وندافع بحدة عن الأنظمة التي تحكم أخوتنا العرب خصوصا 'المعادية للإمبريالية' منها.
بعد النقاش العقيم يقولون لنا....ما دمــــتم مقتنعين بأن الحياة هناك جــيدة فلماذا لا ترحلون..لو أنكم غير عنصــــريين ولا تكــــرهون اليهود لتركتم هذه البلاد لأن لديــــكم أكثر من عشرين دولة غنية بالبترول والغاز والمعادن فاذهبوا إليها لمصلحتنا ومصلحتكم'.
وكان علينا في أيام الدراسة ابتلاع الإهانة في دروس المدنيات التي تتحدث عن نظام الحكم الديموقراطي في إسرائيل، فالشعب يختار أعضاء الكنيست من بين عشرات الأحزاب المتنافسة ببرامجها وهؤلاء بدورهم يختارون الحكومة ورئيسها ورئيس الدولة أما الحكم في بلاد العرب فهو ملكي توريثي أو جمهوري دكتاتوري توريثي، فيهب بعضنا محاولاً الإثبات أن الحكم في بعض الدول العربية ديموقراطي وأن انتخابات تجري هناك ولكن الشعب يحب الرئيس والدليل حصوله على 98' من الأصوات.
هناك حقائق تاريخية لا ننكرها، فإسرائيل لا تحرم العرب من حرية التعبير ولكنها تحرم البلدات العربية من مخططات البناء منذ عقود رغم أطنان الحبر التي كتبت حول الموضوع وآلاف الخطب التي ألقيت في الساحات العامة والخاصة وعلى منبر الكنيست.
إسرائيل تسمح بالكلام أيضا للربانيم والربانيات الذين يفتون بحرمة بيع أو حتى تأجير منزل لعربي ورغم هذا فهي الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
إسرائيل تسمح للعرب بالصراخ كما يشاؤون ولكنها حولت بلداتهم إلى ما يشبه المخيمات وأرغمت الناس على ممارسة فوضى بناء كي تهدم وتغرّم كما تشاء وتضعهم في حالة مزمنة من الرعب.
إسرائيل تهدم قرى كاملة في النقب مرة تلو الأخرى ثم تسمح لسكانها بالاعتصام أمام الكنيست ورفع شعارات احتجاجية وحتى الإضراب عن الطعام.
إسرائيل أصدرت عشرات القوانين التي ليـــــس لها هــــدف سوى تحويل حـــياة العــــرب الى جحيم في مجـــــالات عملهم وتوظــــيفهم وتعليمهم،العرب يصرخون وقافلة القوانين العنصرية تسير!
كل هذا ليس سرا..وليس هذا ما أردت مناقشته، بل أردت القول إن المقارنة الحقيقية ليست بين العربي الذي يعيش في الوطن العربي وبين العربي الفلسطيني في إسرائيل، المقارنة الحقيقية تكون بين قيمة المواطن في الوطن العربي وحقوقه وبين قيمة المواطن اليهودي وحقوقه في إسرائيل!
لن أتحدث عن أفضلية التعددية الحزبية والمنافسة الحرة على حكم الحزب الواحد الذي يحمل كل بذور الفساد والخراب والانهيار، ولن أتحدث عن حق المواطن بمحاكمة أكبر مسؤول حتى لو كان رئيساً للدولة أو زيراً للشرطة أو حتى للدفاع،ولن أتحدث عن مراقب الدولة الذي يلاحق معظم رجال السلطة في إسرائيل ويحقق معهم حول أموال مشبوهة أو استعمال غير قانوني للسلطة، ولن نتحدث عن خطوط الهاتف المباشرة للنساء المعنفات مع الشرطة، ولا عن الدعم الحكومي لأصحاب القدرات المحدودة والمسنين والمطلقات والأرامل والأيتام وشروط تشغيل العمال والموظفين لضمان عدم استغلالهم وضمان الحد الأدنى للأجور. ولن أتحدث عن الإعلام العبري والبرامج الكثيرة المختصة بحماية المستهلك والمواطن من المسؤولين والمؤسسات والدجالين والتجار ورجال السياسة.
أقول فقط لأنظمة العار العربية إنه منذ قيام دولة إسرائيل العدوانية على أنقاض شعب فلسطين لم يقتل أي مواطن يهودي برصاص قوات الأمن الإسرائيلية لأنه تظاهر ضد النظام...ولم يختف أي مواطن يهودي واحد دون معرفة مصيره بسبب نشاط فكري أو سياسي، ولا يوجد سجناء سياسيون يهود سوى قلائل على خلفية التجسس لجهات أجنبية باستثناء مردخاي فعنونو الذي أفشى أسرارا نووية إسرائيلية، وبهذه المناسبة أستغرب دفاع بعض المثقفين العرب عن بعض الحكام العرب بشكل انتقائي وكأن بينهم ما هو جيد وما هو رديء رغم قتل هؤلاء 'الجيدين' لآلاف المواطنين المطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية!
أتحدث فقط عن الطفل السوري حمزة الخطيب الذي عُذب حتى الموت وبغض النظر عن الفاعل وإن كانت كل الشواهد تشير إلى شبيحة النظام، أستطيع الجزم بأن تعذيب طفل يهودي ومصرعه بهذه الطريقة الوحشية على خلفية حدث سياسي كان سيسقط الحكومة في إسرائيل وحل الكنيست وإجراء انتخابات جديدة، وسيُخرج مئات آلاف المتظاهرين اليهود إلى الشوارع مطالبين بالكشف عن المجرمين ومحاكمتهم، بل لا أبالغ لو قلت إنها ستكون بداية حقيقية لنهاية دولة إسرائيل وليس حكومتها فقط، لأن معظم اليهود سيرفضون البقاء للعيش في دولة تفعل بطفل مثل هذا الفعل الشنيع حتى لو شخّ على لحية هرتسل نفسه.
كإنسان عربي فلسطيني أقول لنتنياهو خذ حرية الكلام والخطب والمقالات وأعد لشعبنا حقوقه وأرضه المنهوبة ونحن سنتدبر أمورنا مع الديمقراطية وحرية الصراخ، أما بما يخص المواطن اليهودي وما تمنحه له دولة إسرائيل فبالتأكيد هذا ما أتمنى من الثورات العربية أن تحققه في السنوات القريبة القادمة لأخوتنا العرب المظلومين من المحيط إلى الخليج.