أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الأسرى .. ما بين مطرقة قانون الزيارات المجحف وسندان المنع الأمني!!

بقلم : عبد الناصر فروانة ... 01.12.2010

نصوص عديدة تضمنتها الإتفاقيات الدولية، كفلت في مضمونها وجوهرها للمعتقل استقبال زائريه على فترات متقاربة ومنتظمة ، فيما سلطات الاحتلال ضربتها بعرض الحائط ولم تلتزم بأي منها ، بل شرعنت ما يخالفها نصوصاً وممارسة ، دون رادع ، فأمعنت بانتهاكاتها وتفننت بتعذيبها الجسدي والنفسي للأسرى وذويهم وسلبت منهم ذاك الحق بشكل فردي وجماعي ،وتحت ذرائع متعددة ، وحولت الزيارات من حق مشروع إلى ورقة للمساومة والضغط والابتزاز ،والى لفتات إنسانية أو منة تقدمها للأسير أو ذويه أو أحد أفراد أسرته وقتما وكيفما تشاء ، وتعاملت مع الأمر على قاعدة ( لا ) للزيارات ، وأن من يسمح لهم بالزيارة المنتظمة أو المتقطعة بأنهم يتمتعون بامتياز عن غيرهم ، وهي قادرة على منعهم في أي لحظة وهذا ما يحصل بالفعل معهم.
والخطورة تكمن في صمت المؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية لا سيما منظمة الصليب الأحمر ، تجاه تلك الانتهاكات ، مما أتاح لسطات الاحتلال التمادي في انتهاكاتها واستمرار حرمانها للأسرى من الزيارات .
ومصادرة الحق في التزاور ، يطبق في إطار سياسة وليس بشكل استثنائي وفردي بحق بعض الأسرى أو بعض أقربائهم ، وليس للأمر علاقة بالأمن كما تدعي سلطات الاحتلال ، وأن هذه السياسة بدأت عام 1996 ،ومنحت الغطاء الشرعي والقانوني ،وذلك حينما أقرت " إسرائيل " في ذاك العام قانوناً خاصاً بزيارات الأهل يسمح فقط لمن هم من الفئة الأولى كالأب والأم والزوجة ، بالإضافة للأبناء والأشقاء لمن هم أقل من 16 عاماً ، بزيارة أبنائهم وأقربائهم الأسرى .
هذا القانون أول من وضع الأساس لشرعنة الحرمان من الزيارات ومصادرة هذا الحق ، وأدى لحرمان الآلاف من الأهالي ممن لا تنطبق عليهم الشروط من زيارة أبنائهم ، واقتصرت الزيارات على الفئة المسموح بها ، بل وأن بعض الأسرى ممن فقدوا أمهاتهم وآبائهم أو إحداهما والآخر مريض وهم غير متزوجين فإنهم فقدوا الحق في استقبال زائرين وفقاً للقانون الإسرائيلي. .
والأخطر من ذلك أن سلطات الاحتلال لم تسمح لمن تنطبق عليهم الشروط بالتواصل مع أسراهم بشكل منتظم ، وإنما لجأت إلى منع الآلاف من الآباء والأمهات والزوجات وحتى الأطفال تحت حجج وذرائع أمنية واهية وتحت ما يُسمى " المنع الأمني " ، وهي بذلك تعاقب الأسير وتسلب منه حقه باستقبال زائريه بذريعة القانون تارة ، وتارة أخرى بذريعة الأمن ، وهناك من الأسرى من هو محروم من رؤية أمه أو والده منذ سنوات طويلة قد تفوق العشر سنوات .
وما بين مطرقة " قانون الزيارات " المجحف وسندان " المنع الأمني " نجد بأن ثلث الأسرى ممنوعين بشكل كامل من زيارة أبنائهم دون سبب مقنع ودون مبرر أمني حتى وفقاً لقوانين الاحتلال الظالمة ، والمستهجن بأنها وتحت ذريعة الأمن تحرم امرأة عجوز تجاوزت السبعين عاماً من العمر من زيارة نجلها الأسير ، وطفل أقل من الثامنة عشر من عمره يمنع من زيارة أبيه أو شقيقه ..! فيما الآخرين من الأسرى يعانون من حرمانهم من رؤية بعض أفراد عائلاتهم من الفئة الأولى كالأب والأم أو الزوجة والأبناء والأشقاء بذريعة " المنع الأمني " ، وفي أحياناً أخرى يمنع الأسير من استقبال زائريه كإجراء عقابي .
هذا المنع يترتب عليه تبعات مؤلمة وقاسية على حياة الأسير ، فبالإضافة إلى الضغوطات النفسية وحالة القلق المتواصلة، فانه ( أي الأسير ) يحرم جراء ذلك من تلقي احتياجاته من الأهل من ملابس وأغطية ونقود لشراء ما ينقصه من " مقصف السجن " في ظل النقص الحاد في المواد الأساسية المقدمة من إدارة السجون .
وأكد فروانة في مقالته بأن " المنع الأمني " ليس اجراءً فردياً أو استثنائياً ، وإنما أضحى ظاهرة مقلقة شملت الآلاف من ذوي الأسرى ، فيما تطور الأمر بالنسبة لذوي أسرى قطاع غزة الذين مُنعوا من زيارة أبنائهم بشكل جماعي وبقرار سياسي منذ منتصف حزيران 2007 كعقاب جماعي وقالت حينها " إسرائيل " أنها ليست ملزمة بالسماح لسكان قطاع غزة بمن فيهم ذوي الأسرى بدخول مناطق نفوذها وزيارة أبنائهم المعتقلين في سجونها، وأن القطاع ( كيان معادٍ يسيطر عليه تنظيم إرهابي، تسود بينه وبين إسرائيل حالة حرب)، وبالمقابل فهي تمنع آلاف من ذوي أسرى الضفة الغربية بحجة ما يسمى " المنع الأمني " وفي أحياناً كثيرة تمنع الأسرى أنفسهم من الزيارة كعقاب، وهذا ما يؤكد على ما سقناه آنفاً بأن منع الزيارة سياسة وليس إجراءً استثنائياً أو مرتبطاً بظرف ما.
والأمر ليس مقتصراً على إجراءات إدارة السجون وإنما تشارك فيه الجهات السياسية والقضائية والتشريعية ، حيث أن هناك تصريحات عديدة لقادة ووزراء إسرائيليين وقوانين كثيرة هدفها حرمان الأسرى من زيارة ذويهم كانت قد قُدمت للكنيست وللحكومة الإسرائيلية خلال الأعوام القليلة الماضية ، ونوقشت بكل جدية في الأطر الرسمية ، وبعضها أقر بالقراءة التمهيدية الأولى مثل قانون " إلداد " وقانون شاليط " وغيرها ، واجراءات أخرى طبق دون قوانين مما أدى إلى اتساع قائمة الممنوعين من زيارة الأهل تحت ذرائع مختلفة .
ان هذه الإجراءات تعتبر من منظور قانوني ، إجراءات مخالفة لكل المواثيق والأعراف الدولية ، لا سيما وأن كافة المواثيق والأعراف الدولية كفلت لكلا الطرفين للأسير ولذويه حقهم في الالتقاء المتواصل ، وللمعتقل الحق في استقبال زائريه وعلى الأخص أهله وأقربائه ، كما للأهل الحق أيضاً في رؤية إبنهم المعتقل والالتقاء به والإطمئنان عليه ، وسلبه من أي طرف ، يعني جدلياً سلبه من الطرف الآخر ، وهذا أمر مخالف للمواثيق والأعراف الإنسانية والدولية وخاصة المادة ( 116 ) من الفصل الثامن من هذه اتفاقية جنيف ( يسمح لكل شخص معتقل باستقبال زائريه، وعلى الأخص أقاربه على فترات منتظمة، وبقدر ما يمكن من التواتر ، ويسمح للمعتقلين بزيارة عائلاتهم في الحالات العاجلة بقدر الإستطاعة ، وبخاصة في حالة وفاة أحد الأقارب أو مرضه بمرض خطير ) .
وفي ذات السياق لا بد من التوضيح إلى أن جدول الزيارات لمن يسمح لهم بها غير منتظم، ومن يحالفهم الحظ في زيارة أبنائهم الأسرى ، فنهم يعتبرونها رحلة شاقة ومتعبة لأن السجون بعيدة عن أماكن سكناهم وهي تمتد من ساعات الصباح الباكر حيث الخروج من البيت ، وتنتهي في ساعات المساء ، وتستغرق الرحلة أكثر من 12 ساعة متواصلة يتخللها المرور عبر عشرات الحواجز العسكرية والانتظار الطويل أمام بوابات السجن و الإذلال وامتهان للكرامة والمعاملة القاسية والتفتيش المذل والإجراءات المهينة والإعتداء الجسدي أحياناً وأحياناً أخرى التحرش الجنسي بالنساء والفتيات .
وأخيراً لا بدمن التأكيد على أن " اسرائيل " تتفنن في تعذيب الأسرى وذويهم نفسياً ومعنوياً ، وتَسلب منهم أبسط حقوقهم الإنسانية وتُحرمهم من استقبال ورؤية عائلاتهم كعقاب جماعي للأسير وذويه ، وفي أحياناً كثيرة انتقامي وثأري أو بهدف الإبتزاز والمساومة ، وهذا سلوك يخالف كل المواثيق والأعراف الدولية ، وعلى المؤسسات الدولية لاسيما منظمة الصليب الأحمر التدخل العاجل والضغط على " اسرائيل " للسماح لذوي الأسرى جميعاً ومن كافة المناطق بزيارة أبنائهم الأسرى بحرية تامة ودون قيود وفق جدول منتظم .
وعلى المؤسسات الفلسطينية المعنية بقضية الأسرى تفعيل قضية حرمان الأسرى وذويهم من الزيارة والتواصل والسعي الجاد للتخفيف من آثارها السلبية على ذوي الأسرى، وزيادة المساحات والبرامج الخاصة بذلك في الإذاعات والفضائيات المحلية والعربية، وهي مناسبة أيضاً لإثارتها إعلامياً وتسليط الضوء عليها وعلى من هم ممنوعون من الزيارة منذ سنوات طويلة والتركيز على الجانب الإنساني وتأثيراتها المؤلمة ..الخ .
وفي هذا الصدد نشدد على ضرورة التفكير جدياً بالبحث عن أساليب للضغط على منظمة الصليب الأحمر الدولية لإجبارها على التخلي عن صمتها ومهمتها كساعي بريد، والانتقال إلى دور ضاغط على حكومة الاحتلال لاستئناف برنامج الزيارات بالنسبة لأهالي أسرى القطاع، ورفع المنع الأمني عن الآلاف من ذوي أسرى الضفة والقدس .

أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين