بقلم : موسى الحجوج ... 08.09.2010
الصايم يُفطر...الصيام يُفطر ,ما أروعها من عبارات كنا نسمعها في شهر رمضان المبارك , كانت هذه العبارات تخرج من حناجر الصبيان إلى النساء لكي يبدأن بتناول طعام الإفطار بعد صوم ذلك اليوم من هذا الشهر المبارك .يحدثني كبار السن إنهم كانوا يخرجون في ساعات الغروب لرؤية الهلال من اجل استقبال شهر رمضان المبارك , يخرجون في مجموعات وعند مشاهدتهم له يباشرون في اليوم التالي بصيام الشهر الفضيل , كان صيامهم يخرج من القلب صادقا لا تصنع فيه وكانت حياتهم بسيطة وفي قمة الروعة والمحبة , وتتجلى عظمة أهلنا في موائد الإفطار حيث يقول لي احدهم انه في احد أيام الإفطار وعند اجتماعهم في الشق للإفطار حدث إن الجميع قد احضر طعام الخُبيزة التي كانت من المأكولات الشعبية انذاك , وكان الماء في الصيف حارا فتجدهم يضعونه في الزير وهي جرة فخار كبيرة الحجم توضع في احدى زوايا البيت .
وعند الإفطار فأنهم يجتمعون في الشق وتشاهد كبار السن الذين يدخنون قد هيئوا أنفسهم للإفطار فتشاهدهم قد بدءوا "بلف" السجائر وتجد أمام كل رجل عدة سجائر ليشعلها بعد الإفطار , وتشاهد الأطفال في الشق يلعبون ويمرحون ويجلسون مع كبار السن لينهلوا من مدارس الحياة في البادية, وكانوا يفطرون في الشق وذلك لكي يأتي إليهم عابر سبيل أو ضال طريق أو من تقطعت به السبل حيث يجد الرجال ويشاركهم إفطارهم إذا كان ذلك عبارة عن كرم بحت من أهلنا آنذاك , وعندما يأتي العيد ويقترب كان جو الفرح والسعادة تملان البادية فتجد السرور وأمتعة في وجوههم وقلوبهم فكانوا يذهبون إلى الأسواق كسوق غزة او سوق بئر السبع أو الفالوجة ليقتنوا اللباس الجديد لأطفاله ونسائهم ليلبسوا الثوب الجديد في نهار العيد , واذكر انه قبل العيد كانوا يزورون قبور موتاهم رحمهم الله تعالى ويتذكروهم لأنهم قبل وقت قريب كانوا بينهم يحتفلون بالعيد وتجد النساء يلبسن لباس الحُزن في زيارة القبور وهناك من يزور الأولياء ويضعون البخور ويلبسون المقام "كسوة" وحلة جديدة في العيد وهي منتشرة في النقب ولها بُعدها الوطني والتاريخي في ذاكرة أهلنا الطيبون الأحرار .
وتجد الأطفال يلعبون العاب شعبية رائعة مثل "عظيم مراح وين لقى وين راح" ولا احد يُعكر عليهم صفوة حياتهم ولعبهم , كانت البساطة والطيبة تجمعهم واذكر إنهم كانوا قبل العيد يزورون من توفي لهم قريب قبل أيام العيد آو خلال السنة احتراما وتقديرا منهم لهم حيث الروابط الاجتماعية متينة وصلبة ويجلسون عندهم ليشعروهم بان الفقيد لهم جميعا وان الحزن في أعماقهم للأبد .
واذكر إن الأولاد كانوا يشعلون النار خلف بيت الشعر ويلتفون حولها فرحة بالعيد وبإطلالته الرائعة وكان من الأولاد من يتصالحون مع بعضهم البعض اذ كانوا متخاصمين في السابق أسوة بالكبار فكنوا يأتون في العيد ويتصافحون بحرارة وينسى كل واحد منهم عتبه على الأخر وتمتلئ الفرحة في البيت .واذكر إن الشق كان ملتقى الرجال ويجتمعون في الشق ومن ثم يقومون بمسيرة لا تحدث إلا في البادية حيث يبدءون بزيارة البيوت بيتا بيتًا ويصافحون قريباتهم من النساء وهم في مسيرة رائعة جميلة لا يشهدها إلا أهل البادية , فهم يمرون على كل البيوت ومنهم من يأخذ معه المال ويسلمها للأرامل واليتامى ومنهم من "يعايد" أخته وقريباته بما تيسر من المال لكي يزيد روابط الفرح والإخوة بينهم , واذكر إن النساء كانت تناولهم الشاي أو القهوة أو الحلوى للأطفال وبعد أن يودعوها داعين لها بطول العمر وعيد مبارك وكل سنة وانتم سالمين وجعلكم من عوادينه
وعيدكم مبارك كل هذه التعابير كانت شائعة آنذاك .
أما النساء ففي منتصف اليوم أو ساعات العصر كنا يجتمعن في احد الأماكن وهن يلبسن لباس جديد من الأثواب التي "يدسنها" أي يخبئنها للعيد ويجتمعن في ساحة كبيرة وهن "يعيدن" أي يُغنين للعيد وكانت الخيل تلعب أمامهن ويمتطيهن الشباب , كان مشهد في قمة الروعة والجمال , نساء يُغنين للعيد ورجال على ظهور الخيل "تلعب" أمامهن وهناك من تحمل قطعة قماش تلوح بها وكان يأتي احد الخيالة ويخطف الشاش وهو لباس وغطاء الرأس للمرأة البدوية الأصيلة ويهرب به أما بقية الخيالة فكانت تجري ورآه لإعادة الشاش لها.
وكان من أروع الأمور الغناء الشعبي للعيد فكانت المنطقة مليئة بالناس والجو جو عيد وسرور ومن هذه الأغاني أورد هنا:
قبلة العيد رحبايابي يـا مقـبل العيـد على اللي مفارق أحبابه يا مصعب العيد
توصي بالصبي الغاوي يا دريب غـزه وقبله مع المليح داوي وهذاك سليمان
على ايش اليوم ردتوني يا مبغضين أمي على العتبه دفعتوني حطيت رِجْلي
ويا شعري على رأسي يا أولاد عمـي ولا بأعطيه للناس ولا أببيعه
لا يا ام أشنيف ما تطـوح ظبي أشـنافك قتلتي عسكر مروح يا دريب غزه
يا غز البـنات فيكي يـا عبـات هذا وأم الذهب حواشيكي والقيطان فضه
ع الأسمر أبو قلاده وأكـثر سـلامي ومن العصر نلفي بلاده والنذل نايم
ويا شعري على ظهري يا اولاد عمي ولا بعطيه للحذري ولا بأبيعه
ويا عزيه ويا فهودي يا خييه يا صالح ويا بقذيله سودي يا كايد الكل
عليك اليـوم زيلان يا شيـخ عمـار ما بدري هن زيلانك ولا زيلان عربان يا شيخ عمار
شـيع لي وأنا جـيلك يا خـي سامي من دمع العين لا رويلك لأروي طريشك
قبلة العي رحبايابي يـا مقـبل العيـد على اللي مفارق أحبابه يا مصحب العيد
توصي بالصبي الغاوي يا دريب غـزه وقبله مع المليح داوي وهذاك سليمان
على ايش اليوم ردتوني يا مبغضين أمي على العتبه دفعتوني حطيت رجلي
ويا شعري على رأسي يا أولاد عمـي ولا بأعطيه للناس ولا بأبيعه
لأيام أشنيف ما تطـوح ظبي أشـنافك قتلتي عسكر مروح يا دريب غزه
يا غز البـنات فيكي يـا عبـات هذا وأم الذهب حواشيكي والقيطان فضه
ع الأسمر أبو قلاده وأكـثر سـلامي ومن العصر نلفي بلاده والنذل نايم
ويا شعري على ظهري يا اولاد عمي ولا بعطيه للحذري ولا بأبيعه
ويا عزيه ويا فهودي يا خييه يا صالح ويا بقذيله سودي يا كايد الكل
عليك اليـوم زيلان يا شيـخ عمـار ما بدري هن زيلانك ولا زيلان عربان
شـيع لي وأنا جـيلك يا خـي محمد من دمع العين لا رويلك لأروي طريشك.
نهار العيد يا مرعي حَمام خالط الزرعي
نهار العيد والوقفات نهار العيد ما ينفات
نهار العيد يا سيد والنجمة فاسما تْعيد
يا محمد بَس اناه وياك والخيل والعرب فداك
كان العيد له انذاك نكهة خاصة وكان من الشعائر التي ينظمها اهلنا على السليقة وعلى الحُب والوفاء , يا لها من ايام خلت ومضت , ياله من حُزن يعصف بالبادية حيث اصبح العيد اليوم مجرد ذكرى عبارة تمر كاي يوم اخر
كل عام وانتم بخير