بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 22.09.2010
منذ عقود من الزمن يتعرض النقب الى حمله تهويديه شرسه لاتستثني من عناصر و مُكونات وجود عرب النقب التاريخي في النقب اي شئ, فالحمله التهويديه الصهيونيه الجاريه استهدفت البشر والحجر والشجر والانسان والارض والمكان والحضاره وكامل الوجود البدوي العربي في النقب , حيث سعت الحكومات الاسرائيليه المتعاقبه منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا الى تذويب الوجود العربى في النفب داخل بحر من الاستيطان الاسرائيلي الذي يؤسس على اساس معادلة سلب اراضي عرب النقب من جهه ومنحها للمستوطنين اليهود والمشاريع اليهوديه من جهه ثانيه وبالتالي قامت وتقوم اسرائيل في الاونه الاخيره بتكثيف معدلات مصادرة الاراضي وهدم البيوت العربيه في النقب وما راينا ه في قريتي طويل ابوجرول والعراقيب من هدم وتخريب متواصل ما هو الا مقدمه لهجوم واسع على وُجود اكثر من 45 قريه بدويه وعشرات الالاف من البيوت العربيه في النقب التي تدرجها اسرائيل تحت بند " البناء الغير مرخص" وتستهدفها يوميا واسبوعيا بالهدم والتخريب لا بل ان سلطات الهدم الاسرائيليه تسعى الى محو قرى عربيه في النقب من الوجود بالكامل كما جرى مؤخرا لقرية العراقيب الذي تحاصرها اسرائيل وتهدم بيوتها تكرارا ومرارا بهدف كسر شوكة الصمود الاسطوري الذي يسطره اهالي العراقيب في النقب, والحقيقه ان اسرائيل تراهن على كسر صمود اهالي العراقيب على اساس ان هذا الصمود يمثل جميع القرى العربيه في النقب, وانه اذا سقطت العراقيب ونجحت اسرائيل بتنفيذ مخططاتها فانها ستنجح في اماكن اخرى في النقب وستكون العراقيب جسر عبور نحو هدم المزيد من القرى العربيه في النقب... اسرائيل تدرك تمام الادراك انها اذا خسرت المعركه في العراقيب فانها ستخسرها في القرى العربيه الاخرى المهدده بالهدم والردم,, وانها اذا ربحتها في العراقيب ستربحها في اماكن وقرى عربيه اخرى في النقب... معركة الارض ووجود الناس في العراقيب هي معركه مصيريه وامتحان عسير لعرب النقب بشكل عام..إما الصمود والبقاء في القرى العربيه مهما قامت اسرائيل من ارهاب وهدم كما يفعل اهالي العراقيب وطويل ابوجرول او الاندحار والانضمام الى مشاريع التوطين والتهجين الصهيونيه الجاريه في النقب.... ما لا يدركه الكثيرون من بين عرب النقب هو ان العراقيب بالنسبه لسلطات الهدم الاسرائيليه عنوان وعينة صمود وتحدي ولا بد من كسره وهدمه حتى لا يمتد الى باقي القرى العربيه في النقب..... العراقيب وطويل ابوجرول اليوم صارا من رموز التحدي والصمود الذي يُقتدى بها في النقب وغيره من مناطق,, واسرائيل تحاول بكل ما تملك من ادوات تدمير صورة هذا التحدي والصمود!!... ولكن السؤال المطروح : هل يدرك عرب النقب معنى بقاء او زوال العراقيب؟ وهل التضامن العربي النقباوي مع العراقيب والمشاركه في الوقفات الاحتجاجيه يعكس بالفعل وعي الناس لمعنى التكاتف والتضامن مع العراقيب؟؟....... الجواب للاسف لا..!!
من هنا ومن هذا المنبر نود ان نذكر بان واجب النخوه والفزعه هو من اهم مقومات واسس مجتمعنا البدوي النقباوي وان الارض والوجود هو الاساس لكينونة الوجود العربي النقباوي, وعليه وللاسف نلحظ تقصير صارخ في مشاركة عرب النقب في التضامن مع العراقيب ونلحظ ان اعداد المشاركين في المظاهرات و الوقفات الاحتجاجيه ليس كافيا اذ اخذنا بالحسبان ان عدد سكان مدينة رهط المجاوره للعراقيب يربو على الاربعين الف نسمه ولا يشارك من بينهم الا عددا قليل في وقفات الاحتجاج من اجل العراقيب, وهذا بحد ذاته امر مشين ومعيب ويُظهر الى حد بعيد مدى نجاح اسرائيل بتوطين البدو وتحييدهم ليست عن قضية الارض فحسب لا بل تحييدهم وتهجينهم حضاريا وتاريخيا وافراغهم من معاني وفحوى هويتهم الحضاريه.. الفزعه والتضامن من بين اهم مقومات المجتمع البدوي.. والكثير من بيننا يذكر ويعرف ان مجتمعنا كان مجتمع تكافل وتضامن والناس تهب وتفزع بكل هممها لجار الجار وليس للجار فقط... ونظن ان العراقيب مثلا تحتاج للهٍمه والصوت والفزعه المعنويه والتضامن الذي من المفروض ان يلبي نداءه الالاف وليس المئات سواء في الوقفات الاحتجاجيه او في الدفاع عن وجود العراقيب,, او حتى في الصلوات في العراء وعلى ارض العراقيب وارض طويل ابوجرول وعوجان وكل ارض عربيه في النقب...نعم الصلاة الجماعيه[صلاة الجمعه او غيرها] والالوف المؤلفه على ارض الحدث كالعراقيب او عوجان نعتبرها بنفس القدر والوزن او حتى اكثر هميه من الصلاة في المساجد داخل المدن والقرى البدويه في النقب... وعليه ترتب القول بان الاعتراف بالذنب فضيله! والاعتراف بالتقصيرهو الاساس لبداية جديده للتضامن العربي في النقب مع قضايا مصيريه ووجوديه... ماهو موجود اليوم هو تقصير جماهيري واضح ويتجلى في عدم المشاركه الكثيفه في وقفات الاحتجاج والتظاهرات المندده بسياسة الخراب والهدم الاسرائيليه....** ماذا لو اقترحنا ان تُكَّون لجان تضامن في جميع قرى ومضارب بدو النقب مع العراقيب وغيرها, يتم تشكيلها وتأطيرها في أطرغير حزبيه تكون لها مهمه ووظيفه محدده وهي حث الناس العرب في النقب على المشاركه في التظاهرات والوقفات الاحتجاجيه لابل ايضا تنظيم وسائل نقل وتسيير قوافل من كل القرى العربيه في النقب للمشاركه في فعاليات واحتجاجات الدفاع عن الوجود العربي في النقب سواء في العراقيب او طويل ابوجرول او عوجان او الفرعه او سعوه او في اي قريه عربيه نقباويه معرضه للهدم والترحيل!!.....نخشى ما نخشاه ان اسرائيل قد نجحت في تحييد جيل بدوي مُوَّطَّن في مدن وقرى التوطين القسري, وجعلته لا يبالي بقضية الارض ولا يعرف معنى النخوه والفزعه...نأمل ان لا يكون هذا قد حدث!.. ونأمل ان يشتد عضد وعي هذا الجيل البدوي ليعرف انه ضحية توطين وضحايا سلبتها اسرائيل ارضها وديارها وزجت بها الى مدن التوطين من امثال رهط وغيرها... وعلى الجميع ان يعي ويعرف ان 45 قريه بدويه في النقب يقطنها ما لايقل عن 90000 نسمه مهدده بالزوال والهدم وعلى الجميع ان يعرف ان رموز مثل طويل ابوجرول والعراقيب هي بمثابة رموز لمعركه على الارض والوجود العربي في النقب وعلى ساحة معركة اراضي هذه الرموز سيتحدد مصير ومستقبل عرب النقب الباقون والصامدون حتى الان في قراهم وديارهم... الذي سيتغدَّى بالعراقيب وطويل ابوجرول اليوم سيتعشَّى اجلا ام عاجلا بباقي القرى العربيه في النقب... معادله واضحه...
منذ ستون عام ونيف وبدو النقب يحاربون على وجودهم وبقاءهم في النقب, وبقي من بينهم اكثريه كبيره صامده وطنا ومهجرا تطالب بحقوقها في الارض والديار, بينما سقط من سقط من بينهُم في مصيدة اغراءات التوطين القسريه و" التحضير" الاسرائيلي المزعوم الذي كان ثمنهُ الاستيلاء على ارض عرب النقب وارض من استوطنوا في تجمعات التوطين القسري,, لكن يبدو أن ما لا يدركه البعض من عرب النقب ان اسرائيل لن تستثني احدا ولا ارضا وهي تسعى للاستيلاء على اراضي عرب النقب وما تبقى منها من جهه وتسعى الى توطين البدو قسريا والزجّ بهم في معسكرات تركيز أطلقت عليها اسم مدن وقرى تطوير وتوطين البدو, وهي مدن وقرى تبدو شكلياً عصرية ولكنها في الجوهر تعكس مأساةً إنسانية يعاني منها سكان ما يمكن تسميته بـ"مدن الحجارة" الذين هم في الدرجة الأولى ضحايا قمقم الظلم والاجتثاث الاسرائيلي اللتي تُشرعنه قوانين غابة العنصريه الاسرائيليه, والحقيقة أن شجرة زيف "التطوير" الإسرائيلية كانت وما زالت تخفي وراءها غابةً من الاجتثاث والدمار الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه اليوم عرب النقب على جلودهم سواءً في مدن التوطين القسري أو القرى والمضارب البدوية غير المعترف بها من قبل اسرائيل.......
لا يمكن ان تغطي الشمس برغيف خبز ولا يمكن لإسرائيل أن تستمر في محاولة بيع الوهم وترويج الأكاذيب حول زعمها ب" تطوير حياة بدو النقب"، والحقيقه هي ان ما يجري لعرب النقب لا يترك شَكّاً ولا وهماً ولا حتى ظنا حول أهداف إسرائيل وأساليب تَعامُلها مع أهل الدار والدِيارفي النقب، وهُم في الحقيقة من يحق لهم البت في شرعية الأساليب الإسرائيلية والوجود الاستيطاني الاسرائيلي في النقب، وليس العكس كما هوجاري في الوقت الراهن ومنذ أكثر من نصف قرن من التشريد والظلم المُبرمج الذي يتعرض له أصحاب الحق من قبل رُعاة الباطل والمقلوب الذين يهدمون بيوت عرب النقب ويتركون اطفالهم في العراء!! والسؤال المطروح:: هل اساليب القرصنه والاجتثاث والتعليب تدل على دوله تحترم " مواطنيها" ام على دولة احلاليه تمارس الظلم والقرصنه كسياسه ثابته نحو عرب النقب.... المطلوب اليوم هو نخوه وفزعه عربيه نقباويه لانقاذ ما يمكن انقاذه ودعم صمود ال45 قريه عربيه في النقب....... التوطين لم يجلب لبدو النقب سوى الدمار الحضاري والتقمص والفقر والجهل والذل.....غابات حجاره وعقول تائهه عن واقعها!!
وأخيراً وليس آخراً،... التحية كل التحية والإجلال إلى المرابطين والصامدين على أرضهم وفي ديارهم من عرب النقب رغم الظلم والمطاردة والحرمان والفقر والمعاناه والاضطهاد الذي تُمارسه إسرائيل ضد عرب النقب., والخزي والعار لكل من ساوم ويساوم على ارضه وتجاوب مع مشاريع الاجتثاث والتوطين,, والخزي والعار ايضا لكل من تقاعص ويتقاعص عن النخوه والفزعه للعراقيب وغيرها...... التضامن والمشاركه في الوقفات الاحتجاجيه من اجل العراقيب ومن اجل دعم بقاء وصمود 45 قريه عربيه في النقب هو واجب وطني وديني وليست مجرد خيار او اختيار بالامكان التغاظي عنه.... واجب لا بد من تأديته قدر الامكان... ساهموا على الاقل في الاحتجاجات السلميه وادعموا اهلكم اينما كانوا وتواجدوا في النقب وغيره!!