أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
لم يأكلني الذئب في حيفا!!

بقلم : جواد بولس ... 09.09.2011

شاركت مساء السبت الفائت في مظاهرة الآلاف في جادة بن غوريون في حيفا. ولست آسفًا ولا نادمًا. ففي جميع الأحوال، من الأفضل أن نأسف على عمل قمنا به بدلًا من عمل لم نقم به، فعلى هذا الأخير سيكون أسفنا/ندمنا مطلقًا.
هكذا أفادت حكمة الفيلسوف، وهكذا ميّزت الأيام بين من يجتهد ويكد ويعمل فيجازى أو يقاضى، وبين من يحترف الجلوس على مقاعد ما مر من مرٍّ التاريخ ويصيخ السمع لصهيل أحصنة تركت هناك على فوهة البئر المهجورة، فهذا لن يجازى ولن يسأل أو يساءل لأن الأيام تمضي والحالمون يموتون كما يموت النحل والنمل أيضًا، فينتهي كل شيء وربما عندها سنجد جميع الأجوبة أو نكف عن السؤال.
لست على يقين ولا أعرف إن كانت مشاركتي في مظاهرة احتجاجية في حيفا أو تل- أبيب ستسهم حقًا في حلّ قضية فلسطين وقضية مستقبل الجماهير العربية في إسرائيل. ولست على يقين أن ابن يعقوب واسحق الذي سار إلى جانبي وحاول أن يشبك يده بيدي لن يفرم أصابعي ولن يمسني بداء "الذئبة" لأن الأسطورة تتيح للمجاز جمالية الإحالة والتناص حتى لو بعدت الفكرة واستعصى اللقاح. فذئبة روما أنقذت ريموس وروميلوس فغديا الأبوين المؤسسين لإمبراطورية ما غابت الشمس عنها ولحضارة ما زالت خميرتها تنضج وتثري. أما الصهيونيّة "الذئبة" فقد نهشت عرضي وأرضي وسقت حليبها لأصحاب العجل فتمكنوا من عجل أجدادي الذين عاموا على "عجلٍ" وهاموا على "عَجَلٍ".
لا تشابه بين ذئبة الأسطورة والصهيونية الذئبة فالفرق هائل، من النقيض إلى النقيض، أو إن شئتم كالفرق بين الحياة والعدم، فأسطورة ذئبة روما خيال أحيا وبنى وعمّر ووهب الحياة لطفلين ألقيا لبئس المصير والفناء، فكان حليب الذئبة ترياقًا وحياة وحضارة، أما "ذئبة" الصهيونية فمكّنتها أرانب الحقل وسناجبه من نفسها فكادت أن تتحول إلى أسطورة لولا أولئك الذين آمنوا وأرادوا وجعلوها واقعًا ودولة وكيانًا. (بالإشارة إلى فكرة مقال بقلم الأخ علاء حليحل بعنوان "الاحتجاجات الإسرائيلية: عن العجول والرضاعة من الذئبة" - منشور في موقع قاديتا).
وها أنا أجد فيما قاله علاء سببًا وجيهًا إضافيًا لمشاركتي ذلك "الجمهور، صحيح انه جمهور متنوع، لكنّهم ما زالوا مثل "روميلوس" و "ريموس" يرضعون الحليب من الصهيونية الذئبة". أحقًا أنهم بناة روما وحليبهم حليب القدر أنعمت به عليهم السماء فعاشوا وأنقذوا من موت وضياع وفناء محققين! فإن كانوا كذلك، وهم ليسوا، فلا ضير بالشراكة.
وإنني على يقين بأن مشاركتي في مظاهرة يصرخ فيها بضع عشرات أو مئات الآلاف من شعب كان آباؤه غزاة لأرض آبائي، قبل أكثر من ستة عقود، يصرخون من أجل عدالة اجتماعية تنصف جميع من على هذه الأرض، لن يرتق غشاءً فُضّ ولن يعيد ما سلبه الذئاب والضباع والأسود، لكنه ربما سيصون بكارات شقائق النعمان الجليلية.
وإنني على يقين أن مشاركتي في مظاهرة تحرّك ما أسن من ماء مستنقع يُغرق كل حيّ ويكاد يطمر بوحله جميع ما ومن يحيطه، أفضل أو عساها تؤدي إلى وضع يكون أفضل ممّا نحن فيه وعليه. أفضل لجميعنا عربًا ويهود.
وإنني على يقين أنني حين أشارك في إعلاء صرخة الفقراء والمحتاجين والمسلوبين كرامةَ الإنسان الحر الشريف لا أغفل ولو لثانية أن من يسير بجانبي كان قبل يوم أو سيكون في غد جنديًا في جيش يمارس موبقاته ضد أبناء شعبي الفلسطيني، لكنني أعي في الوقت نفسه أنني وبمشاركتي هذه الاحتجاجات أحاول أن أقرّب المصباح شبرًا أو فترًا أو عقلة إصبع لأضيء ظلام ليل هؤلاء الذين احترفوا سطو الليالي وقنص الغابات عساهم يدركون أن لا كرامة ولا حرية ولا عزة لظالم وقاهر ومحتل.
في هذه المظاهرة وفي غيرها سمعت همس الصواري وأنين الصحوة تتسلل بين فينة وأخرى لتعلن أن لا مفرّ: علينا أن نمحوَ عبء ولعنة تلك الخطيئة الأولى ولنعد إلى المربع الأول وإلى عين العاصفة والإعصار لإننا شعب ودولة محتلين لشعب آخر.
لست بساذج ولا برومانسي ولا بحالم بشحم حورية شقراء أو لسعة "بهكنة" سمراء، لكنني أسأل كما سألت المعارضين المكتفين بالتنظير والنقد والانتقاد وتكثيف الاجتماعات التي فيها نتدارس الأوضاع ونلقي بيانات التحليل والتشخيص والانتشاء من عذوبة وسهولة استرسالنا ورصّنا لمنمق الكلام ومبرهج الشعار، أسأل: ما بديلكم؟ أو أي ضرر وطني أو قومي أو ثوري أو طبقي، تكتيكي أو استراتيجي، تسببه مشاركة بعض القوى العربية في هذه المظاهرات؟ ما هي الأضرار المباشرة أو غير المباشرة التي تسببها هذه المشاركة؟ ولمن منكم ولماذا؟ ما هي العراقيل التي تزيدها وتضعها هذه المشاركة؟ وفي طريق من؟ وأيّ مشروع نضالي كان قاب قوس من الإنجاز والاستواء حتى جاءت هذه المشاركات وأفشلته؟ .
من يشارك عن موقف، يؤمنُ أن لا مستقبل لهذه الدولة إلّا إن ضمنت العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية والمساواة لجميع سكان الدولة، وهؤلاء يتهمون بالواقعيين والإسرائيليين فلا بأس.
من لا يشارك عن موقف، يؤمن أن لا حظ لتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية والمساواة لأن لا مستقبل لهذه الدولة! هؤلاء ليسوا بالواقعيين ولا بالإسرائيليين ولا بأس أيضًا!
أمّا أنا فلست من المتفائلين لأنه قد قيل أن المتفائل لن يكون شجاعًا، فهو يخشى أن ينظر في عين الموت/القدر!. ولست من المتشائمين لأن الحكيم لن يكون متشائمًا أبدًا، فأنا أشارك لأنني أحب الحياة، أحبها لي ولكم ولهم وللجميع.