أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الفالوجي!!

بقلم : موسى الحجوج ... 07.03.2011

الفالوجة اسم لقرية عربية كانت تقع قرب عراق المنشية غرباً كانت في فلسطين وقد هجر أهلها في أصقاع الأرض عام 1948،وقد بنيت على أنقاضها مستوطنة كريات جات الإسرائيلية وهناك عدة مدن في العالم العربي تحمل نفس الاسم, في العراق, المغرب وغيرها. وكان اسمها في الماضي زريق الخندق وسميت الفالوجة تكريماً للشيخ أحمد الفالوجي.
والفالوجي هو الشيخ أحمد الفالوجي الذي جاء من العراق في القرن الرابع عشر للميلاد وسكن المنطقة وتوفي ودفن فيها.
والفالوجة تعود بتاريخها إلى أوائل القرن الثامن الهجري، وذلك أنّ الرجل التقي الصالح والولي الصوفي (شهاب الدين أحمد الفالوجي، من سلالة السيد عبد القادر الجيلاني الحسنـي أتى إلى فلسطين من بلدة (الفلوجة) بالعراق فنزل في بادئ أمره قرية (بيت عَفّا) ومنها انتقل إلى موقع (زُرِّيق الخندق) وفيها أخذ يدعو الناس لإتباع الطريقة القادرية الصوفية.
ولما توفي الشـيخ أحمد دفن في الجهة الجنوبية الغربية من (زريق الخندق) ولحب الناس له وتمكنه من قلوبهم أخذوا يبنون حول مقامه بيوتهم؛ ودعوا القرية الجديدة باسـم صاحب الضريح (الفلُّوجي)، وللتخفيف أخذوا يلفظونها (الفالوجة).
ويزور المقام قسم من أهلنا في بادية بئر السبع والقرى العربية المجاورة، وكذلك من غزة ورفح وعسقلان وسمسم وبربرة ووادي حنين وغيرها.
ويؤمن أهلنا بكرامات الشيخ وأنه من الأولياء الصالحين وهم يزورونه للتبرك به، وكانوا في السابق عندما يزورون المقام يذبحون هناك ويتناولون الطعام ويضعون دم الشاة على المقام دلالة على إيفائهم بالنذر, وتقول إحدى النساء: إن بقايا اللحم من الشاة المذبوحة لا تفسد وإن بقيت هناك طويلاً فإنها تظل صالحة ولا يصيبها ضرر وذلك لقدسية وبركة المكان, وفي إحدى الروايات أن أهلنا كانوا في زيارة للمقام وإذ بإحداهن عند اقترابهم من المقام تسمع "نحنحة" وتكرر ذلك فغطت النساء وجوههن كعادة نسائنا في الجنوب ونزلوا وذبحوا شاتهم عند المقام.
ويعتقد أهلنا أن من يكذب عندما يقسم اليمين عند مقام الفلوجي فانه سيتضرر جراء ذلك، وحدث أن حلفت إحدى النساء يميناً كاذباً عند مقام الفلوجي وبعد أيام أصابها الصرع والجنون ومكثت كذلك حتى ماتت.
وحدثني العديد من كبار السن من شيوخنا أنهم رأوا شخصاً يلبس اللباس الأبيض ويركب حصاناًَ أبيض يمر من المقام، واللون الأبيض له دلالاته حيث يرمز إلى الطهارة وإلى الأولياء الصالحين وإلى الملائكة، وبذلك يرى أهلنا أن الفالوجي من ذوي الكرامات من الأولياء الصالحين.
ويروي أحد كبار السن أنه سمع من أحد اليهود الذين شاركوا في الحروب ضد القوات المصرية في الفالوجة أنه كان يرى رجلاً يلبس اللباس الأبيض ويركب حصانه ويحمل سيفه ويقاتل إلى جانب القوات المصرية، ويضيف أن الرجل اليهودي أقسم له أنه رآه بأم عينيه وقد أصاب العشرات من جنود اليهود في تلك المعركة التي كانت في سنوات الخمسينات من القرن الماضي.
ويروي أهلنا أنهم كانوا يشمون رائحة البخور من مسافة بعيدة وهي تنبعث من مقام الفالوجي وكانت رائحة البخور تملأ المكان وتنتشر حوله.
وفي قصة حدثت قبل أكثر من سبعين عاماً وما زال أهلنا يرددونها حتى اليوم أن رجلاً من إحدى العائلات البدوية في النقب وكان معه رجل من منطقة الدوايمة قرب الخليل كانا ينشلان الماء من البئر، وحدث أن نزل الرجل الذي من منطقة الدوايمة للبئر فانقطع به الحبل وسقط داخل البئر، ولم يستطع الرجل الآخر إنقاذه فمات داخل البئر, وبعد مدة طالب أهله بحق ابنهم، واتهموا الرجل بأنه هو الذي قتل صاحبه بشكل متعمد، واتفق الطرفان على حلف اليمين عند مقام الفالوجي, وساروا في اليوم المحدد للمقام وعندما وصلوا إليه كان هناك عدد من الوجهاء الذين سمعوا القصة وتدخلوا في الموضوع فلم يحلف الرجل اليمين بل اشتروا حلفان اليمين بأربعين ليرة من الذهب لأنهم خافوا من حلفان اليمين لأن الكاذب عادة ما يصيبه الضرر فيما لو حلف كاذباً.
وروى أحدهم أنه كان يوماً في طريقه قرب المقام وكان يسأل الله أن يرزقه بمولود بعد أن تأخرت زوجته عن الإنجاب فمر قرب المقام وتبارك منه وبعد مدة من الزمن حبلت زوجته بقدرة الله تعالى.
ويضع أهلنا البخور في المقام والرايات البيضاء والشموع والزيوت ويتباركون منه، وقد تعددت القصص التي تروى عن كرامات هذا الصالح وتناقلها الناس من جيل إلى جيل.
ومن هذه القصص أن قطيعاً من الأغنام ضلّ طريقه واختلط مع قطيع آخر لأحد الرعاة وكان صاحب الأغنام حاضراً عندما اختلطت تلك الأغنام الضالة بأغنامه, فقام صاحب القطيع وعزلهن عن أغنامه، ثم أنه ذبح شاة منها وأخفى البقية الباقية, وبعد عدة أيام جاء صاحب الشياه الضالة يبحث عنها وسأل صاحب القطيع عنها فأنكرها، وكان الرجل قد رأى رأس الشاة المذبوحة وشك أنها له وأنها من قطيعه الضالّ, ورغم إنكار الأول إلا أن الرجل أصر على أن الشاة المذبوحة له، وأن أغنامه الضالة عند هذا الرجل، فبعث له أناساً واتفقوا أن يحلف يميناً يوم الجمعة عند مقام الفالوجي، وكان يوم الجمعة وجاء الرجل ومعه عدد من أهله، وحضر الرجل مع الراعي وأقسم يميناً كاذباً على قبر الشيخ الفالوجي بأنه لم يذبح شاة من أغنام الرجل، وأنه لم يشاهد أغنامه ولا يعلم عنها، ثم غادروا المكان وعادوا إلى بيوتهم.
ويقول الراوي إنه في اليوم التالي وفي ظلام الليل الدامس حضر إلى القطيع ثلاثة رجال يلبسون اللباس الأبيض ومعهم رايات بيضاء اللون، وأخذوا يضربون أغنام ذلك الرجل بالرايات البيضاء وهي تهرب من المكان والراعي يشاهد ذلك، وفي الصباح كان حجم الكارثة كبيراً إذ لم يبق من القطيع ولو رأساً واحدة، وقد انتشرت جثث الأغنام بالمئات ويعتقد أهلنا أن سبب نفوق هذه الأغنام وموتها هو حلف صاحبها يميناً كاذباً على قبر الفالوجي، والله تعالى أعلم.
وفي منتصف سنوات التسعين من القرن الماضي أقدمت مجموعة من المعتدين على سرقة حجارة المقام ولم يبق منه إلا القليل.
مقام الشيخ الفالوجي عن صورة من عام 1991م.