أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
امريكا والسعودية و"الخريف العربي" الطويل!!

بقلم : محمود عبد الرحيم* ... 24.09.2011

في الأسابيع الأولى لخلع الديكتاتور المصري العجوز مبارك كان الحماس يغمرنا ويفيض، لدرجة جعلت البعض، وأنا منهم، يتصور أنه قادر على تصدير الثورة إلى كل الشعوب العربية من محيطها لخليجها، ودعم كل تحرك شعبي شرقا وغربا وشمالا وجنوبا،على ذات أرضية المطالب(الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية)،من منطلق الالتزامات القومية والأخلاقية التى ترفض الديكتاتورية واستعباد الشعوب تحت أية لافتة، وتعلي من قيمة التضامن بين شعب عربي واحد، وتستعيد روح "ثورة يوليو" التى جاءت "ثورة يناير الشعبية" لتصل ما انقطع منها.
وربما كان التواصل مع ثوار اليمن أكثر من ثوار ليبيا أو سوريا، وكنت منبهرا برغبتهم الحماسية في تبادل الخبرة والاستفادة من تجربتنا الثورية بنجاحاتها وعثراتها، والوعي السياسي الملفت لديهم، غير أن الاتصال الآن صار محدودا والحوار أكثر محدودية لسبب جوهري أن فاقد الشئ لا يعطيه، بعد أن فقدت الثورة المصرية زخمها ودخلت في نفق مظلم، إن لم يكن قد تم اجهاضها بالفعل، ولا أحد يجرؤ على مواجهة هذه الحقيقة المرة، بل أن البعض يبدي تفاؤلا ساذجا يقفز على معطيات الواقع المحزنة.
وربما تكون وضعية المتغير الخارجي تحديدا كاشفة لمسار الثورات العربية، من حيث وقوفه حجر عثرة في سبيل انجاز الثورة لاستحقاقاتها، فالأطراف الأقليمية والدولية تتلاقى عند نقطة إعادة ترميم الأنظمة القديمة لتبقى محافظة على شبكة المصالح القائمة التى تديرها واشنطن، بمساعدة الوكلاء المحليين في المنطقة.
ولا مانع في سبيل ذلك من اجراء جراحة تجميلية محدودة، والتخلص من الأوراق المحروقة، والاستعانة بالصف الثاني والثالث من ذات منظومة الفساد والاستبداد، تحت أكذوبة الحماية من الفوضي وانهيار الدولة، والتحالف مع بعض القوى المعارضة الانتهازية، وتحويل الثورات إلى شعارات براقة خالية من اية مضامين ثورية، مع العمل المنظم على تشويه الثوار واستنزاف طاقتهم، وسحب الالتفاف الشعبي من حولها باختلاق أزمات يومية، حتى تتحول الثورة إلى اغنية موسمية، ويتحول الثوار مع الوقت إلى قلة محدودة تمارس المعارضة الهامشية التى لا وزن لها في صنع القرار.
ولعل مصطلح"الربيع العربي" أحد الأوهام التى تم تصديرها لنا ابان اشتعال الثورات العربية، لكننا حين افقنا من نشوة النصر الوقتي، اكتشفنا انه لا يختلف عن شعار "الديمقراطية الأمريكية" الذي نسمعه طوال الوقت، ولا نرى له صدى على الأرض.
ورغم اننا ندرك الآن كعرب أننا على مشارف "الخريف العربي" الطويل، الا أن ثمة الحاحا غربيا على ايهامنا بأننا انتصرنا وحلت الديمقراطية بنا، أو على بعد خطوات قليلة منا، وعلى يد القوى الغربية التى تعلن عن نفسها بوضوح في ليبيا ب"ضربات (الناتو) الجوية"، وفي دول كمصر وتونس بحديث"التمويل الأجنبي" وفي سوريا ب"سياسة العقوبات الاقتصادية" وفي اليمن ب"عبارات الأسف على المجازر"، في محاولة خبيثة للايهام بأن الثورات العربية صناعة غربية وأمريكية بالأساس، رغم أن تحليل الوقائع يذهب إلى تأكيد المنحى العكسي تماما، وأن الثورات العربية نتاج نضالات ممتدة وتضحيات غالية، وما يجرى ليس سوى احتواء لها لتنحرف عن مسارها إلى المسار الخطأ وتسقط الثمار في حجر الغرب ورجالاتهم في المنطقة، لا الشعوب اصحاب الحق الأصلي.
وقد لمست بنفسي مساع تصدير هذه الصورة، مؤخرا، حين اجرت معي باحثة بلجيكية حوارا سعى للربط بين "الربيع العربي" وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكأن هذه الاحداث وتحركات الولايات المتحدة بعدها، كانت وراء نشر الديمقراطية، وقد كان ردى حاسما في رفض هذه العلاقة، واظهار كيف توثقت الصلات بين الديكتاتورية العربية وواشنطن ابان هذه الاحداث على صعيد التعاون الاستخباراتي والتسامح مع انتهاكات حقوق الانسان، وممارسة ضغوط شديدة على المقاومة العربية للمشروع الأمريكي الصهيوني، خاصة في فلسطين و لبنان، والدخول إلى منطقة فرض مفاهيم ورؤي أمريكية وتنازلات تمس الهوية العربية، وتسمح بقبول الكيان الصهيوني تحت مسمي ثقافة التسامح والسلام وقبول الآخر ومحاربة الارهاب والتطرف.
وبالمثل، ذهب برنامج على أحدى القنوات الأمريكية إلى ايجاد صلة بين "الربيع العربي وبشارة اوباما الديمقراطية لشعوب المنطقة"، وقد شعر المذيع بالارتباك حين أحس أن اجابتي خرجت عن السياق الذي اراده، حين قلت له الديمقراطية الأمريكية شعار لا صدى له على الأرض، بل أن امريكا هى من تعرقل الديمقراطية العربية بدعمها لبقايا الأنظمة الفاسدة المستبدة، بمساندة سعودية اسرائيلية، ولو رفعت واشنطن ايديها عن الثورات العربية لكانت قد نجحت، لكنها تريد حركات اصلاحية محدودة تؤمن لها ولطفلتها المدللة "إسرائيل" البقاء في وضع السيطرة، وابقاء المنطقة العربية موضع التابع.
والمؤسف، أن يكون بلد عربي كالسعودية شريكا أصيلا في جريمة اجهاض الثورات العربية، ويلعب دورا معاديا لنضالات الشعوب العربية التحررية، لا يقل عن دور الكيان الصهيوني.
واذا ما وضعنا استضافة الديكتاتور التونسي بن على، إلى جانب الضغط على السلطة الانتقالية في مصر للترفق بالديكتاتور مبارك وعصابته ودعم القوى الاسلامية المناهضة لدولة مدنية ديمقراطية عصرية،علاوة على دعم واسع لديكتاتور اليمن عبد الله صالح فيما يسمى ب"المبادرة الخليجية" لضمان اعفائه من الملاحقة على جرائمه المالية والجنائية، ونقل السلطة إلى أعوانه، ندرك الدور القذر الذي تلعبه بالوكالة لصالح الولايات المتحدة، وضد مصالح الشعوب العربية.
وهو ذات الدور الذي لعبته في الماضي في مناهضة مشروع جمال عبد الناصر التحرري، سواء بدعم الأخوان ونشر الفكر الأصولي الرجعي، أو محاولة ضرب الوحدة المصرية السورية أو استنزاف القوة المسلحة لدى الوجود المصري في اليمن، وفي الحالتين وقفت بشراسة ضد المد الثوري.
أظن آن الأوان لنا كشعوب عربية، أن نحدد عدونا القريب والبعيد، و نتحد معا لإفشال مساعيهما، ولتكن البداية بوضع "قائمة الدول الراعية للديكتاتورية"، المعادية للتحرر العربي، على غرار "قائمة الدول الراعية للارهاب"، التى وضعوها، ومقاطعتها شعبيا على كافة الأصعدة، حتى تتيقن أن رهاناتها خاسرة ولو على المدى البعيد.
فالمعركة مع عدو الخارج يجب ان تسير بالتوازي مع أعداء الداخل، لأن الديكتاتورية والنزعة الاستعمارية وجهان لعملة واحدة، وكلاهما ضد مصالحنا وحقوقنا كشعوب عربية تتوق للحرية والعدالة والكرامة.

*كاتب صحفي مصري