أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
أجواء انتخابية في سورية الجديدة... !!

بقلم : سهيل كيوان  ... 30.06.2011

وأخيراً نجحت الثورة السورية الحديثة، تحققت مطالب المنتفضين بانتخابات ديمقراطية حرة ممهورة بجداول من الدماء الطاهرة، ستة عشر حزباً سُجلت للتنافس على مقاعد مجلس الشعب بما فيها حزب البعث العربي الإشتراكي الذي تشرذم إلى عدة أحزاب، بعثيون، إسلاميون، ديمقراطيون، قوميون في عدة طروحات ووجوه، اشتراكيون، ممثلو شرائح متوسطة، ممثلو عمال وفلاحين، أحزاب كردية، عربية كردية، الملصقات تملأ الجدران بصور المرشحين وشعاراتهم، نقاشات صاخبة في البيوت والأحياء وأمكنة العمل، انتهى حكم الحزب الواحد والأسرة والشلة الواحدة، حزبيون سابقون يخوضون الانتخابات في قوائم جديدة محاولين تجديد وجوههم وتلميعها، إنهم يدفعون ملايين الدولارات إلى سوق المنافسة، هناك تجاوزات قانونية واضحة بالنسبة لتمويل الأحزاب، رموز النظام السابق يستميتون للعودة إلى الحكم لأسباب مفهومة، لقد خرجوا هروبا من شباك الدكتاتورية ويريدون العودة من باب الديمقراطية، هناك من وضع في برنامجه الانتخابي محاكمتهم وملاحقتهم ومساءلتهم حتى النهاية.
مع انطلاق المعركة الإنتخابية تسلّم الموظفون رواتبهم مع زيادة (حبّة مسك)، ووصلت لكل موظف بضع بطاقات معايدة بمناسبة العام الجديد، بطاقات معايدة من شتى الأحزاب والمرشحين، سُرّ الموظفون بهذا الطارئ الجديد على حياتهم بعدما اعتادوا لغة وبطاقة واحدة وتوجهاً أحادياً منذ عقود، حتى ألوان البطاقات تنوعت، أسماء أشخاص وعائلات في مواقع متقدمة لأول مرة تدخل معترك السياسة، أين كان مختبئاً كل هذا؟
لأول مرة يشعر الناس بمنافسة حقيقية، انتخابات غامضة غير محسومة مقدماً، لا يستطيع أحد أن يؤكد فوز أحد أو خسارة أحد، لأول مرة تناقش برامج انتخابية بجدية وبأمل في تحقيقها، رغم أنهم ما زالوا غير واثقين من إمكانية تحقيق هذه البرامج، اختفت الرقابة الحديدية على الأنفاس، حتى المسؤول الحزبي السابق في المكتب صار أكثر الموظفين ديمقراطية، وكلما ناقش زملاؤه فكرة تنطّح: 'أنا حذرت من نتائج الفساد الوخيمة.. وتوقعت ما يحدث الآن...لو سمعوا استغاثتي لما حصل كل الذي حصل، ولما سفكت كل هذه الدماء'. ويرد عليه زملاؤه...أين حذرت وأين قلت؟ بلاش نكذب على بعضنا، كلنا كنا منجرفين في نفس هذا العفن، ألم نتهم الثوار بأنهم مندسّون..ألم نخوّنهم.. ألم نقل إنهم عملاء أمريكا وإسرائيل..والله هذا ظلم وعيب'..
على كل حال يجب تجاوز الماضي والنظر إلى مستقبل البلد، مستقبل أبنائنا، وليس مستقبل شلة أو فئة أو عائلة، كم كنا سخفاء بهتافنا لواحد اختزلنا البلد في شخصه، حتى الأنبياء والخلفاء الراشدين وأعظم الفاتحين لم يحظوا بمثل هذه الهتافات التي وضعتهم مباشرة بعد اسمه جل وعلا، لا حول ولا قوة إلا بالله، هل تذكرون رامي مخلوف الذي أصبح فاعل خير في آخر الزمان، كل هؤلاء اللصوص صاروا فاعلي خير..من زين العابدين بن علي إلى علي عبد الله الصالح مرورا بالعقيد الليبي ومبارك وزوجته وجماعته...جميعهم يقولون إنهم خدعوا...لماذا لا يؤسّسون 'جمعية اللصوص المخدوعين الخيرية'.
اجتماعات انتخابية في جميع الأحياء، رجال غامضون يتحدثون بشكل مدروس وبالأرقام والمعطيات عن التنمية الاقتصادية وقدرات البلد، برامج خالية تماماً من الشعارات، رغم أن قلة ما زالت تظن أن فرقعة الشعارات ما زالت سارية المفعول....عندما بدأ أحـــــدهم بالصراخ بالشعارات التي سئمتها الآذان وصارت تسبب المغص للسامعين ووجه بعاصفة من التصفيق والضحك، ولم يسمحوا له بإنهاء خطابه، أسكتوه بالتصفيق المتواصل، وبهتافات.. الله..حرية.. سورية وبس.
تحولت حفلات الزفاف إلى ملتقى للمتنافسين، الجميع يريد أن يشارك ويخدم ويتطوع في فرحك كي لا تنساه في وحدتك وراء الستارة وصندوق الانتخاب... ياه.... حتى حياة المرضى تغيّرت، إذا احتاج أحدهم لوجبة دم لا سمح الله صار يجد عشرات المتبرعين ممن يعرفهم وممن لا يعرفهم، جمعيات خيرية كثيرة وأحزاب جديدة متحمسة للعمل الخيري والتطوعي، بالإضافة إلى هذا يلاحظ أن أعداد المشيعين في الجنازات تضاعفت، جهات كثيرة تعرفها ولا تعرفها تعزي بالفقيد، يا جماعة تغيّر شيء أساسي في البلد، إنها تشبه شجرة شاخت تم قطع الفروع اليابسة منها وها هي تطلق فروعاً وأغصاناً خضراء يانعة.
الأمر يتعدى الشعارات الانتخابية، حتى مشكلة البطالة هناك من يقترح برامج جدية لحلها وبواقعية.
الانتخابات الحرة أتت بالخير لطلاب العلم، الجميع مهتم بتجنيد الدعم للطلاب والخريجين كي يكسب أصواتهم، حتى كرة القدم لم تنج، فهي مجال كبير للمنافسة بين الأحزاب، واضح أن بعض أصحاب الكروش والأرداف الهائلة يحاولون إقناع الناس بعشقهم للرياضة، فليكن فالمهم أن يعود هذا بالفائدة على الرياضة.
هناك من ذهب إلى جمهور المسنين يطلب ودّهم، فبادر لرحلات مجانية لهم، وهو يعدهم برعاية أفضل، ويدّعي أنه لا يطلب منهم سوى الدعاء والبركة، وأصواتهم إذا أمكن، المنافسة جدّية وطاقات الشعب تنطلق، كثير من المسنين يقسمون أنهم سيدلون بأصواتهم لمن أخذهم رحلة، هناك من يطالب بمساءلة قانونية حول مشروعية هذه الرحلات، وهناك حزب الخُضر،هدفه بالأساس كما يقول الحفاظ على مياه سورية، وإعادة الحياة الى بردى الذي صار مجرى آسناً، طبعا هناك القضية القومية، الجميع يؤكد التزامه وأن الحل أسهل بكثير مما كان يعتقد حتى الآن، خصوصاً بعد رحيل أنظمة الفساد العربي، الجميع يضرب المثل الشعبي البسيط...قيل لفرعون يا فرعون من فرعنك..'
هكذا تستمر الأجواء الجديدة في نهار الانتخابات، ياه إنها حقاً انتخابات ديمقراطيةً، حتى في الأسرة الواحدة تجد اتجاهات مختلفة ونقاشات عميقة، الجميع متحمس للوصول إلى مراكز التصويت، هناك مرشدون يوجهون الناخبين، كثيرون لم يستوعبوا الأمر الجديد بعد، هناك حوادث مضحكة، البعض يسأل إذا كان عليه أن يضع علامة (إكس) مقابل كلمة نعم أم لا، الجميع يقول هذه انتخابات حقيقية وليست مسخرة (الإكس)، كيف كنا نقف طوابير كالأغنام كي نضع علامة إكس مقابل كلمة (نعم) ليحصل الرئيس على 99' من الأصوات، هناك من لم يتحرر بعد من عقدة الخوف، ما زال يظن أنه مراقب وأنه سيحاسب على صوته، مراكز الأحزاب تقدم القهوة والمرطبات للناخبين، حتى أن بعضهم يقدم الساندويتشات...يقال إن أموالا وصلت من الخارج ولكنها دعاية، ويقال أيضاً إن هذه أموال الشعب المنهوبة، ويقال كذلك إنها تبرعات جمعتها الأحزاب، الجميع إخوان وبلدنا خالد إلى آخر الزمان. تستمر التحيات والمصافحات وحتى القبلات حتى تأزف لحظة فرز الأصوات.. وتبدأ الصورة بالاتضاح رويدا رويدا وتبدأ الأعصاب بالتوتر خصوصا بين نشطاء الأحزاب، وتعود كل عنزة الى قطيعها وتتمترس في حظيرتها أو مقر حزب مرشحها أو بيته...
وفجأة تنتشر الأخبار.. يا سلام فلان سقط.... كيف سقط!... هذا وزع أموالا لا تأكلها النيران... فلان فاز... والله مفاجأة حلوة.. من توقع لهذا المسكين أن يفوز..! وينتشر خبر مؤسف في آخر الليل، مجهولون أطلقوا النار على مقر أحد المرشحين وسقوط قتيل وجرحى، يبدو أن هناك من لا يريد التسليم بقرار الشعب، إنها الثورة المضادة كما هو الحال لدى الأشقاء في مصر، الشعب قال كلمته وخرج إلى الشوارع مدافعاً عن الديمقراطية... هذا هو خيار الشعب ومن لا يريد العيش في سورية الديمقراطية الجديدة فليبحث له عن نظام دكتاتوري وليرحل إليه..