بقلم : الخير شوار ... 05.05.2011
قرب مدينة بيونس آيرس، في منزل صغير ومتواضع بمنطقة سانتوس لوغاريس، توفي شيخ يكاد يبلغ عمره المئة. إنه الكاتب الأرجنتيني البارز أرنستو سابتو، الذي تزامن رحيله مع رحيل أبرز شاعر في الشيلي بعد بابلو نيرودا، وهو غونزالو روخس، الذي غادرنا عن عمر يناهز الـ93 سنة.
لم يشأ القدر أن يحتفل الروائي أرنستو ساباتو بعيده ميلاده المئة، في بيته الصغير ذاك، وغادرنا على مقربة من هذه الذكرى. ومع أن رحيله جاء طبيعيا وقد عمّر طويلا، إنه أنه جاء في سياق يدعو إلى إعادة التفكير في الموضوع من وجهة تتعلق بالنهايات والبدايات. وأرنستو ساباتو الذي سبق له وأن فاز بجائزة سرفنتس سنة 1984 وهي أهم جائزة للأدب المكتوب بالإسبانية وتعادل في قيمتها أو تفوق جائزة نوبل للآداب لدى الكتّاب والقراء الناطقين بهذه اللغة، وكان من بين الفائزين فيها الشاعر الشيلي البارز غوزالو روخس الذي رحل قبله بأيام معدودات. إنها نهاية جيل أدبي جمع الكاتبين الراحلين حديثا إضافة إلى بابلو نيرودا وخورخي لويس بورخيس وخوليو كورتاسار وغيرهم.
ولئن برز أرنستو ساباتو ضمن نفس الفترة التي عُرف فيها مواطنه خورخي لويس بورخيس ولو أن الأخير كان يكبره ببعض السنين، إلا أن التيار لم يكن يمر بين الرجلين، وربما لعبت الحسابات الشخصية و»مشكلة المعاصرة» وعقدة الندية دورا في الموضوع. ووصلت العقدة بين الرجلين إلى حد السخرية، حيث كان ساباتو من عاشقي كرة القدم وكان بورخيس كارها لها، وبمناسبة إحدى دورات كأس العالم صرّح بورخيس بأن كرة القدم هي لعبة الأغبياء. فردّ ساباتو بالقول أن حكم بورخيس نابع من كونه لم تلمس رجلاه الكرة في حياته.
ولو اعتمدنا مقياس الكم، فإننا نُصدم إذا عرفنا أن كاتبا مهما وكبيرا كساباتو لم يصدر سوى ثلاث روايات، طيلة حوالي ثمانية عشريات كاملة من التواجد على الساحة الادبية، ورواياته الثلاث هي «النفق» التي صدر سنة 1948، ثم «أبطال وقبور» التي صدرت سنة 1961، وأخيرا «ملاك الظلمات» سنة 1974. وبعد صمت طويل كتب «قبل النهاية» وهي وصيته الأدبية والفكرية التي كتبها سنة 1999. ورغم أنه أصدر هذا الكم القليل جدا من الكتب، إلا أن قيمتها الادبية جعلته في طليعة الكتّاب العالميين، وهو الذي تعامل مع نصوصه بالتمزيق والمحو أكثر مما تعامل معها بالنشر والاحتفاء، ولو نشر كل ما كتب لربما كان من أكثر الكتّاب غزارة.
وهذا الكاتب الاستثنائي، جاء من حقل العلوم الدقيقة، وهو الذي زاوج بين العلوم الفيزيائية والكتابة الادبية، وجاء من حقل يعتمد الصرامة العلمية التي يكاد فيها الشك الديكارتي يتحول إلى شك مرضي، وربما لهذا السبب لم يسمح ساباتو للناس إلا بقراءة تلك النصوص القليلة جدا. ومع ذلك استمرت قسوته على نصوصه المنشورة، والتي تكاد تصل في حدها تلك التي مارسها ضد نصوصه الكثيرة الممزقة، وربما كان القارئ محظوظا عندما سهى شك ساباتو قليلا وسمح لتلك الروايات القليلة بالمرور إلى القارئ بمختلف اللغات. وهو الذي بقي بعد ذلك يصرح عبر بعض الأحاديث الصحفية التي أجراها أن نصوصها ينقصها عنصر التشويق ولا ينصح الناس بقراءتها، ومع ذلك ظل القارئ يعجب بتلك النصوص الخارقة التي جعلته في مقدمة الكتّاب الإنسانيين.