بقلم : د.مهند العزاوي* ... 25.12.2010
• "عقيدة رامسفيلد" تحطم بيروقراطية الجيش الامريكي ومهنيته
• حروب تغير الأنظمة السياسية والنهب الاستعماري.
• حروب القسم الخامس في القوة الأمريكية الشاملة
أصبحت صناعة الإرهاب رائجة اليوم لتبرير تجارة الأمن والمرتزقة , وما تطلق عليه الشركات الأمريكية "تجارة الأمن" , وتعد من الصفقات التجارية المربحة للغاية ,وتفوق إيراداتها المالية حاليا مداخل النفط والذهب في العالم , خصوصا بعدما ارتبطت هذه التجارة بمبررات وهمية صنعتها دوائر المخابرات والشركات الكبرى ,السلاح, المرتزقة, المعدات, المعلومات, الفضاء..الخ, وقد أخرجت على شكل تهديد عالمي أطلق عليه "الحرب العالمية على الإرهاب" تذكيها نظريات راديكالية متشددة تتسق بمفاهيم المحافظين الجدد في أمريكا, وبدوافع اقتصادية تقودها فلسفة "مدرسة شيكاغو" لمنظرها "ميلتون فريدمان" بذراعيها الصدمة والعنف المطلق والذي يعتنقها عدد كبير من المحافظين , خصوصا أن الشركات الكبرى باتت تسيطر وبشكل تام على مجريات ومقدرات صنع السياسية العالمية, وتتحكم بمصير الدول والأنظمة والشعوب, وسعت لفتح دول العالم على مصراعيها , واخترقت شعوبها وأنظمتها ومؤسساتها, واعادة تشكيلها بشكل تعسفي يخدم مخططاتها, وألغت بذلك مفاهيم الوطن والأمة والمنظومة القيمية والجيوش المهنية,وفق مفاهيم خصخصة الحرب والاستحواذ على الرقع الدولية, وباستخدام فوبيا التنظيمات المسلحة التي ساهمت بنشرها وبشكل هلامي بالعالم , والتي لا يمكن حصر تواجدها وتنظيماتها والحدس بأفعالها, وكذلك صعوبة التأكد من أنها تقف خلف ما تروج له وسائل الإعلام المرتبطة بأجندة صناعة الإرهاب العالمي , وفي الغالب يجري تضخيم التهديد (صناعة العدو),وخصوصا نحن نعيش اليوم عالم الاتصالات المتطور, والتقنيات الرقمية الحديثة, ويسوده حمى الدعاية السياسية الإعلامية والمأجورة منها, وبذلك تم اغتيال النظام الرسمي العالمي ومنظوماته الوطنية والتي تضع مفاهيم العقيدة الأمنية مبهمة على الدوام, وبذلك اخترقت كافة الحدود السياسية للدول, وأصبح العالم ميدان حر وسوق مفتوحة لشركات المرتزقة والمعلومات والالكترونيات والسلاح, وبذلك تحافظ على البيئة الأمنية الإستراتيجية الدولية والإقليمية مضطربة ومتقدة لغرض ديمومة تجارتها وما تسميه صناعة الإرهاب وتجارة الأمن ؟
"عقيدة رامسفيلد" تحطم بيروقراطية الجيش الامريكي ومهنيته
يعتبر "رامسفيلد" و"تشيني" عرابي الانهيار العالمي , واندثار القيم العسكرية ومهنيتها وخصائصها , وذلك من خلال تبينهم فلسفة خصخصة الحرب والإرهاب , وإشراك المرتزقة في الأعمال الحربية وصناعة الأعمال الارهابية ذات التقنية الحديثة , خصوصا فيما يتعلق بالعمليات الخاصة والاستخبارات والتحقيق والأسلحة المتطورة والقدمات اللوجستي الإدارية والاتصالات وغيرها , مع اقتصار الجندي على القتال فقط , وتعد هذه الفلسفة مدمرة للجيوش ونهجها المهني ومنظومتها التكاملية, وأضحت الجيوش بهذه الشاكلة تفكر بأن تقاتل من اجل المال لا من اجل العقيدة او الدفاع عن تراب الوطن, وحصر الولاء للمالك والراعي المالي والمتعهد السياسي بدلا من الشعب والدولة , وقد جرى بالفعل إخضاع المؤسسة العسكرية الأمريكية لهذه الصفقات , خصوصا بعد أحداث 11 أيلول 2001 , وقد تمخض عنها أبرام صفقتي حرب أفغانستان والعراق من قبل المحافظين الجدد في اكبر عملية نهب عرفها العالم, وفي حرب العراق جاء رامسفيلد بأكبر جيش للمقاولين من المرتزقة لم يسبق له مثيل ,وقدر بما يقارب مئة ألف مرتزق , وأصبحت النسبة العاملة واحد جندي نظامي يقابله واحد مرتزق ,وقد اعتبر "رامسفيلد" رسميا أن المقاولين جزء من الآلة الحربية الأمريكية وبذلك أعلن الحرب على البنتاغون لتمهيد الطريق أمام استخدام القطاع الخاص في شن حروب أمريكا وكصفقة تجارية مربحة, واعتمدت سياسة البنتاغون الجديدة على القطاع الخاص, وتوسيع نطاق الأعمال السرية ,وأنظمة الأسلحة المتطورة , واستخدام اكبر للقوات الخاصة والمقاولين والطائرات بدون طيار, وتعد تجارة مربحة للغاية, وأصبحت ما يعرف بـ"عقيدة رامسفيلد" تحطم بيروقراطية الجيش المهنية التقليدية والضرورية والقيم الإنسانية والأخلاقية في العالم , وهذا فتح المجال الواسع لاستخدام المرتزقة في كل مظهر من مظاهر الحرب بما في ذلك القتل باسم الدولة والجيش والنظام الرسمي الدولي .
ولى "ديك تشيني" حليف رامسفيلد منصب وزير الدفاع أبان حرب الخليج 91 , وقد اعد دراسة عند ترأسه شركة "هاليبرتون" حول كيفية خصخصة سريعة للعسكرية الأمريكية , علما أن رامسفيلد وتشيني كانا أعضاء أساسيين في "مشروع القرن الامريكي الجديد" والذي طرحه اليمين المتشدد في أمريكا كتوصيف للحرب الإيديولوجية القادمة, وقد نشر مشروع القرن الامريكي الجديد تقريرا سماه (أعادة بناء دفاعات أمريكا –القوى والموارد للقرن الجديد)واعترف التقرير بوضعه رؤية لإصلاح آلة الحرب الأمريكية إصلاح شامل كما يزعم, وهذا يتطلب حدثا كارثيا او محفزا حربيا مثل "بيرل هاربر جديدة" وبالفعل بعد سنة شهد العالم أحداث 11ايلول والتي استثمرت بشكل وحشي لغزو العالم, و جاءت كمحفز حربي لهيكلة عقول الرأي العام وحشده حول صفقة "الحرب العالمية على الإرهاب" ويعد تبريرا غير مسبوق للمضي قدما في الأجندة الراديكالية التي وضعها العملاء السريين من المحافظين الجدد وممن تسلقوا السلطة في ضل إدارة بوش لعسكرة العالم وتسويق فوبيا الأمن المكلفة عبر العالم .
حروب تغير الأنظمة السياسية والنهب الاستعماري.
تميزت إدارة الرئيس السابق بوش بتوزيع الأدوار والمناصب على المحافظين دعاة الحروب التجارية, وقد تكدس في البنتاغون عدد منهم ومن المؤدلجين بمفاهيم راديكالية متشددة كمعبر لخلفياتهم المالية والمرتبطة بالشركات الكبرى, أمثال بول وولفوفيتز,ودوغلاس فيث ,وزلماي خليل زاد ,وستيفن كامبون ,ومدراء تنفيذيين قدماء في الشركات المدمجة, وكثيرون منهم في شركات كبرى لصناعة الأسلحة أمثال نائب وزير الدفاع "بيت الدريدج "- شركة ايرو سبيس ,ووزير الجيش "توماس وايت"-شركة انرون ,ووزير البحرية"غوردون انغلند"-شركة جنرال داينميكس, ووزير سلاح الجو"جيمس روش"- شركة نورثروب غرامان " وجاءت القيادة المدنية الجديدة الى البنتاغون بأهداف أساسية ذات منحى استراتيجي, مما يؤكد حقيقة صناعة السياسة والحرب من قبل الشركات وبطابع تجاري بحت ولعل ابرز مرتكزاتها هي :-
1. ديمومة حرب تغير الأنظمة السياسية بالدول الإستراتيجية المستهدفة.
2. ديمومة النهب الاستعماري بمرحلتين الأولى – تجريد الأرض من ثروتها والثاني – تجريد البلد من أراضيه
3. تطبيق عملية الخصخصة وفق عقيدة فريدمان بالصدمة والعنف .
4. فتح سوق الشركات والاستثمار داخل المؤسسة الأمريكية كأسبقية أولى.
5. إلغاء فلسفة الدولة والنظام الرسمي الدولي وقيود القانون الدولي.
6. غزو دول الاهتمام الاستراتيجي وإلحاق بيئتها السياسية ومناخها الاجتماعي لتصبح دول شركاتية تابعة بعد تحطيم قدراتها واقتلاع مرتكزاتها الثقافية والفكرية والمؤسساتية.
7. ديمومة الحرب العالمية على الإرهاب كمبرر أساسي لصناعة الإرهاب وتجارة الأمن.
8. قرصنة رؤوس الأموال الأمريكية على محاور السياسية الخارجية الأمريكية وتطويع القوة لتنفيذها ضد الدول المستهدفة.
9. تعميم فلسفة تجزئة الحرب وخصخصة الموارد خارج مسارح الحركات.
حروب القسم الخامس في القوة الأمريكية الشاملة
تعد مجموعة شركات بلاكووتر جيش خاص مخيف وخطير, يسيطر عليه شخص واحد يخوض حروب غير شرعية متعددة, وهذه الشركة أحدى الشركات المتعهدة بتطبيق الحرب العالمية على الإرهاب كمبرر ومعالجة, وقد اتسعت مهامها وفعالياتها , وتغلغلت في المؤسسات الأمريكية, وخصوصا دوائر صنع واتخاذ القرار في واشنطن, وتصنفها العقيدة العسكرية الأمريكية على أنها "القسم الخامس في القدرة الأمريكية الشاملة" بعد الجيش, البحرية, سلاح الجو, المارينز, بلاك ووتر.
تحتفظ بلاك ووتر بسجل بياني لواحد وعشرين ألف عنصر سابق في القوات الخاصة, والجنود, وعملاء تطبيق النظام المتقاعدين, اللذين يمكن أن تستدعيهم في أي لحظة كجيش احتياط, وتمتلك بلاك ووتر أسطول خاص من الطائرات, وكذلك الهليكوبتر الهجومية, وحوامات, وفرقة من مناطيد الرصد الصغيرة, والطائرات المسيرة , وتدير الشركة فرقة استخبارات خاصة بها, وتعتمد الشركة في تعيين مدرائها من كبار المسئولين السابقين في الجيش والاستخبارات حصرا, وان بعض مدرائها التنفيذيين يتباهون لانتمائهم الى "فرسان مالطة" ذات السيادة , ولديها صندوق العمليات الأسود السري ,والذي لا تكشف عن حقيقة وأسعار عقودها مع الحكومة الأمريكية , وكالة الاستخبارات الأمريكية ,والشركات او الأفراد والحكومات الأجنبية المتعاملة معها, وتستطيع مجموعة بلاكووتر أن تزعزع انظمه وحكومات كثيرة في العالم وفق نظرية صناعة العدو, وتذكي صراعات ونزاعات عرقية وطائفية لتنفيذ مخططات التفكيك السياسي وخصوصا في العالم العربي والإسلامي , وكذلك تنفذ عمليات قذرة وسط حشود المدنيين للتأثير على المسرح السياسي عبر ما يسمى "الحركة" ضمن حرب الصدمة النفسية, وذلك لاحتكامها على مفاعيل القوة والحصانة والقدرة المكتسبة , مع قدرتها على التأثير في ميدان السياسية الدولية وعبر لوبي بلاكووتر المتخندق في مركز صنع القرار الامريكي في واشنطن.
توسعت شركة بلاكووتر في العراق كثيرا, وفي عهد برايمر أتاح لها العمل وبحصانة قانونية , وقد اصدر برايمر السيئ الصيت قرار 17 في 28-6-2004, ويعطي بذلك حصانة من الملاحقة القانونية في العراق, في حين يخضع الجيش الامريكي لمسائلة قانونية عسكرية تتعلق بقواعد الاشتباك, وهذا شجع على رواج سوق العراق للمرتزقة كأحد العوامل المغذية للعنف والإرهاب ضمن فلسفة الصدمة , وأضحت تلك الشركات قوة خفية خطيرة تتحكم بمقدرات العراق السياسية والاقتصادية والأمنية وكذلك العسكرية, حيث كلف العقيد "توماس اكس" لبناء الجيش الجديد بعد غزو العراق ويلاحظ سلوك عمليات الجيش الحالي يتسق تماما مع الفلسفة العملياتية لدوائر الاف بي أي وشركات المرتزقة الأمريكية وتبدوا كقوات شرطية فقط .
أصبح عدد شركات المرتزقة الأجنبية في العراق ما يقارب الـ60شركة وقد أسسوا "اتحاد الشركات الأمنية في العراق –PSC", ناهيك عن توسيع قدرتها المكتسبة واذرعها, وتشكيل شركات بواجهات عراقية لتقوم بتجنيد الشعب البائس الجائع للعمل في مجال الأمن السياسي لقوات الاحتلال الأمريكي في العراق, وبرواتب زهيدة تتراوح من 600 -800 دولار في الشهر, بينما يتقاضى المجند الامريكي والبريطاني 1200 دولار باليوم, وهنا نقف أمام حقيقة تشير الى أن تدمير وتجريف مؤسسات الدولة العراقية كان مخطط له بعناية ولم يكن ذو طابع استراتيجي وعقائدي راديكالي فحسب بل ذو منحى اقتصادي وفق فلسفة "مدرسة شيكاغو" - فريدمان, وجرى بالفعل خصخصة مؤسسات ومرافق الدولة العراقية بالكامل منذ أيام الصدمة الأولى في ظل نيران الحرب والإرهاب الدولي, وبلغ أنفاق واكلاف تشكيل القوات المسلحة الحالية أرقام فلكية وبما يزيد على ترليون دولار, وتعد تلك الترتيبات من أبجديات الأمن السلبي لديمومة حمى الإرهاب, والتي لم تكن موجودة أصلا بالعراق قبل غزوه, وقد أصبحت صناعة الإرهاب أمرا ضروريا لهذه التجارة الرائجة والتي تستنزف الشعوب والمجتمعات والدول, وتستنزف ثوراتها , وفق فلسفة الخوف وصناعة التخويف, خصوصا أذا علمنا أن مرتكزات الاستراتيجيات الأمريكية الثلاث (العسكرية- النووية- الأمن القومي) عاملها المشترك محاربة ما تسميه "الفاعلين الغير حكوميين" كالقاعدة والتنظيمات المسلحة الأخرى , مما يؤكد هيمنة هذه الشركات على مقدرات السياسية الداخلية والخارجية الأمريكية, وكان أخر مقترح البنتاغون مطالبة تشكيل جيش صغير في العراق لحماية الوجود السياسي الامريكي بعد ترقيق القطعات او انسحاب جزء منها وفق رقع محسوبة ضمن المهارشة الإستراتيجية في المنطقة.
يتجه العراق والعالم العربي إلى منحدر خطير تقوده هذه الشركات وبشكل متداخل, ونجدها متغلغلة في كافة مرافق الحياة , وتصنع الحدث لتعرض المعالجة, وقد أصبح هاجس الدول اليوم هو الحرب على الإرهاب دون الالتفات إلى خطورة عسكرة المجتمعات والانكشاف الحربي والتفكيك السياسي والحرب الدموغرافية والإرهاب الفكري وجميع تلك المخاطر تعد منظومة متكاملة لتكون عوامل مغذية لصناعة الإرهاب وتجارة الأمن التي تسوقها كارتل الشركات.