بقلم : سهيل كيوان ... 14.07.2011
من حق الكنيست أن تنتخي وتفزع لأبنائها وقرة عينها من المستوطنين البررة، وأن تعاقب الجهات التي تدعو لمقاطعتهم وبضائعهم، بل من غير الطبيعي ولا الأخلاقي أصلا أن تتخلى الكنيست عن أبنائها الشرعيين وفلذات كبدها تمشي على الأرض المحتلة عام 67، والحقيقة أن الكنيست لم تقصّر فأخذتها الحمية، حمية الصهيونية وانتصرت للإستيطان ومنتجاته، وهذا تذكير لمن نسي أن الاستيطان هو الكنيست والكنيست هي الاستيطان وكل من يحاول الفصل بينهما فإنما يدخل بين البصلة وقشرتها ولن ينوبه غير رائحتها، الكنيست ليست جمعية خيرية والخلافات داخلها ليست على الهدف بل الاتجاه الأسلم لبلوغ الهدف، الكنيست بالأصل نتاج استيطاني، ومحاربة ومقاطعة الاستيطان يعني محاربة الفكرة الأساسية المبنية أصلا على الإستيطان، حجة المستوطنين في الضفة الغربية الذين تجاوز عددهم الثلاثمئة وثلاثين الف مستوطن أصلاً لكل من يلومهم هي أن الدولة أرسلتهم، وهي المسؤولة عن أمنهم ومعيشتهم وضمان توسعهم الطبيعي وغير الطبيعي والدفاع عنهم في المحافل الإقليمية والدولية، وعلى الصعيد المحلي ينظر إليهم لدى الأكثرية في اسرائيل كأبطال، وكلمة استيطان التي ترن في الأذن العربية كأمر سلبي يوحي بفعل احتلالي عدواني فإنها تسمع بالعبرية كأمر يُفتخر به. وقد اختلط الأمر والمعنى لدى اليهود لدرجة أنهم قد يسألون مواطنا عربيا 'في أي مستوطنة أنت مقيم' باعتبار أن كل تجمع سكاني من البحر إلى النهر هو مستوطنة، حتى ولو كان قرية عربية، الجينات العدوانية التي يحملها المستوطنون مصدرها الكنيست، وجميع الأمراض التي يحملها المستوطنون هي وراثية وعلى رأسها العدوان وسرقة أراضي الغير وحقوقه. ولهذا فإن الضجة حول القانون الذي سنته الكنيست والذي يعاقب من يقاطعون المستوطنات ومنتجاتها ومؤسساتها هي ضجة في غير مكانها، وإذا كان لا بد من المقاطعة فيجب أن تبدأ من الرأس وليس من الأطراف، مقاطعة السبب وليس النتيجة، الكنيست هي التي يجب أن تقاطع أصلا وفصلا هذا إذا أراد المجتمع الدولي أن يأخذ الأمر بجدية، تماما مثلما كان إجماع دولي على مقاطعة نظام جنوب أفريقيا العنصري. '
الربيع العربي خربط أوراق وحسابات الساسة وحوّل بعضهم إلى مهرّجين، الرئيس الفرنسي ساركوزي يعتمر عمامة عمر المختار، بيرلسكوني يرتدي شروال صالح العلي، أوباما يشهر بندقية يوسف العظمة هيلاري كلينتون تهتف 'إذا الشعب يوماً أراد الحياة...' وجميعهم يحذرون من قمع المدنيين في ليبيا وسورية ومصر وتونس، ولكن أمرهم يفتضح بسرعة فهم يعتمرون طاقية المتدين اليهودي الصهيوني عندما يصلون إلى الاستيطان والمستوطنين والاعتراف بالدولة الفلسطينية والقدس وحقوق اللاجئين، ولكن في المقابل فإن من يملك مقدرات الاقتصاد السوري وهو ابن خال الرئيس (الممانع) يقول بأن إسرائيل لن تحظى بالهدوء بدون استقرار سورية! وطبعا لا استقرار لسورية إلا تحت حكم الحزب الواحد والقمع الواحد والفساد الواحد. يبدو لي أن هناك من هو معني بوقف الربيع العربي على أبواب دمشق وطبعاً تسلق هذا الربيع وقطف ثماره حتى قبل نضوجها، ولهذا نرى إسرائيل ترفع صوتها دعماً للثوار وتنتقد قمعهم كأنها أم المساكين الطاهرة التي يُصلى على أذيالها وترسل مندوباً إلى مؤتمر أنطاليا فتسبب له سمعة سيئة جدا وتقتله في مهده، ونرى السفيرين الأمريكي والفرنسي في سورية يزوران حماة بعد نصف مليونيتها الأولى والثانية، وهذا يسيء للثوار ويلوّثهم ويسبب لهم نوعاً من الجرب الذي يعتمد عليه النظام في محاربة الثورة واتهامها في شرفها، لا أستبعد أن يكون هذا مقصوداً لتشويه السّمعة، إلا أنه ومهما كانت النوايا فهذا لن يغير من الحقيقة الساطعة شيئاً وهي أن الشعب السوري هو سيد ثورته وهو الذي دفع ويدفع مهر حريته بدمائه الطاهرة التي ستنتصر على الجرب ومن يتسلح بالجرب لتشويه سمعة الثوار.
أما كاتب القصة الهاوي معمر القذافي وهو أحد أهم أقطاب المعارضة للربيع العربي، فما زال مصرا على أن الأمة العربية لن تخرج من خريف وموات أبدي إلا إذا شاء، فقد أرسل مندوبين من وراء ظهورنا إلى تل أبيب للتفاوض ظناً منه أنه في إسرائيل توجد أسرار، وذلك لإقناع قبيلة بني إسرائيل أن تتحرك لإنقاذه، لأن المثل العربي الرسمي يقول 'أنا وبني إسرائيل على شعبي وأنا وشعبي لن نلتقي إلا في حمامات الدم'.
لا أحد يفهم لماذا يهين ملك ملوك أفريقيا نفسه ويطلب دعم قبيلة القينقاع علماً أنه قبل أيام قليلة هدد قبائل الساركوز والبيرلسكون بنقل ساح الوغى إلى مسارحهم وميادينهم وموانئهم وتخريب ديارهم، فما دام أنه قادر على هذا فما حاجته لإذلال نفسه بهذا الشكل الذي يأباه حتى علي عبد الله الصالح!
ولكن وبما أن نفس العقيد عزيزة جداً ويرفض التفاوض حتى مع شعبه فأغلب الظن أنه لم يرد سوى معاندة القبائل العربية التي رفضت مبايعته خليفة للفاتحين وتصر على أنه كاتب قصة فاشل، وربما أن أكثر ما يحز في نفسه أن الكتاب الأخضر لن يدرّس في الثانوية العامة في المدارس العربية، ولا حتى في مدارس العرب الفلسطينيين في إسرائيل الذين يتشاطر عليهم كل من له أو لها علاقة من تحت أو من فوق الطاولة بمسؤول في وزارة المعارف الإسرائيلية، من الصعب على العقيد أن يستوعب بعد كل هذا التهريج المديد أنه لن يدخل تاريخ الفلسفة إلى جانب كانت وإنغلز وفيورباخ وشبينوزا وسقراط وبليك وهيوم وابن رشد وغيرهم وهذا أخطر إنجازات الربيع العربي، كذلك أصبح شبه مؤكد أن مجده ككاتب قصة قصيرة يمضي إلى زوال مع أفول نور دنانيره، اللهم إلا إذا قرر أن يصدر كتابا عن أيامه الأخيرة في السلطة، فقد يكون أجمل ما يختم به حياته الأدبية طبعا بمساعدة صديق.
السؤال الذي يسأله أي تاجر مبتدئ هو ماذا لدى تاجر القومية القذافية يهديه للإسرائيليين كي يغريهم بمحاولة إحياء عظامه وهي رميم، وكما قال ناظم الغزالي..أي شيء في الربيع العربي أهدي إليك يا ملاكي...أبترولاً أم غازاً...أتطبيعاً أم خيانة وكل شيء لديك!هل سيقول إنه مستعد أن يساند قانون الكنيست الجديد ويضع أمامه على منصة في الساحة الخضراء زجاجات مياه معدنية مسروقة من الضفة الغربية ومعبأة في المستوطنات، وأن يتناول موالح ومعلبات من البضائع الاستيطانية وأن يرسل وفداً أكاديمياً للتعاون مع كلية مستوطنة أريئيل في المناطق المحتلة عام 1967! لا أقول طز فهذا أمر فظيع لا يستهان به إذا فعله!ولكن مشكلة العقيد أن بني نضير وقينقاع تجار مهرة ويدركون أن صلاحية العقيد انتهت للاستهلاك البشري، من المؤكد أن تجار السلاح الإسرائيليين يستغلونه ويبيعونه السلاح بأثمان خرافية، وهذا حقهم لأن سلاحهم مشهود له بالجودة، ولكن بعكس التوجه المستهتر تجاه المستهلك الخارجي توجد لدى المؤسسة رقابة مشددة لحماية المستهلك الإسرائيلي، والأخ الذي ينكر أنه رئيس أو حتى مسؤول قد يسبب إسهالا أو وجع بطن أو حتى غثياناً لمن يستعمله، فهو مادة انتهى تاريخ تسويقها، و(قينقاع والنضير والكنيست) تعرف وترى الموجة الصاعدة وتحاول القفز عليها...وتعرف متى وكيف تؤكل الكتف دون تسبب بتسمم معدة...