بقلم : د. مهند العزاوي* ... 18.03.2011
الأهداف الإستراتيجية لغزو العراق
خداع وتضليل استراتيجي منظم
حشود العدوان الانكلوامريكي
سرقة أصول الدولة العراقية
الإبادة البشرية وحرب التغيير الدموغرافي
كلفة تدمير العراق 73 تريلون دولار
يتذكر العراقيين هذا الشهر الذكرى التاسعة للعدوان على العراق, وقد تعرض فيها العراق لأبشع هجمة تترية قادتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وشركائها من الدول الإقليمية والعربية, بلا سند قانوني أو شرعي أو احتكاك عسكري يذكر , منتهكة بذلك القانون الدولي والشرعية الدولية, وتقف محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية عاجزة عن محاكة مجرمي الحرب "بوش , تشيني , رامسفيلد , رايس , وولفيتز, ,بولتن, بلير..وغيرهم ممن أسهموا بتدمير العراق , وتضليل الرأي العام بمعلومات مفبركة ومزيفة عن زعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل يمكنه استخدامها خلال 45 دقيقة وعلاقة العراق بأحدث 11 أيلول, وبذلك جرى تمرير اكبر جريمة حرب عرفها التاريخ.
أضحى العراق بعد غزوه نيسان 2003مسرحا للفوضى الدموية والصدمات المتكررة للشعب العراقي, وقد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية , أبرزها القتل خارج القانون والاعتقال والتغييب القسري والتعذيب والإعدامات والتهجير الطائفي[1],وقد أسهمت قوات الاحتلال بتوسيع ظاهرة المليشيات الطائفية[2] وزجها في اجتياح المدن والمناطق بشكل واسع ومنظم, وقد أشاعت الفوضى والقتل وسفك الدماء دون مبرر , كتكتيك حربي أمريكي إيراني وفق فلسفة "الصدمة", ولوحظ تغير ديموغرافية العاصمة بغداد وفق مخطط طائفي وافد, و تفكيك الدولة العراقية وبيع أصولها وتجريف قدراتها من قبل الحاكم المدني "بول برايمر",وكان قد حل مؤسسات الدولة والقوات المسلحة وعطل أكثر من 3000مصنع حكومي و4000شركة حكومية .
شهد العالم تواطؤ المجتمع الدولي ومجلس الأمن مع العدوان وعبر القرارات 1483-1511 الذي يشرع الاحتلال الأمريكي, ,وقد اصدر الحاكم المدني القرار 97 للاعتراف بالأدوات السياسية الوافدة كمسميات سياسية حاكمة تشكل واجهة سياسية للاحتلال وهو "نظام حاجة" وبمفهوم "الحكومات الفارغة" الذي يخضع لعقيدة "ميلتين فريدمان",وذلك لتمرير اتفاقيات الوجود العسكري وتحرير العقود التي أسهمت بنهب العراق, وقد اعتنقت الطبقة السياسية الحالية عقيدة بوش التي تقسم الشعب العرقي إلى دويلات الطوائف وأمراء المليشيات , وتعتنق الحكومة ومليشياتها عقيدة "الإرهاب السياسي" من خلال طوئفة القوات الأمنية[3] , خصوصا بعد ان أثبتت التقارير الدولية لمنظمات حقوق الإنسان انتهاكات حقوق الإنسان .
الأهداف الإستراتيجية لغزو العراق
ورثت الولايات المتحدة الأمريكية صهوة القوة بعد تفكك المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي, بعد ان اجتازت أربع ثورات أساسية هي - مكننة الحرب وتوسيع قدرات نقل الذخائر وتطويرها- الهيمنة الكاملة على الميدان النووي ورسم أبعاد انتشاره-السيطرة على الفضاء وعسكرته - ثورة المعلومات وتوظيفها عسكريا,وبهذا التكامل للقدرة العسكرية الأمريكية انطلق رموز الإدارة الأمريكية السابقة لانتهاز الفراغ الدولي لخصخصة الحرب, وتفعيل نظرية "صموئيل هنغتون"[4] , وقد وظفت القدرة العسكرية الأمريكية لتحقيق رغبات الشركات القابضة الأمريكية , مما يؤكد أن الحرب ضد العراق صفقة تجارية لرؤوس الأموال الأمريكية الحاكمة الجشعة, دون الآخذ بنظر الاعتبار أن المضاعفات الإستراتيجية لهذا الفعل , وما تخلفه هذه الحروب من كوارث إنسانية , وانعكاساتها على النظام الرسمي الدولي مع سيادة شريعة الغاب, والتي جعلت من النظام الرسمي الدولي فاقدا مشروعيته وقدراته, ونستطيع أن نوجز الأهداف الإستراتيجية لغزو واحتلال العراق هي :-
1. الهيمنة على الثروات الإستراتيجية الطبيعية في العراق وأبرزها النفط والغاز (احتكار, تصنيع, نقل, تسعير , تسويق)[5] إضافة إلى الموارد الزراعية والصناعية.
2. أكمال إستراتيجية التواجد العسكري الأمريكي في العراق والمنطقة, وإغلاق الوطن العربي عسكريا عبر شبكة القواعد والتسهيلات العسكرية , وجعل العراق إحدى القواعد اللوجستية ضمن دول التقاطع الاستراتيجي لفرض الهيمنة السياسية [6].
3. تطبيق مشروع "الشرق الأوسط الكبير" وتقسيم الوطن العربي من 22دولة الى56 دولة, ولبننه الدول وإلغاء مفهوم الوطن والأمة والنظام , وإذكاء الاحتراب بين الطوائف والأحزاب والمكونات, ضمن نظرية الحرب الديموغرافية, ونشهدها في بقع مختلفة من العالم العربي .
4. الدعم الكامل للحليف الاستراتيجي الأوحد للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة (الكيان الصهيوني) , وذلك بإخراج القدرة الصلبة العربية , وعلى رأسها العراق[7] وذلك بتجريف قدرة العراق العسكرية التي تشكل احد عناصر القدرة العربية الشاملة(القدرة الصلبة) تمهيدا لملئ الفراغ الإقليمي من قبل إطراق المعادلة الإقليمية( إيران - إسرائيل) ويفقد العرب بذلك عنصر التوازن العربي في المعادلة.
5. إلغاء هوية العراق العربية والإسلامية وتقسيم العراق إلى دويلات طائفية وعرقية[8]و تدمير وتمزيق النسيج الاجتماعي العراقي وتحويل الشعب العراق إلى طوائف وأعراق واثنيات متنازعة وفق عقيدة بوش التي قسمت العراقيين قبل الغزو إلى شيعة سنة أكراد وتركمان وكلدانيين وآشوريين..الخ .
خداع وتضليل استراتيجي منظم
مارست الإدارة الأمريكية السابقة اكبر عملية خداع وتضليل استراتيجي عرفها التاريخ[9], حيث استخدمت الحرب الإعلامية ومؤسسات العلاقات العامة بكامل قدراتها, لتسويق العدوان على العراق, وشهدنا استخدام الخداع والتضليل[10] والتلاعب[11] والتأثير وتزييف الحقائق والتقارير وإيهام الرأي العام الأمريكي والعالمي حول العراق بمحوري أسلحة الدمار الشامل وعلاقة العراق بأحداث 11 أيلول 2001, وكانت غالبية المؤسسات ووسائل الإعلام الأمريكية والغربية وعدد من وسائل الإعلام العربية الملحقة بالمشروع الأمريكي قد انتهجت الخيار الأحادي لمشروع العدوان الانكلوامريكي ضمن برنامج الدعاية الموجهة ضد العراق, ذكرت الـ "واشنطن بوسط" أن البيت الأبيض أنٍشأ ( مكتب الاتصالات العالمية) وذكرت" التايمز اللندنية" بان مكتب الاتصالات العالمية سينفق200مليون دولار في(هجوم علاقات عامة كاسح موجه نحو الجمهور الأمريكي والأجنبي,خصوصا في الدول العربية المتشككة من السياسة الأمريكية في المنطقة, وتعمل الحملة على استخدام تقنيات الإعلام في إقناع المجموعات المهمة المستهدفة لدعم العدوان).
تعتبر وزارة الخارجية الأمريكية الدعاية دبلوماسية عامة ومكلفة بمعالجة الأزمات والحروب ومخاطبة الرأي العام وإقناعه أو تضليله وابرز تلك الدوائر هي:-
أ. مركز التحالف الإعلامي: تأسس عام2001باشراف "كارين هيوغز" مستشارة "بوش" و"اليسير كمبل" المستشار الإعلامي السابق ل"طوني بلير" وهو من خبراء التلاعب الإعلامي.
ب. مكتب الخطط الخاصة( مكتب الدسيسة): بأشراف نائب وزير الدفاع "بول وولفيتز" ويديره "أبرام شولسكي" واستعمل للتلاعب بالمعلومات بهدف تضخيم التهديد التي تمثله أسلحة الدمار الشامل في العراق وللمكتب علاقات وثيقة مع جهاز الموساد الإسرائيلي.
ج. منظمة "اللجنة من أجل تحرير العراق" تأسست في تشرين الثاني2002 كلف بإدارتها مستشار سابق ل رامسفيلد(راندي شينمان)وأخذت على عاتقها إن تبيع علنا منطق الإدارة الأمريكية في خوض الحرب .
د.مكتب التأثير الإستراتيجي: الذي تأسس عام2002واسسه وزير الدفاع السابق "دونالد رامسفيلد" بهدف رسمي معلن هو استمالة العالم العربي وشن حملات التظليل والتلاعب وقد أغلق هذا المكتب في شباط2003 اثر كشف "نيويورك تايمز" عن حقيقة مهامه وأساليبه في التعامل مع الصحافة الدولية وما أثاره ذلك من احتجاجات في أوساط معتدلة كثيرة
هـ. مكتب الدبلوماسية العامة: ترأسه "شارل بيرز" وهو أشهر وابرز شخصيات الصف الأول في عالم الدعاية بأمريكا.
و.مكتب الاتصال الكلي: الذي تأسس عام2003 وكلف بتنسيق الرسائل الأمريكية الموجهة إلى الرأي العام الأمريكي.
ز. مجموعة "رندون" في واشنطن من اكبر شركات الدعاية والعلاقات الدولية العامة وقد أسست المجلس الوطني العراقي في ظل الاحتلال.
حشود العدوان الانكلوامريكي
أنهت القوات الأمريكية استعداداتها النهائية للحرب, وفق الدلائل النهائية في مسرح العمليات وساحة المعركة, فشلت جميع المحاولات والطرق والوسائل لتفادي هذه الحرب, خضع العراق لحملات حربية أمريكية متعاقبة 1998, 1996.1993,1992, تناول الإعلام الأمريكي قبيل الغزو القاموس الإعلامي لدعاية الحرب, الحرب المحتملة على العراق, حرب تحرير العراق,حرب تحرير الشعب العراقي[12],حرب الخير ضد الشر, ثم تغيرت الصيغة الإعلامية إلى الحرب الوشيكة على العراق .
حشدت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 300الف مقاتل - ألف دبابة وعجلة قتال مدرعة- ثلاثة آلاف أليه عسكريه-1200 طائرة قتال وإسناد-عدد من المدمرات وحاملات الطائرات والبوارج الحربية- عشرات السفن الحربية الأخرى- مئات سفن الإسناد والنقل- شركات الخدمات العسكرية الخاصة( المرتزقة), قوات إسرائيلية, كوماندوز في غرب العراق-وحدات برية في الكويت,القوة الجوية[13].
كان توزيع القوات- المركز الرئيس لقيادة المنطقة الوسطى في قاعدة السليلة بقطر - المركز الجنوبي في قاعدة السالم الجوية في الكويت- مركز القيادة الجوية في السعودية- مركز القيادة البحرية في قاعدة أرمادا البحرية في مملكة البحرين- قاعدة الزرقاء والعقبة في الأردن, أما الأسلحة في الخليج أكثر من155قطعه بحرية أمريكية وأجنبية أخرى, في طور التعزيز الانسيابي 100قطعه منها أمريكية وضمنها خمس حاملات طائرات, لكل منها طاقم حماية متكامل القدرات وهي(ترومان, روزفلت, لنكولن, كونستلاش كيتي هوك)مع حاملتي الطائرات البريطانية(أوشن وأرك, رويال), تحملان الطائرات نوع هرير ذات الإقلاع العمودي, وكذلك طرادات تحمل أكثر من2030صاروخ جوال توما هوك وأكثر من600صاروخ هاربون ضد الدفاعات الجوية, والطائرات المقاتلة مع الطائرات المحمولة على حاملات الطائرات تبلغ أكثر من995طائره من أحدث الطائرات وهي احتياط استراتيجي جاهز للمعركة ومنها بي1, بي2, بي52, الشبح اف117, اف18-16-15-14التورنيدو, الهرير, أي10, عدد كبير من طائرات الهليكوبتر ولأباتشي, طائرات النقل الشينوك, بلاك هوك, اوكستابل, سيكور سكي وطائرات التجسس بلاك بيرد, إضافة إلى طائرات الاواكس والتوسي والطائرات المسيرة بدون طيار, حاملة الطائرات وبرفقتها قطع بحرية، إضافة إلى حاملة الطائرات " USS Dwight D Eisenhower" أيزنهاور, الأسطول السادس والخامس البحرية الأمريكية, جميع هذه الحشود يوصفها القانون الدولي بإرهاب القوة – استخدام القوة اللاشرعي, وقد قصف الشعب العراقي بـ 800 صاروخ أطلقت خلال يوم تحت يافطة تحرير العراق, وانتهت باحتلال العراق وتفكيك دولته وتمزيق شعبه وتجويعه, وفتح أبواب النفوذ الإيراني من أوسع أبوابه , وكانت إيران بمثابة المساهم الإقليمي لغزو العراق وأفغانستان وحسب تصريحات المسئولين الإيرانيين .
سرقة أصول الدولة العراقية
جرى نهب منظم لثروات العراق من قبل رموز الإدارة الأمريكية السابقة, وأدواتها السياسية وزعانفها من المتعهدين السياسيين والأمنيين, وعبر الأدوات السياسية من ذوي الأصول العراقية , وشارك بمحفل النهب والاحتيال الحر الدول الإقليمية الطامعة , وقد حرصت على تطبيق القضم الجيوبوليتكي للعراق, وتجريف اقتصاده وقدراته العسكرية , والتي تلقي بظلالها على الأمن القومي العربي الذي فقد تماما, وموازين القوى والسلم والأمن الدولي, وكان " بول برايمر" السيئ الصيت قد اصدر في أيلول 2003 قوانين تحظر فرض العديد من التعريفات الكمركية, وتضع سقفا لضريبة الشركات , وضريبة الدخل لا يتعدى 15%, وقد باشر في خصخصة الصناعات المملوكة للدولة العراقية , مع أن اتفاقية "لاهاي" لعام 1907 حول الأنظمة المتعلقة بقوانين الحرب وأعرافها حيال الأرض, تمنع المحتل من بيع أصول وموجدات البلاد المحتلة, وكانت خطة الخصخصة هذه جزء من معزوفة إدارة بوش منذ البداية, ويشير "راجيف شاندر اسكاران"[14] من صحيفة "واشنطن بوسط" حادثة تباهى فيها "توماس فولي" المانح الجمهوري المعين في أب 2003 رئيس لجنة تطوير القطاع الخاص في العراق "بأنه سوف يخصخص جميع المشاريع التي تملكها الدولة العراقية في غضون شهر" وعندما قيل له بان ذلك مخالف للقانون الدولي رد فولي قائلا ( لا آبه لشيء من هذا القبيل أنني لا أقيم وزناً للقانون الدولي فقط تعهدت للرئيس بان اخصص مشاريع الأعمال في العراق)؟؟؟.
الإبادة البشرية وحرب التغيير الدموغرافي
خضع العراق لأبشع إبادة بشرية وثقافية قادتها أمريكا وإسرائيل وإيران, وذلك من خلال قتل العلماء والاكادميين والمهندسين والأطباء والضباط وتهجير عوائلهم, وجرى تمزيق غالبية الطبقة الوسطى لملئ الفراغ من قبل الشركات ودوائر المخابرات الأجنبية, واتساقا بمنهج الخصخصة الرأسمالية للشركات , وجرى تفكيك النسيج الاجتماعي العراقي لأغراض حربية مخابراتية لتحقيق الأمن السياسي لقوات الاحتلال في العراق , وكذلك حملات التصفيات الجسدية المنظمة وفق الأجندات الإقليمية, وجميع الضحايا يخضعون أيضا لمعايير الحياة المهدورة وقيمة النجاة بها من الهلاك(VSL), ويصعب تقدير الرقم خصوصا أن أعداد المهجرين ضمن حرب التغيير الدموغرافي بلغت 6,8 مليون عراقي وفق إحصائيات الأمم المتحدة, أي أن كل 1 من 7عراقيين اقتلعوا من منازلهم عنوة, وتعد هذه أضخم وأبشع هجرة لشعب في الشرق الأوسط بعد تهجير الشعب الفلسطيني عام 1948 من قبل العصابات الصهيونية, وغالبية المهجرين شيوخ ونساء وأطفال, وقد صنفتهم مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة كضحايا الإرهاب السياسي والتعذيب الجسدي والعنف الجنسي والجنوسي وبطش المليشيات الطائفية والقوات الحكومية[15],.
يلاحظ انهيار النظام الرسمي الدولي ومؤسساته أمام إرهاب القوة والإرهاب السياسي, خصوصا أذا علمنا أن مرتكبي تلك الإبادة والمجازر والجرائم لم يتم مسائلتهم وفق معايير القانون الجنائي الدولي والقانون العراقي, ونجد القتلة في أعلى هرم السلطة وأروقتها السياسية ويتمتعون بحصانة قانونية من قوات الاحتلال الأمريكي ودوائره السياسية.
كلفة تدمير العراق 73 تريلون دولار
أهدرت أدارة الاحتلال الأمريكي ما يقارب تريليون دولار من مداخل العراق من النفط والضرائب والاستدانة والهبات المانحة على تجارة الأمن والسجون بعد تعزيز العوامل المغذية لصناعة الإرهاب , ولم ترتقي السلطة في أدائها الداخلي والخارجي إلى 15% مما كانت عليه مؤسسات الدولة قبل الغزو في ظل اكتشاف 8000 وثيقة جامعية مزورة مؤخرا, ولو عاملنا ستة سنوات عمر تشكيل الدولة الحالية مع المدة التراكمية لبناء الدولة العراقية منذ تشكيلها عام 1923حتى العدوان على العراق عام 2003 , والذي يبلغ 80 عام مع فرق الأداء للمؤسسات التي أسستها أمريكا بعد الغزو,مع 13 فترة زمنية تراكمية قياسا بفترة التشكيل الحالية , وإذا ما قيس فرق مستوى الأداء نخرج بمقدار 4 أضعاف عندما كانت الدولة العراقية تعمل بكفاءة 60% , ونجد حاصل ضرب التكلفة الترليونية مع الحقبة الزمنية للأعداد ومستوى كفاءة الدولة قبل الغزو نحصل على رقم الخسائر التخميني التالي ترليون1 × 4 نسبة الكفاءة× 13حقب زمنية تراكمية لبناء الدولة =52 ترليون دولار[16] وتلك الكلفة التخمينية لتدمير الدولة العراقية.
يقدر عدد الضحايا العراقيين من جراء الحرب وأثارها الجانبية بمقدار مليوني عراقي حتى هذا اليوم[17] نظرا لانتشار القتل خارج القانون والتطهير الطائفي والاستهداف الأجنبي والإقليمي للبنى التحتية الاجتماعية العراقية, ولو تعاملنا مع معايير القاعدة الاقتصادية للحياة المهدورة وقيمة النجاة بها من الهلاك(VSL) وفق المعايير الأمريكية فأنها حتى عام 2004 تقدر بـ6,2 مليون دولار وفي عام 2007 تقدر بـ 7,2 مليون دولار ومع التضخم والأزمات الاقتصادية فأنها بحساب اليوم 8,2 مليون دولار وعند معاملة التعويض الاقتصادي[18] مع مليوني عراقي قضوا من جراء الغزو الأمريكي على العراق[19] نجد أن قيمة الحياة البشرية المهدورة تبلغ وفق هذا المعيار بـ 16 تريليون و400 مليون دولار كحد أدنى.
هناك أكثر من 500 ألف مغيب قسرا في عداد القتلى لعدم ظهور دلائل الحياة ومضي سنين على فقدانهم وفق ظواهر الجثث المنزوعة الهوية التي خلفها سلوك الأحزاب الطائفية ومليشياتها وعدد من القوات الحكومية التي تقتل خارج القانون إضافة إلى مقاولات الدفن الحكومي الجماعي دون حضور أهالي الضحايا , وبلغ معدل الاختفاء والخطف من 40-60 يوميا والعديد منهم يلقى مصير الضحية المعهود (القتل) وعند التعامل مع قاعدة الحياة المهدورة وفق المعايير الاقتصادية الأمريكية فستكون قيمة الحياة المهدورة للمغيبين 5 تريليون و450 مليون دولار.
أن العدوان الأمريكي على العراق جريمة حرب كبرى , فككت دولة العراق وألغت كيانه ومزقت مجتمعه وشعبه, وقد حطمت البنى التحتية السياسية والاقتصادية العسكرية والمؤسساتية العراقية, وبلغت كلفة تدمير العراق المالية أكثر من 73 تريليون دولار كتقدير تخميني أولي للخسائر , اليوم وبعد ثماني سنوات من الاحتلال , تبرز حجم الإبادة البشرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ارتكبتها الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها بحق العراق, ولا يزال مجرمي الحرب طلقاء دون محاكمة دولية , وتلك الجرائم لا تسقط بالتقادم الزمني, وفقا للقانون الدولي لأنها جرائم ضد الإنسانية وجريمة حرب كبرى.
الهوامش:
[1] . حيث بلغت حتى نهاية عام2007 أكثر من 4,6مليون عراقي خارج العراق2,2مليون نازح داخل العراق مسج أجرته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة"UNHCR"
[2] . أصدر معهد دراسات الحرب في واشنطن، الذي يُعنى بتقديم تحليلات عسكرية للسياسيين والقادة المدنيين، عدداً من الدراسات والتقارير عن «المليشيات والمجاميع الخاصة» في العراق منذ بدء الغزو. وتتقاطع التقارير في «اتهام» طهران والحرس الثوري بدعم هذه المجموعات، إلا أن التفصيل في هيكلية التنظيمية يشهد الكثير من التناقض والتضارب بسبب التداخل الناجم عن توزعها وتعاونها
[3] . دراسة المفتش العام لإعادة أعمار العراق لتقييم الطريقة التي تستخدمها قوات الولايات المتحدة في العراق في تطبيق برنامجها الذي يهدف إلى تشكيل قوة المهام الخاصة في العراق 004-SIGIR 11- في 25 تشرين الأول أكتوبر 2010, ويشير فيها إلى أن هذه القوات تشكلت بأمر وزارة الدفاع الأمريكية عام 2003 , وتحت مسمى قوات مكافحة الإرهاب العراقية, وف عام 2006 انتقلت السيطرة التنفيذية إلى الحكومة وسميت منظمة قوات العمليات الخاصة في العراق ويشرف عليها الأمريكان, طبيعة تكوين هذه القوة بوحدات ذات طابع طائفي تركز عملياتها في مناطق الانبار وديالى والموصل وبغداد والبصرة.
[4] . أجندة "لجنة الخطر الداهم" ــ حسب مراقبين ــ ما أشار إليه (ليندون لاروش) المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة الذي يرأس "لجنة لاروش" للعمل السياسي. ففي مذكرة إستراتيجية كتبها، يقول لاروش"إن هدفهم هو ليس إخضاع مناطق معينة سياسيا كمستعمرات، بل إزالة جميع المعوقات التي تقف في طريق النهب الحر للكوكب (الأرض) ككل". إن نيتهم هي ليست فتح أراضي جديدة، بل تحقيق إزالة كل بقايا السيادة القومية وتقليص عدد سكان العالم من البشر إلى أقل من مليار نسمة؟؟
[5] . قال "توماس فريدمان" في مقالة عام2003 نشرته "هيرالد تريبون" قال فيها ((أن النفط هو احد أسباب, الإعداد للحرب ضد العراق وإذا حاول إي شخص أن يقنعنا بغير ذلك فانه قطعا لا يحترم عقولنا)), تشير دراسات أعدتها "هيرالد تريبون" (6)إلى أن أخر برميل نفط في العالم ستكون في العراق, الذي يملك122مليار برميل كاحتياط نفطي يمثل 15%من احتياط نفط العالم, فيما نشرت دراسات أمريكية أخرى صادرة عن "إدارة معلومات الطاقة الأمريكية",أن احتياط النفط العراقي أكثر من200مليار برميل والكثير من حقول النفط لم تستغل حتى الآن وعدد الحقول المستغلة بسيطة جدا بالمقارنة مع الاحتياط النفطي للولايات المتحدة وكندا وبعد عشر سنوات معدودة, وفي العراق يتجاوز100 عام علاوة على كلفة استخراج برميل النفط في العراق اقل بكثير عن بقية الدول المنتجة للنفط في العالم, وتصل كلفه الاستخراج في العراق إلى 95سنت
[6] . يشير تقرير (إعادة بناء السياسة الدفاعية الأمريكية, الإستراتيجيات والقوات والمصادر للقرن الجديد), نشر عام2000 ضرورة السيطرة على المساحات الدولية المشتركة في الفضاء ومنها فضاء الاتصالات وتمهد الطريق لخلق وحدات عسكرية جديدة/القوات الفضائية الأمريكية التي ستتكون مهمتها السيطرة على الفضاء وان سلاح الفرسان الأمريكي يجب إن يصبح جيش احتلال دائم في الشرق الأوسط كما أوصى التقرير بتأسيس قواعد عسكرية أمريكية دائمة في الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم ويجب إن يكون جنودنا هناك بحيث يمكننا السيطرة على نفطهم.
[7] . تحت عنوان "كسر نظيف" تم صياغة وثيقة في العام 1996، على يد مجموعة من مفكري المحافظين الجدد، تضمنت مشروعاً استعمارياً واسعاً للشرق الأوسط ، وقد هيئت من قبل فريق من الخبراء جمعهم ريتشارد بيرل ثم أعطيت لبنيامين نتنياهو, وباختصار فإنها تمثل أفكار وأطروحات الصهيوني فلاديمير جابوتينسكي، إذ دعت الوثيقة إلى إلغاء اتفاقيات أوسلو للسلام، والقضاء على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وضم الأراضي الفلسطينية، إلى جانب الإطاحة بصدام حسين, وزعزعة استقرار سوريا ولبنان في سلسلة من الأحداث. وتفكيك العراق وإقامة دولة فلسطينية على أراضيه. واستخدام إسرائيل كقاعدة تكميلية لبرنامج حرب النجوم الأمريكي
[8] . عام 2000خطة أمريكية إسرائيلية تم وضع تفاصيلها وتسربت إلى الإتحاد الأوربي تهدف إلى تغيير الخارطة السياسية والحدودية في منطقة الشرق الوسط وإزالة دولة العراق من الكيان العربي.
[9] . سيمور هيرش في ذانيوريوركر في 31-3-2003----- هذه الحرب حطمت أكثر من أي حرب أخرى كل الأرقام القياسية بالأكاذيب واللصوصية الأدبية والتزوير والتضليل, ان فبركة الوثائق المزورة وتوجيه لاتهامات المزيفة شكلت أحدى القواعد الأساسية للسياسة الأمريكية والبريطانية بخصوص العراق وعلى الأقل منذ عام 1997.
[10] . يعرف التضليل الإعلامي:- ((هو نشر وبث المعلومات والأفكار المغلوطة عن عمد وعن سابق تصور وتصميم)) وفي تعريف أخر ((خلق واقع مزيف ومغلوط ومقنع بما فيه الكفاية وذلك بهدف إيقاع الخصم في الخطأ بينما هو يفكر بشكل صحيح
[11] . يعرف التلاعب حسب" لا روس"((هو مناورة تهدف إلى الخداع هو الاحتيال المتخفي هو الحيلة والتمويه))
[12] . السيناتور "روبرت بيرد" إذا كان ثمة ما يجعلني ازداد غضبا فهو أني اسمعهم يغردون صباحا ومساء بأننا "محررين" ولا يبدو ان الوقائع تدافع عن هذه الصفقة التي انتجناها علنا, ومن يقول تحرير يعني حرية وتقرير المصير وحياة أفضل لعامة الناس, وإذ كان الوضع القائم بالعراق هو نتيجة تحرير ربما نكون قد أعدنا قضية الحرية 200 سنة إلى الوراء, حيث يجري توزيع العقود المربحة بغية أعادة الأعمار وإعادة تشغيل صناعته النفطية للمقربين من الإدارة من دون حاجة إلى المرور عبر تقديم العروض, وهل نستغرب ان يتساءل العالم بأسره حول الدوافع الحقيقية للحكومة الأمريكية, وان يتحدى هذه الحكومة؟ ان الجناب الأكثر ضرر يكمن من دون شك في ان الولايات المتحدة تصد رغبة العراق بالاستقلال السياسي, حيث لا يمكن جعل الشعب يبلغ الديموقراطية والحرية تحت تهديد سلاح المحتل, والتفكير عكس ذلك هو الجنون بعينه, وبذلك قد نكون افقدنا الشرق الأوسط توازنه, هذه المنطقة التي لم نفهمها بالفعل على الإطلاق.
[13] . وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير نشرته في9/2/2003نقلا عن نشرة (بترو استراتيجي).
[14] . راجيف شاندر اسكاران, مؤلف "حياة الإمبراطورية في مدينة الزمرد" وجاء فيه النص المذكور.
[15] . انظر جوزيف ستيغلتز &ليندا بلمز"حرب الثلاث ترليونات دولار" دار الكتاب العربي, بيروت,ط1, 2009 ص180
[16] . طريقة حسابية واقعية لأعداد الدولة التراكمي وحجم الخسائر التي لحق بالعراق وحجم الأنفاق المهدور.الكاتب
[17] . دراسة أعدها باحثون في جامعة "جونز هوبكنز" اتبعت طرائق منهجية وعلمية لمقارنة الوفيات قبل الحرب وبعدها, وبذلت قصارى جهدها للتأكد من الوفيات قد حدثت فعلا, وقد أحصت الدراسة الزيادة في عدد الضحايا حتى شهر تموز/ يوليو 2006 بـ 654,965 شخصا إلى هامش 942,636 مع هامش ثقة 95% وتشير الدراسة منذ ذلك الحين ووتيرة القتل بتزايد مطرد وكما أن الجرحى ضعف عدد القتلى وتخلص الدراسة إلى الجردة الإجمالية لن تقل بأية حال عن المليونين شخصا حتى عام 2010.
[18] . التعويض الاقتصادي بهذا الرقم وعند القتل ظلما يصل التعويض إلى 50-60 مليون دولار في أمريكا
[19] .وضع معهد بروكينغز في بيان له (المؤشر العراقي) مقياس لحجم الضحايا العراقيين رغم التحفظ والحذر كتحديد سياسي وعند بلغ القتل الطائفي ذروته في عام 2007 فقد أعلن الباحثون أن منذ عام 2006 التطهير الطائفي الشامل لم يعد هناك تفريق بين أعمال الحرب وأعمال الجريمة وبلغ عدد القتلى المسجلين رسميا أكثر من 100 قتيل يوميا خلال عام 2006 وفي مطلع عام 2007 دخلت السجلات فئة جديدة من عمليات القتل والمسماة" القتل خارج سلطة القضاء"-الموت دون محاكمة وبلغت 5,150 عملية في الشهور السبع الأولى من عام 2007و ويضاف أليهم الجردة المروعة من الذين قضوا بالأمراض والأوبئة ومنها الكوليرا التي لم تكتم وجودة بالعراق , وكذلك من جراء تدمير اقتصاد العراق وغياب برامج الإغاثة والإعانة الشامل, وكذلك سوء التغذية وقلة المناعة من المرض وكذلك عدم توفر المياه النقية والطاقة الكهربائية والهجرة الجماعية للأطباء( لم يعد في العراق اليوم سوى اقل من نصف عدد الأطباء الذين كانوا يعملون قبل الغزو) انظر "جوزيف ستيغلتز &ليندا بلمز,"حرب الثلاث ترليونات دولار" دار الكتاب العربي, بيروت,ط1, 2009 نفسه ص184