بقلم : د.فيصل القاسم ... 07.08.2011
أي شعب يثق بوعود الحكام المحاصرين بالثورات لا يلوم إلا نفسه
• أكثر ما يسيء للحكام العرب المحاصرين بانتفاضات شعبية ليس فقط تعاملهم الفاشي والوحشي مع المحتجين، بل أيضا المتحدثون والمدافعون عن هؤلاء الزعماء في وسائل الإعلام وخاصة في الإنترنت، إذ يبدو أولئك المدافعون وكأنهم مجرد ثلة من الرداحين والبلطجية والسفهاء والساقطين، مما جعل أحدهم يعلق قائلاً: إذا أردت أن تكون تافهاً فما عليك إلا أن تتكلم باسم نظام عربي يترنح. ألم يجد الحكام غير أولئك السفلة للدفاع عنهم وتبييض سمعتهم؟ أم أنها طنجرة " ولاقت غطاها " ؟ الطيور على أشكالها تقع على كل حال.
• إذا أردت أن تعرف كيف يفكر الطغاة العرب المحاصرون بالثورات المباركة فما عليك إلا أن تشاهد وتستمع إلى اللهجة التي يتحدث بها مؤيدوهم والمنافحون عنهم على شاشات التلفزيون، فهي لهجة إرهابية تخوينية تكفيرية شوارعية ساقطة ضد كل المنتفضين الأحرار. وهذا المؤيد من ذاك الزعيم. ويحدثونك عن عالم عربي جديد. عيش يا كديش حتى يطلع الحشيش!
• إذا أردت أن تستشرف المستقبل بعد الثورات فيما لو بقي بعض الطغاة في مناصبهم فما عليك إلا أن تتابع وسائل إعلامهم الآن، فهي تنبؤ بمستقبل جهنمي، وكأنها مصابة بداء الكلب، بدليل أنها غاية في التطرف والتجييش والسقوط الأخلاقي والمهني والسياسي والتحريض والكذب والتلفيق والإرهاب. إن المكتوب يقرأ من عنوانه، فلو كان هناك نية صادقة للانتقال من عصر الطغيان إلى عصر المواطنة لكانت لغة وسائل إعلام الطغاة مختلفة ومتسامحة، لكنها مسعورة إلى أبعد الحدود. أجارنا الله من سعارها!
• أكبر دليل على أن الحكام المحاصرين بالثورات سينتقمون من الشعوب شر انتقام فيما لو بقوا في مناصبهم تلك اللهجة التي يتحدث بها أعوانهم وكلابهم عبر الإنترنت، فهم يمارسون أبشع أنواع البلطجة والسفاهة والإرهاب الإلكتروني بحق كل من ينبس ببنت شفة ضد الحكام. الرسالة تقرأ من عنوانها. وكان الله في عون الشعوب فيما لو فشلت ثوراتها. لا شك أنها ستترحم على قمع أيام زمان، فهو قمع خمس نجوم بالمقارنة مع القمع والإرهاب القادمين!
• وعود الحكام العرب المحاصرين بالثورات لشعوبهم: سنصدر مجموعة كبيرة من التشريعات والقوانين العصرية الجديدة في كل المجالات بشرط وحيد ألا تطبقوها. هذا ما يحصل فعلا. فما فائدة الإصلاحات الجديدة إذا كان البوليس وكلاب الصيد الأخرى تستطيع أن تعطلها دفعة واحدة لأتفه الأسباب؟ بالمناسبة كان الشاعر العراقي الراحل عبد الوهاب البياتي أول من أطلق لقب " كلاب الصيد " على أجهزة الأمن العربية.
• أي شعب يثق بوعود الحكام المحاصرين بالثورات لا يلوم إلا نفسه عندما يجد حاله لاحقا تحت النعال والبساطير الثقيلة. لا يثق بهؤلاء الطواغيت غير المغفلين.
• إذا لا سمح الله سامحت الشعوب من سامها سوء التعذيب والاضطهاد والقمع والسحق والمحق وتركته جاثماً فوق صدورها بعد كل جرائمه النازية بحقها، فهي يجب ألا تلوم إلا نفسها. لا أدري لماذا تردد الشعوب الحديث الشريف: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ثم تترك نفس الحاكم يلدغها ويقتلها المرة تلو الأخرى؟
• عجيب أمر بعض الحكام، فبدلا من أن يظهروا بأنهم حكام لكل فئات الشعب، يبدون وكأنهم قادة عصابات بدليل أنهم يحابون المؤيدين ويعادون المعارضين بطريقة مسعورة. أما في الدول التي تحترم نفسها فيؤكد الزعماء بأنهم في خدمة الجميع بمن فيهم الذين يعارضونهم والذين لم يصوتوا لهم. إن أول تصريح لرئيس الوزراء التركي بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة أنه رئيس وزراء كل الأتراك وليس فقط أتباع حزبه، أي على عكس الحكام العرب الذين يعتبرون معارضيهم مهلوسين وجرذان ومخربين ومندسين. وكم تعجبت عندما سمعت أن حاكماً عربياً وعد أبناء إحدى المناطق بنقل مشروعات اقتصادية كبيرة إلى منطقتهم من منطقة ثارت عليه بعد أن تهدأ الأمور، وذلك تكريماً للساكتين وانتقاماً من الثائرين. هل هذه عقلية رجال دولة أم رجال عصابات؟
• في الدول التي تحترم نفسها المعارضة جزء لا يتجزأ من النظام بموجب الدساتير، أما في بلادنا فما زالت المعارضة جريمة لا تغتفر.
• سيصبح الحكام العرب المترنحون تحت وقع الثورات والذين يعدون شعوبهم الثائرة بالمن والسلوى، سيصبحون مصلحين فقط عندما يتحول الذئب إلى نباتي (فجيتيريان). من المستحيل أن يتحول الوحش إلى حمل.
• لو كان الحكام المحاصرون بالثورات صادقين فعلاً في مسعاهم للنزول عند مطالب الشعوب لما لجأوا إلى أفظع الأساليب النازية والفاشية والهمجية والوحشية لقمع الانتفاضات الشعبية. من يصدق وعودهم وهم يبطشون وينكلون بالشعوب على الطريقة الهتلرية؟ المستقبل سيكون جهنمياً. أبشروا بمزيد من الفظائع التي يشيب لها الولدان بحق الشعوب إذا فشلت الثورات. للعلم فقط فإن قمع الناس وقت السلم والتنكيل بهم سهل جدا في ظل غياب الاحتجاج الشعبي.
• سمعت أن السلطات تلقي القبض على بعض قادة ومنظمي الثورة في مصر والتحقيق معهم. وهذا يحدث في بلد انتصرت فيه الثورة انتصاراً عظيماً، فما الذي سيحدث يا ترى في البلدان التي قد تفشل فيها الثورات لا سمح الله؟ لدينا عشرات الأمثلة من التاريخ الحديث على الوعود التي أطلقها بعض الحكام ثم حنثوا بها بعد أسابيع. وبالتالي من يصدق وعود الحكام الآن كمن يحفر قبره بيديه. والحمار فقط يسقط في نفس الحفرة مرتين. والثورة كالدراجة إذا توقفت سقطت كما يقول جيفارا.
• أصعب لحظات الديكتاتور عندما يضطر للاستجابة لبعض مطالب الجماهير.كان الله في عون طغاتنا وهم يتجرعون سم الإصلاح الاضطراري.