أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
لدينا نحن الفلسطينيين ما يكفينا!!

بقلم : رشاد أبوشاور  ... 17.08.2011

لدينا نحن الفلسطينيين ما يكفينا من الهموم، والمتاعب، والمشاكل، و..جدول الأعمال الوطني الثقيل الوطء، الذي لا نستطيع أن ننجزه وحدنا، وهو ما يستدعي، كما هو الأمر دائما، دعم ومساندة أهلنا في كل الأقطار العربيّة، الشعوب تحديدا، فهي التي تدعم فلسطين بنوايا صادقة، بطهارة، ونبل، ودون تفضل وتمنن، وحسابات ضيقة، كما هو الشأن مع الأنظمة.
من الدول العربيّة ذقنا ما يكفي، فعند كل خلاف حُملنا نحن ما هو فوق طاقتنا، ووزر ما لم يكن لنا به ذنب، أو صلة، ولكننا كنّا دائما في الموقع الأضعف بسبب الجغرافيا والحاجة، وسهولة الاستفراد ببعض شعبنا المشتت.
جرّب الفلسطيني كل السجون العربيّة، ولم يكن له ظهر، أو سند، وهو وإن تساوى في وقوع الظلم عليه من (الدول) وأجهزة بطشها، بالمواطن العربي الشقيق، فإنه، أي العربي الفلسطيني، نال عقابا يفوق (ابن البلد)، ومع التعذيب كان يسمع اللعنات والبهدلة لأنه يتدخل فيما لا يعنيه!
والحق أن الأمر يعنيه!
يعنيه أن يتغيّر الحال إلى أحسن حال، وأن ينتهي الظلم، والفساد، وتنتقل (الدولة) العربيّة الإقليمية من دولة فساد وظلم واستبداد وديكتاتورية وعائلية تتوارث إلى دولة حقيقية بمواصفات الدول التي يحكمها القانون، وكل ما يكفل حرية وكرامة المواطن، ويضمن التناوب على السلطة بصناديق الاقتراع، لأن هذا سينتقل بالدولة من (عصابة) إلى دولة وطن وشعب، دولة تنتمي لأمّة، وتتحسس حال الأمة، وهكذا تكون لبنة في جسد كبير ينتقل من حالة التردي والتفكك والتخلّف إلى دولة تزدهر سياسيا، واقتصاديا، وحضاريا، على طريق وحدة الأمّة التي لا خلاص لها، ولا تقدّم، ولا خروج من حالة التردي والتبعية، إلاّ بالوحدة.
أن تتمتع الشعوب العربيّة بالحرية والكرامة والسيادة، يعني أن تكون الدولة لها، في خدمتها، وأن تكون المواطنة امتيازا طبيعيا، لا تفضلاً من هذا الطاغية، أو ذاك، فهذا سيصب في هدف تحرير فلسطين، لأن دولاً ديمقراطية، دولاً لكّل مواطنيها، لا يمكن أن تكون إلاّ لفلسطين، ولنهضة الأمّة، وقوتها. وحريتها، وعزتها، وكرامتها.. جماعيا وفرديا.
نحن الفلسطينيين بالخبرة، وبالممارسة، وبالتجربة، وبمصلحة فلسطين التي تجمع ملايين العرب، وهو ما يتجاوز حدود (الدول) التي عمل حكامها على مدى العقود على تحويلها إلى أمم بديلة، نرى في تحرر أي قُطر عربي، خطوةً واسعةً باتجاه تحرير فلسطين، لأن الدولة المستبدة وقفت دائما حاجزا بين الشعب وبين فلسطين، وهي اختارت أن تتلطّى بالخارج، أي بعدو الأمّة، منذ الإمبراطورية البريطانية التي أفل نجمها، إلى وريثتها أمريكا التي وضعت كثيرا من دول ودويلات العرب تحت إبطها، وفي جيب (السفير) كما وصفها الشاعر الكبير خليل حاوي.
هنا أنتقل للتحذير، انطلاقا من الحرص على قضيتنا، ومصير شعبنا، وأحسب انه يهم كل عربي، فالزج بالفلسطينيين في الصراعات الداخلية، والألاعيب العربيّة الرسمية كلفتنا الكثير، والكثير جدا.
ها نحن في زمن الثورات والانتفاضات العربيّة التي نريدها عونا لفلسطين، نقف في موقع خطر، تحديدا في سورية.
نبهت إلى هذا عندما كتبت عمّا جرى في مخيّم اليرموك، الذي رأيت فيه محاولة لجّر الفلسطينيين، في أكبر تجمع لهم في سورية، لتوريطهم في الصراع الدائر في سورية.
الآن أعود للتنبيه والتحذير، لأن ما يحدث في سورية يدخل في مرحلة معقدة من الصراع، بعد أن دخلت دول الخليج بقيادة السعودية بشكل سافر، في ما هو أبعد من الحرب الدبلوماسية والسياسية على سورية، علما بأن هذه الدول التي سحبت سفراءها، هي نفسها التي قمعت بالدبابات انتفاضة شعب البحرين، وهذه الدول في الجوهر منحازة للطاغية علي عبد الله صالح وأبنائه وأزلامه ضد الشعب اليمني الصابر الشجاع، خشية أن تمتد نيران الثورة إلى السعودية، وتشعل كياناتها الهشّة.
يتناغم الموقف السعودي والخليجي مع التصعيد الأمريكي ضد سورية النظام، وأحسب أن أي شعب ثائر تبدي الإدارة الأمريكية حرصها على الوقوف معه، ودعم ثورته..ينبغي أن يتنبه، وتعيد قياداته حساباتها، لأنه لا يأتي خير من أمريكا التي هي سبب مصائبنا نحن العرب.
التجييش الطائفي لا يخفى في انحياز السعودية، وأتباعها، فالحرية والديمقراطية آخر ما يشغل بال حكم الأسرة السعودية التي تحرم النساء من قيادة السيارات، وتمنع الأحزاب، وتحارب التفكير في إنشاء النقابات للعمّال، وتعتبر الدولة مُلكية عائليّة وراثية!
عندما يتصل أوباما بالملك السعودي ليتدارس معه الأوضاع في سورية، فإن في الأمر ما (يُريب) ريبا كثيرا، وهذا ما يستدعي قراءة ما يحدث في سورية قراءة واعية عميقة، تفرّق بين دعم مطالب الشعب السوري، والتآمر على سورية كبلد، وجغرافيا، و..محاولة تحويلها إلى منطلق للثورة المضادة التي تلتف على الثورات العربيّة، وتعيد لبنان إلى طائفيته، وتبعيته، و..تنهي مقاومته الباسلة المظفرة التي عجز العدو عن تصفيتها!
لا يمكن الاطمئنان لمن يهتفون ضد حزب الله، والسيّد حسن نصر الله..لأن هتافاتهم طائفية، وهي لا تبشّر بالخير لسورية، وشعبها.
كما لا يمكن الوثوق بمن يرفضون الدولة المدنية..والذين يريدون أخذ سورية إلى نفس مأزق الثورة المصرية الخطر!
ولذا لا بدّ لنا نحن الفلسطينيين أن نتنبه، وننأى بأنفسنا عن هذه (اللعبة الكبرى)، فلا نكون جزءا منها، ووقودا لها، وهو ما سيكلفنا الكثير، وأكثر مما جرى لنا في الكويت والعراق من قبل!
قبل أيّام خرجت تظاهرة في مخيم حمص، وهو ثكنة عسكرية سابقة كانت تحمل اسم (ثكنة خالد بن الوليد)، والمخيم صغير الحجم، قليل السكان.. والتظاهرة ضمّت أقل من 50 شخصا..فلماذا هذه التظاهرة، ومن دبرها، وما الهدف منها؟!
دون استفاضة في التحليل: الهدف توريط الفلسطينيين في الصراع، فقمعهم من أجهزة الأمن السورية سيمنح من دبروها الفرصة للتلويح بالقميص الفلسطيني: انظروا ماذا يفعل النظام بالفلسطينيين!
دفاعا عن قضيتنا، وشعبنا نتساءل: ألا يكفي ما جرى لأهلنا في مخيّم (نهر البارد)..بسبب (فتح الإسلام)، وهو ما اتخذته حكومة (السنيورة) مبررا لتشريد الفلسطينيين، وهدم المخيّم؟!
في رام الله خرجت تظاهرة، قيل إنها تضم فنانين ومثقفين..فما هي المصلحة الفلسطينية في خروج تلك التظاهرة في رام الله؟!
أكل هؤلاء فنانون وفنانات؟ أين فنهم!
تظاهرة ضد نظام الحكم في سورية، وعندنا حزبان حاكمان في رام الله، وغزّة ..مستبدان.. فاسدان..يجدر بفنانينا وفناناتنا التظاهر في وجهيهما، وفضحهما..فالأقربون الفاسدون أولى بالتظاهر والفضح!
ترتفع أصوات بعضها دولية..تشجب ما تعرّض له مخيم (الرمل) الصغير المتداخل مع أحياء اللاذقية الفقيرة، ولأن النوايا مفضوحة فإنني أرى بأن هذا استغلال للفلسطيني، واستثمار وتوظيف لخدمة التآمر على سورية البلد، فلا هو تعاطف وحنو على الفلسطينيين، ولا هو انحياز لمطالب الشعب السوري التي يستحقها هذا الشعب العريق.
لدينا نحن الفلسطينيين ما يكفينا ويزيد. فلنقم بواجبنا تجاه قضيتنا، في مواجهة الاستيطان، وما يعده نتينياهو لنا..أم إننا نملك فائضا ثوريا نصدره من رام الله وأخواتها؟!