بقلم : د.مهند العزاوي ... 18.11.2011
يشهد العراق بؤساٌ سياسي وفوضى مسلحة داخل السلطة وخارجها , وتطبيق قانوني معكوس وانتقائي يستنزف كيان العراق ويغيب المواطنة ويصادر الحريات المنصوص عليها في القوانين الدولية والدساتير الوطنية , ويعصف به مناخ الطائفية الأصولية ومافيا السياسية الفاسدة, مصحوبا بزوابع الأزمات المفتعلة وعواصف التقسيم المفدرل لتفكيك الجيوبولتيك العراقي, ويلوح في الأفق السيادي شبح الحرب الطائفية بركائزها المليشياوية الزاحفة إلى غالبية الدول العربية انطلاقا من العراق الديمقراطي لطوئفة المنطقة في حرب المائة العام القادمة.
تؤكد القيم القانونية والمفاهيم الدولية أن الدستور العراقي فاقدا للشرعية الدولية والأهلية الوطنية , لعدم اتساقه بالقواعد الآمرة للقانون الدولي وتغيب محركات أعداد الدستور:-
وجوب تكليف جمعية تأسيسية منتخبة لأعداد الدستور.
لا وجود للقانون الدولي أذا لم تكن هناك دولة .
لا وجود للقانون الدستوري قبل قيام الدولة ونشأتها .
تلك القواعد الآمرة أعلاه غير متوفرة عند أعداد الدستور العراقي , لان الدستور (Constitution) هو "القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة" حيث جرى التحايل على القاعدة الأولى "تكليف جمعية تأسيسية منتخبة لأعداد الدستور" وتم انتقاء أعضاء صياغة الدستور من الأحزاب الانفصالية المرتبطة بشركات النفط القابضة, والأحزاب والمليشيات الوافدة من إيران والتي خاضت حرب جيوش لثماني سنوات وحرب باردة تجاوزت العقد, وكذلك جرى التحايل على القاعدة الثانية والثالثة أعلاه حيث جرى تفكيك الدولة ومؤسساتها وإلغاء كيان العراق ومحي تاريخ أنشاء الدولة العراقية, وبذلك لا شرعية لدستور ليتسق مع القواعد الآمرة في القانون الدولي , كون العلاقة بين القانون الدستوري والقانون الدولي العام "كلاهما يشتركان بكونهما من فروع القانون العام وعندما يتعارض قوانين لدستور مع القانون الدولي يعتبر غير شرعي".
غيب الدستور الهوية الوطنية الشاملة وأذكي حرب الهويات الفرعية لتستهدف وحدة العراق وتمزق نسيجه الاجتماعي , وذهب لتوثيق الفدرالية الطائفية والعرقية , وسلخ المحافظات المتنوعة لتكريدها وأبرزها المادة 140 والمرحلة من قانون إدارة الدولة الذي فرضه الحاكم العسكري برايمر, وتشرعن المادة التهجير بما يتنافى مع نص الماد (23) من الدستور نفسه أولا.الملكية الخاصة مصونة ويحق للمالك الانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها في حدود القانون- ثانيا. لايجوز نزع الملكية إلا لأغراض المنفعة العامة مقابل تعويض عادل، وينظم ذلك بقانون, ثالثاًـ أ. للعراقي الحق في التملك في أي مكان في العراق، ولايجوز لغيره تملك غير المنقول إلا ما استثني بقانون- بـ. يحظر التملك لأغراض التغيير السكاني)) وتؤكد علاقة القانون الدستوري بالقانون العام أحقية الفرد العادي بمقاضاة دولية أذا انتهكت حقوق وحريته.
جميع التجارب الفدرالية والتي تحصى بـ 14 تجربة لتتسق مع الفدرلة العراقية المعكوسة قانونيا , لان الفدرالية تعني جمع دول أو إمارات متفرقة تشترك بالتاريخ والموقع والعرق واللغة في فدرالية وطنية موحدة وفق هندسة سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية ناجعة, ولعل أقربها للعراق دولة الأمارات العربية كتجربة ناجحة, وعلى العكس في العراق تستخدم الهندسة القانونية والسياسية والاجتماعية المعكوسة لتفكيك كيان العراق إلى أقاليم وفدراليات بعد صناعة بيئة التقسيم وتهيئة أدواتها السياسية وتمويل منظوماتها الإعلامية ,وأكد الانكليزيين "ألبرت دايس" و"جيمس برايس" وهم يصنفون الفدرالية كشكل من أشكال الحكم تكون فيه السلطة موزعة بين الحكومة المركزية ووحدات اصغر(الأقاليم) يعتمد بعضهما على الأخر, وحددا شرطين أساسيين لتشكيل الفدرالية وهي:-
وجود عدة دول وثيقة الارتباط ببعضهما محليا وتاريخيا وعرقيا لأجل ان يقبل سكانها هوية وطنية واحدة- أي لايجوز تفكيك دولة إلى فدراليات
الرغبة الوطنية في الوحدة الوطنية والتصميم على المحافظة على استقلالها ضمن الاتحاد- أي ليجري تمزيق الوحدة الوطنية وفق فلسفة الهندسة القانونية المعكوسة.
يمارس النظام السياسي المتصدع في العراق الهروب إلى الأمام , ويذهب إلى تصدير الأزمات لصرف أنظار الرأي العام عن الفشل السياسي الناتج عن عدم شرعية الدستور ومخالفته القواعد الآمرة في أعداد القانون العراقي الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم وشكل الحكومة وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة , أذن يعد الدستور لحماية كيان العراق "الأرض الشعب الدولة" وخلافا لذلك يعد باطل, ونشهد غياب الحياة الدستورية في العراق عبر سلوك وممارسات السلطة التي صنعت بيئة الاحتراب والتقسيم عبر ممارسي التكفير المهني والطائفي والسياسي لاحتكار السلطة, إضافة إلى ازدواجية المجتمع الدولي ودوره السلبي في تمزيق العراق بعيدا عن القيم القانونية والمفاهيم السياسية والأبعاد الاستراتيجية, وتركه فريسة لممارسي الهندسة المعكوسة الساعية لتقسيم العراق , وبذلك لابد من وقفة جادة لصياغة إستراتيجية مسؤولة تحشد الشعب العراقي لحماية كيانه الممزق , وأعاده رسم الخارطة السياسية والقانونية , لإخراج العراق من الفوضى المسلحة الشاملة , بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي السريع وملئ الفراغ الإيراني الأسرع وتهريب الأسلحة المتعاظم للمليشيات الطائفية , والذي سيقود العراق إلى الصدام المسلح الوشيك وحرب الإبادة الطائفية التي تلوح في الأفق.
حمى الله العراق والعراقيين من البطش المطلق والطائفية الأصولية ودعاة التقسيم