بقلم : وئام بني عوده ... 10.05.2011
تقديم...هذا تحرير لاثنان وستون عاما من حياة المحلل السياسي الفلسطيني
أ.د عبد الستار توفيق قاسميتضمن هذا العمل سيرته الذاتية كما رواها بنفسهفصولُ من معاناة لا تنتهي.
"فترة ندمت عليها..."
"كنت متحمسا أحمل انطباعا سقط بالتقادم، هذا الانطباع أن هناك حركة وطنية حقيقية تجتاح نفوسنا كشعب محتل..."، بنفسيته تلك عزم أمره على المشاركة في الحركة الوطنية وبناءا على ما كان يسمع وهو في الخارج عن صيت تميزت به منظمة التحرير الفلسطينية داخل فلسطين، من مشي على درب النضال وإصرارها على تحرير البلاد، "لم أكن منظما مع أي فصيل، ولكن انضممت الى منظمة التحرير بهدف العمل الوطني فقط..."، كان يسعى عبد الستار الى الإنجاز على الساحة الوطنية، ولم يكن يعلم أن الحركة الوطنية في الداخل كانت تتلقى الأوامر من القيادة في الخارج، والتي بدورها اتبعت عملية تخريب منظمة للأجيال داخل الوطن، اكتشف عبد الستار أن الأساس لديهم هو النفاق الوطني وليس العمل الوطني على حد تعبيره، وقناعته التي جناها من زياراته لبيروت عززت ما رآه في الضفة، "أنا نادم جدا جدا... واعتبر أن هاتين السنتين ضاعت من حياتي سدى، لأنني لم أنجز شيء، وكانوا يستعملوا اسمي ويتستروا بإنجازاتي..." وبحرقة ندمه على وقت قد مضى اجترر فيه الى مواقف لم يكن راض عنها واستغل فيها اسمه أسوء استغلال يقول عبد الستار: "رغم أن مجلس الأمناء في الجامعة لم يكن بالمستوى المطلوب، إلا أنني أيضا قمت بأعمال لم يجدر بي القيام بها وأنا نادم عليها..."، كانت هذه الأحداث بين عامين 1980 وعام 1982 عانى بعدها عبد الستار من التبعات التي تمثلت بالسمعة السيئة التي لحقت به جراء هذه المرحلة، استمر لعدة سنوات بالعمل الجاد والدؤوب حتى تخلص من تلك السمعة، اتخذ بعدها عبد الستار موقفا مغايرا لما كانت تدعو لها التيارات التابعة لمنظمة التحرير فاعتبر منشقا عن الأخيرة وهوجم من قبلها، فاتهم بالجاسوسية والعمالة من قبل أتباع حركة فتح بالذات، ويستدرك عبد الستار: "كنت أجوب الضفة الغربية بشتى مدنها وقراها لأتفاجئ بما تنعتني به الأفواه من عمالة وجاسوسية، لكن تغلبت على هذه الإشاعات لأن الناس كانت ترى مواقفي وتشهد لإنجازاتي العلمية والوطنية، وبالتالي فشلت الحملة الدعائية التي أقاموها ضدي..."
بين هاذين العامين وتحديدا في عام 1981كتب عبد الستار مقالا في جريدة الشعب، استغله خصومه بشكل كبير، وكان فحوى هذا المقال حول اقتصاد الفرد وإنفاقه لدخله، كذلك حمل فكرة مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وبناء عليه طرح عبد الستار بديلا وهو الإنتاج الوطني، وقدم جدلية أضحت عند من أولها فتوى، ألا وهي دعوة عبد الستار الى تقديم العمل من أجل الوطن والجهاد لتحريره على فريضة الحج، فتواه تلك كما اعتبرها بعض المشايخ هي تحريضية ضد ركن من أركان الإسلام، ويثني عبد الستار: "ثارت ثائرة المشايخ علي، وكفرت على منابر المساجد من جنين حتى الخليل، وأنا كنت داخل المسجد سمعت الخطيب يذكرني بالاسم ويقول عني شيوعي وكافر وملحد..."، تركت تلك النعوت في قلبه غصة المظلوم، وبات ينتظر الأيام لتكون الحكم والفصل، ولأن للمظلوم نصرة لا بد منها، في عام 1984 كتب الشيخ القرضاوي كتابه العلم والحياة والذي قال فيه أن أعمال الجهاد أفضل من أعمال الحج عندما يتطلب الأمر ذلك، قام عبد الستار بنسخ تلك الفتوى وقاهر بها خصومه من المشايخ، وبجدليته تلك ظل يناقش، ورغم ثبوتها الأ أن فكرة شيوعية عبد الستار ما زالت مترسبة في الأذهان، ومعلوماتي التي حملتها للدكتور عبد الستار قبل مقابلتي له كانت تحوي بعض هذه الرواسب، وعليه فإن عبد الستار يرد: "لن أسامح كل من شهر بي وكفرني واتهمني بالشيوعية من المشايخ وغيرهم وعلى رأسهم الشيخ توفيق جرار شيخ مسجد جنين الكبير والمتوفى حاليا..." .
استقال عبد الستار من عمادة كلية الاقتصاد عام 1983 وبعد احد عشر شهرا من توليه للمنصب ولتبعات الأسباب ذاتها، فكان العميد كما يعبر عبد الستار هو آذن كبير يجلس على كرسي العمادة، ويضيف: "حتى أكون عميدا يجب أن أتمتع بالقرار الحر، فالعميد كان بلا قيمة فقط يتلقى الأوامر وعلى قضايا تافهة كالغيابات، وفلان من فتح رسب بهذه المادة يجب أن تعدل له وآخر من الشعبية علامته متدنية يجب رفعها وهكذا، فخرجت من العمادة وكتبت كتابا للإدارة بأن ابحثوا عن شخص آخر لهذا المنصب..."
"عودة الروح..."
انتشى عبد الستار أملا في القادم، وبدأ مسيرته في البحث العلمي، ففي عام 1984 أعد بحثين فريدين من نوعهما، عرضا قضية الجولان المحتل، وكذلك مسيرة عز الدين القسام، وكانا أول كتابين في هذين الموضوعان. فضلا عن ذلك فقد قدم عبد الستار الى جامعة النجاح بكتابين ميزتهما النوعية في الطرح والجرأة في المضمون، وهما الفلسفة السياسية التقليدية وسقوط ملك الملوك، هذه الصفات ميزت كتاباته على مدى مسيرته بالإضافة الى أنها رفعت مستوى البحث العلمي في جامعة النجاح الوطنية.
جاب عبد الستار فلسطين باحثا عن معلومات أو بضع إضافات صغيرة يدعم بها ما كتبت يمناه، عندما باشر بحثه عن الشيخ عز الدين القسام كانت فاتحته مع سامي الأحمد أحد الشخصيات التي التقت بالشيخ وساندته، ومن ثم بدأ عبد الستار يطوف فلسطين فكان بحثه ميدانيا من عكا شمالا و طولكرم وبيسان في الشرق حتى نابلس في الجنوب، وكان يتابع كلام الناس وما يكاد يصل الى شخص حتى يرسله الى آخر، فكان يمشي ما يقارب المئة متر كي يضيف جملة الى جعبته، ولحسن حظه أنه وجد أناسا عرفوا القسام وعايشوه ما زالوا على قيد الحياة، فكان منهم الشيخ سعيد الحسان من يعبد والذي كان يبلغ من العمر 14 عاما عندما شهد المعركة التي استشهد فيها القسام.
في جملة بحثه عن أناس قاتلوا مع القسام ومنهم الشيخ عربي بدوي والذي قيل أنه استشهد في معركة يعبد، لكن ذويه لم يدفنوه في حيفا ودفنوه في مسقط رأسه قبلان جنوبي نابلس وذلك كما كتب أكرم زعيتر عن رفقاء القسام، خط عبد الستار خطاه الى قبلان ليقابل أهل الشيخ البدوي، وبعد سؤاله لمجموعة من كبار السن عن أهل البدوي أجابه أحدهم "شو بدك بأهله هو مختار البلد وموجود بداره"، سمع عبد الستار ذلك فأخذته الرجفة من رهبه الموقف، وصارت الكلمات تترنح بين شفتيه، وأفكارا تراوده من هنا لتلقيه هناك، ويقول: "صرت أفكر، أنا الآن بدي أقابل هذا العملاق الذي كان يحارب في وقت كان الشعب فيه نايم"، تسابق عبد الستار مع لهفته لرؤية هذا العملاق مع أن قدماه لم تتوقف عن الرجف طوال الطريق، ومستحضرا تلك اللمحات من ذاكرته: "عندما سلمت عليه، كنت أرغب في أن أجثو على ركبتي لأشعره بعظمته".
اطلع عبد الستار على حال الشيخ البدوي والتي كانت بأسوأ مما توقع، رجل سبعيني بائس فقير الجيب يعمل كمختار عله يعيل صغاره من زوجته الثانية التي تزوجها بعد وفاة زوجته الأولى، عندما سأله عبد الستار عن الشيخ القسام أسعفه بدفتر مذكراته قائلا له: "هذه مذكراتي فيها ما أذكره وما نسيته استعن به"، أخذ عبد الستار المذكرات وغاص في أعماق سطورها ليخط لنا مسيرة عز الدين القسام.
التقى عبد الستار أيضا بالسعيد العرابي وهو الشخص الذي كلف بمراقبة القسام من قبل المخابرات الإنجليزية، وجده عبد الستار في مقهى يلعب الورق بين مجموعة من الرجال، طلب إليه المحادثة فقذف بالورق على الطاولة وصاحبه الى منزله، حاله ووضعه لم يختلفا كثيرا عن وضع البدوي فكانت أيضا جيبه تشتكي القلة ومنزله وصغاره في حال يرثى لها، وقبل أن يبادر عبد الستار بسؤاله عن القسام ألح في نفسه سؤالا آخر، فدار بينه وبين العرابي حوارا، "كل البلد تقول أنك جاسوس هذا ما بدأ به عبد الستار فأجابه العرابي: "مزبوط" وعلل جاسوسيته بقوله: "أنا كل سلطة بتيجي على هالبلاد أنا جاسوس لها، فكنت جاسوس على زمن الإنجليز وعلى زمن الأردن وأنا جاسوس زمن إسرائيل"، من سمع تملكته الدهشة فسأل عن السبب، فأجاب القبيل: "أنا أولى من غيري إذا أنا ما صرت جاسوس في كلاب بستنوا يصيروا جواسيس ويتطاولوا علي، وأنا ما بحب حد يتطاول علي" مضيفا الى ما سبق من تعليلات، "أي شي أريده أحصل عليه بسرعة لأني جاسوس وفي قوة تحميني، لو إني محترم بلاقي مئة واحد يدعس علي..."
تلك كانت براهينه، أما من أعماله والتي اعترف بأنها شنيعة النتيجة قال: "أيام الإنجليز كان اليهود يهاجرون الى فلسطين وأنا كنت أدخلهم تهريب وكانوا يعطوني على كل واحد خمس جنيهات..." وأقر العرابي أيضا بمتابعته للقسام أينما ذهب.
جاء دور طباعة الكتاب وكانت التكلفة كبيرة فطلب عبد الستار مساعدة أحد المسؤولين في فتح واسمه سعيد كنعان ووافق بأن يعطي عبد الستار خمسمائة دينار، وبعد الاتفاق بيوم سمع عبد الستار خبرا بأنه أخذ خمسة آلاف دينار من حركة فتح لطباعة كتابه الجديد، فلم يسع عبد الستار إلا أن يلغي مسألة المساعدة هذه وأن يضغط جيبه قليلا كي يطبع كتابه وبالفعل تم له ذلك.
بدأ مباشرة ببحث آخر عن الجولان السوري المحتل، كان ميدانيا وعلى شاكلة بحث القسام، فكان بحثا نوعي هو الأول عن الجولان المحتل لذلك طلب مسؤول حزب البعث في فلسطين الى عبد الستار أن ينشره في سوريا ووافق الأخير إلا أن الشرط كان وضع صورة الرئيس حافظ الأسد واجهة للكتاب، فرفض عبد الستار وأعاد الكتاب لينشره في الضفة وليوزع منه ما يعادل 2000 نسخة وهذا ما دلل على نجاحه الكبير على غرار كتبه المتقدمة.
في هذا الوقت من عام 1984 حلت ترقية عبد الستار من أستاذ مساعد، وترقى الى أستاذ مشارك، في هذا العام أيضا دخل مسابقة نظمتها مؤسسة عبد الحميد شومان للبحث العلمي في عمان على مستوى الشبان العرب، قدم فيها عدد من أعماله والتي مكنته من الفوز بجائزة عبد الحميد شومان، ويستذكر عبد الستار: "لم استطع الخروج الى عمان لاستلام الجائزة فاستلمها أخي بدلا مني، وكنت لأول مرة أقبض مبلغا كبيرا رزمة واحدة كان مقداره الألف دينار...".
لم يهمل قط، مع أن عائلته كبرت وأصبح فيها محمد وميس، فهو من أنصار أن الواجب الوطني يجب أن لا يتغذى على الواجب التربوي، فكان يربي أولاده ويعتني بهم، ويعلم أجيالا في الجامعة، ويؤدي واجبه الوطني على أكمل وجه، و واجبه تجاه المجتمع أيضا فيقدم الأبحاث النوعية ويقول كلمته من أجل فلسطين بحريه، لم يعيقه أبدا محمد عندما كان يتسلل الى مكان عمل والده ويسحب أوراقه الواحدة تلو الأخرى بل كان يحتضن جسده الطري ليصب فيه قوة من روحه، ويقبل يداه الصغيرة، بل ويرفعه على كتفه ليجلس محمد يستبصر ما تكتب يد والده من حقيقة وعلم.
لم يهدأ باله يوما، وكلماته لم تنقطع، في عام 1986 أصدر كتاب "التجربة الإعتقالية الأولى" والذي احتوى على تجارب حقيقية سردها 60 أسيرا خرجوا من المعتقل في تبادل للأسرى عام 1985 قامت به الجبهة الشعبية –القيادة العامة-، أشرك عبد الستار في بحثه هذا أربعة من طلابه، ليشجع الطلبة على البحث والكتابة.
استدعت قوات الاحتلال عبد الستار ووجهت له تهمة التحريض، ولم يتم احتجازه على إثرها بل تم تهديده، رغم ذلك عزم عبد الستار على استكمال النشر وتولت الحركات الطلابية في الجامعة توزيع الكتاب، إلا أن الفتحاوية وعلى حد تعبير عبد الستار رفضوا توزيع الكتاب لأن موقفه أصبح واضحا من منظمة التحرير، وعلى اثر موقفه أيضا واجه عبد الستار صعوبات مع إدارة الجامعة نظرا لتبعيتها لمنظمة التحرير الفلسطينية.
"ماذا نصنع للانتفاضة..؟"
في عام 1987وتحديدا في شهر الانتفاضة، جمع عبد الستار 40 شخصا في منزله وذلك في الحادي عشر من ديسمبر، "لم نكن تنظيما، بل كنا مجرد مستقلين لكن كل واحد منا عن تنظيم بأكمله في النشاط والعمل..." كان اجتماعهم هادفا بشأن انتفاضة طويلة الأمد، تدابروا الأمر فيما بينهم إجابة عن ماذا يمكن أن يفعلوا من أجل الانتفاضة؟، واتفق المجتمعون على العمل بإصدار البيانات والشرح وكذلك مساعدة الناس عن طريق التموين.
وبحماسة المشهد في ذهنه، شكل عبد الستار لجان الإغاثة من كبار السن في مدن نابلس وجنين و طولكرم، وتدبر أمر التموين والذي استجداه من أهل الجولان والجليل والمثلث فصار أهل الداخل يبعثون بالمؤن لإخوانهم في الضفة حتى أن إحدى الشاحنات أتت من الدروز، ومتعمدا قام عبد الستار بإرسال الشاحنة مع الدروز لتوزع على باب مخيم بلاطة وذلك لغاية في نفسه فيعقب: "لسببين قمت بذلك أولا لكي يعلم الشعب الفلسطيني أن هناك دروز وطنيين ومحترمين، وثانيا لكي أرصد ردة فعل الاحتلال على ذلك ..."، وفعلا بعدما علم الاحتلال بذلك قام باحتجاز المتطوعين الدروز، حتى تحركت الطائفة الدرزية في الداخل وأجبرت الاحتلال على الإفراج عنهم وبعد سبع ساعات من الاحتجاز.
"رغم تفتت الساحة فصائليا، إلا أنني ما زلت نشيطا"، نعم! كانت الفصائل تتغنى بما تصنع، وتزايد كل واحدة على الأخرى بشعبيتها، المستقلون كانوا يتابعون عملهم الوطني بلا كلل أو تعب، في هذا الوقت أخرج عبد الستار كراس المقاطعة الاقتصادية، بالإضافة الى كراس العصيان المدني، كتب عبد الستار الكراسين بسرعة قياسية وبمحتوى صاعق، لدرجة أنه أعتقل على اثر كتابته لكراس العصيان المدني، وفي الزنزانة قدم إليه ضابط إسرائيلي وسأله هل أنت عبد الستار فأجابه بنعم، فقال له الضابط: "أنا جئت لأهنئك وأنا أتكلم عن كراس العصيان المدني"، فرد عليه عبد الستار:"وما شأني بالموضوع؟" فقابله الضابط بالجواب: "أنا لا أحقق معك وأنا أعلم أنك من كتبه، أنا هنا فقط لأهنئك وأقول لك لو أنك في إسرائيل من زمان أصبحت قائد للدولة...".
في هذه الفترة فرضت عليه الإقامة الجبرية في دير الغصون ولمدة ستة شهور، حتى أن بعض طلبته كانوا يأتون الى دير الغصون لكي يتلقوا دروسهم، واعتقل خلال الإقامة الجبرية هذه لمدة أسبوع قضاه في سجن الفارعة.
"كان مجدي هناك..."
تم تجديد اعتقال عبد الستار في نيسان من عام 1988 قضى ثلاثة أسابيع من اعتقاله في سجن الفارعة وبعدها تم ترحيله مع جملة المعتقلين الى سجن النقب "أنصار 3" والذي كان في طور التجهيز، ومن ما وصف: "كان السجن غير مجهز وما في محل انام فيه وأعدادنا كانت بالآلاف، كان رمضان والفطور يجيبوه الساعة وحدة بالليل يعني مع السحور تقريبا، وبكون بيضة مع خبزة معفنه..."
من الواضح أن حياة أنصار 3 كانت قاسية لا سيما أن هؤلاء الأسرى كانوا الأوائل في سجن النقب فعاصروا أطوار إعداده كلها كي يكون الأقسى والأوحش من بين السجون الإسرائيلية كلها.
رغم ألم السجن وظلم السجان، إلا أن عبد الستار اعتاد أن يصنع الأمل من رحم المعاناة، فلم يكن من الصعب على نفسيته القاهرة أن يعايش من كان يريد حرمانه العيش، بدأ عبد الستار في تغيير أوضاع السجن ورسم ملامحه بطريقته الخاصة وبطابعه التعليمي المتعارف عليه، بدأ ثورة تعليمية داخل السجن من محاضرات في التاريخ والفلسفة والسياسة، بالإضافة الى تعليمه للغات خاصة وأن عددا لا بأس به من المعتقلين لم يكن يعرف الكتابة والقراءة فسخر كل طاقاته ليكون نتاج ما عمل أن صار هؤلاء يرسلون لأهلهم رسائل خطتها أيديهم.
لم يكتف بهذا القدر بل كان يعد برامج ترفه عن أرواحهم، ويستذكر عبد الستار أنه أعد مناظرة بين اثنين من المعتقلين كلاهما من بلدة علار قضاء طولكرم فكتب لهم بيوت العتابا والأغاني والأهازيج التراثية ليستمر الحفل مدة الساعة والنصف ولم ينتهي إلا قصرا وبتهديد من إدارة السجن.
"وأنا في داخل السجن، وثقت هذه التجربة وكنت أكتب ما يحدث وبالتفصيل وأخرجه عن طريق الكبسولات خارج السجن فتعيد زوجتي كتابته وتحتفظ به..."، لم يدع عبد الستار هذه الأوقات تمر دون توثيق فجمع ما أمكنه تجميعه وكتابته ليخرج لنا كتاب "أيام في سجن النقب" هذا الكتاب خرج من المعاناة ومن آنية التجربة، وصف لنا ما كان يدور خلف جدران الخيمة، فند فيه عبد الستار ما له وما عليه، فاتصف بموضوعيته وبعدالة في الحكم، ويبدو أن وصفه الدقيق للأحداث لم يعجب أتباع حركة فتح داخل المعتقل فقاموا بحملة تحريضية ضد عبد الستار، "كان هناك شخص يدعى احمد رشيد يحرض المعتقلين ضدي ويحثهم على ضربي..."
انتهى مجده هنا، ليس لأنه تعرض للتهديد بالضرب، لكن لأن فرزا فصائليا قد منعه من إكمال مسيرته داخل المعتقل، فعبد الستار لم ينتظم في أي فصيل، وهذا ما عزله عن باقي المعتقلين، عندها اعتكف لاستكمال خياره في الكتابة والتوثيق، فأنجز ما يقارب 1500 صفحة كانت تشمل أبحاثا ومقالات ومذكرات، والأجمل من ذلك كله أنه كان يتحدث ويسمع صوته للعالم وهو في ظلمة المعتقل، وذلك عن طريق ما كان يبعث به للإذاعات فتنشره على لسانه.
"ثمانية شهور مرت ولم أرى أولادي..."، بعد أن قضى ثمانية شهور في معتقل النقب، جددت له الإدارة ستة شهور إضافية، طلب خلالها للتحقيق ونقل الى سجن الفارعة، لم يجدي تحقيقهم نفعا، فجددوا له ستة شهور أخرى ونقل فيها الى سجن الجنيد في مدينة نابلس، وحان اللقاء بسجن الجنيد، فالتقى عبد الستار بزوجته وأبناءه محمد وميس وفيصل الذي لم يتجاوز عمره حينها السنة والنصف وكان ينادي عبد الستار بلقب "عمو"، كان عمر فيصل عندما اعتقل والده أربعة شهور فقط.
ستة شهور أخرى وللمرة الثالثة، قضى منها عبد الستار ما يقارب الأربعة شهور وخرج بعدها بمكرمة شهر رمضان الفضيل، عاد عبد الستار الى النجاح الوطنية، في هذه الفترة كانت قد حلت ترقيته الى أستاذ، وكان عليه تقديم أوراقه قبل سنة من موعد الترقية حسب قانون الجامعة لكن عبد الستار كان في المعتقل ولم يقدم أوراقه، فقصد رئيس الجامعة ليشرح له الوضع وليساعده في الحصول على الترقية هذا العام أي عام "1989"، وبسهولة أجابه د. بهجت صبري رئيس جامعة النجاح الوطنية وقتها: ليس لي علاقة بالأمر، إجابة لم يستسغها عبد الستار فأثارت زوبعة بين أضلاعه، لكن لم يكن بوسعه إلا أن يكظم غيضه و يقدم أوراقه، وحصل بعدها على الترقية عام 1992 .
في عام 1990 تم اعتقاله لمدة ستة شهور وهو من جملة عدة قيادات وطنية من نابلس استهدفت بالاعتقال في ذلك الوقت، في البداية احتجز في النقب وبعدها رحل الى الفارعة ومن ثم الى الجنيد ليقضى ما تبقى من الشهور الستة خلف قضبانه.
"بفكر وبردلك جواب..."
بعدما انتهى من التحقيق، بعث في طلبه مدير المخابرات في سجن الفارعة وكان اسمه شارون، عرض عليه الأخير زعامة البلاد، فتسائل عبد الستار عن الكيفية، فأجاب شارون: "بدل ما أنت في السجن ولا يتفقدك أحد، نخرجك من السجن ونسلط الضوء عليك إعلاميا، وتصبح نجم الشاشة الفلسطينية، وبعد شهر زمان شعبك بيحملك وبيرقص فيك..."، فكان سؤاله التالي عن المقابل، فأجاب مدير المخابرات: "لا شيء سوى انك تخطب في الناس وتقول بدي أحرر حيفا وأرجع يافا وبعدين تروح على بيتك وتنام..."، فأجابه عبد الستار: "طيب بفكر في الجنيد وبردلك جواب...".
كانت المرة الأولى لكسب عبد الستار الى جانبهم لكنها لم تكن الأخيرة، ففي عام 1991 حاول معه السفير الأمريكي لإقناعه بالذهاب الى مؤتمر مدريد للسلام ضمن الوفد الفلسطيني، وذلك عندما اتصل به مقدسي من معارفه وطلب منه إذنا ليزوره السفير الأمريكي في منزله بنابلس، لكن عبد الستار استهزأ بالأمر الى جانب رفضه القاطع، أعاد المقدسي الكرة وعندها أصر عبد الستار على معرفة سبب الزيارة، فأجابه المقدسي أن السفير يريد إقناعه بالانضمام الى وفد فلسطين، فرفض رفضا قاطعا مع رفضه لاستقبال الأمريكي، عندها قال له المقدسي:" رح تضل فلاح تيس..." فرد عليه عبد الستار مفحما: "فلاح تيس ولا مدني خائن..." فوصله الرد الحاسم.
بعد عدة أيام أرسل الحاكم العسكري في طولكرم له طلبا بالحضور، ذهب عبد الستار وعندما دخل ليقابل الحاكم، سأله الأخير:" ليش ما بدك تروح على مدريد؟" فأجابه عبد الستار بأن الأمر ليس من شأنه، عندها قال له الحاكم:"أنا أحكم هذا الشعب وأحبه وبالتالي أريد له الخير وأنت إذا ذهبت الى مدريد ستجلب شيئا مفيدا لشعبك..."، فقال له عبد الستار: "أنت تحكم، وأنا هنا، لماذا لا تعطيني ما تريد هنا وأنا في طولكرم؟ ما الداعي للذهاب الى مدريد؟" فرد الحاكم بأن المفاوضات هي التي تقرر فتمسك الآخر برأيه بعدم الذهاب وانتهى النقاش بذلك، وعاد عبد الستار الى منزله.
"بعد يومين عاد وطلبني هذا الحاكم ودار بيني وبينه جدل عقيم يشبه السابق..."، لم يشارك عبد الستار بمؤتمر مدريد فهو حسب تقديره جاء وفق الإرادة الأمريكية الإسرائيلية، وما توقعه عبد الستار في تلك الأيام كتبه وحذر منه لكن لا حياة لمن تنادى، فكانت كل الأصوات تهتف للسلام الزائف مع إسرائيل، وهذا ما حصل بعدها في اتفاق اوسلو عام 1993، كان عبد الستار أول من ترجم اتفاق اوسلو وطبعه ووزعه مرفقا معه مقالا يتضمن تفصيلا للاتفاق كان بعنوان لماذا نرفض اوسلو؟ .
وسار الحال متدهورا ولا أحد يصغي لتحذيرات عبد الستار وكذلك الحال باتفاقية باريس الاقتصادية والتي كانت عام 1994 والمغزى منها كما عبر عبد الستار هو ربط الشعب الفلسطيني بلقمة عيشه، فأصبح قرار الشعب مرهونا بأموال الدول المانحة.
محاولة اغتياله...
ظل عبد الستار صداح الصوت، رافعا الحمل الوطني الى ما فوق أكتافه، فجعله أولوية حتى على حياته، ولأن هذا الصوت كان يزعج البعض حاولوا إسكاته وللأبد وذلك بالمس الجسدي دون تراجع أو هيبة من ضمير، فتلقى عبد الستار تحذيرا من أحد أصدقائه بأن انتبه نية الشر مبيتة لك، فاتخذ عبد الستار من الاحتياطيات ما استطاع، حتى أن بعضا من الشبان الوطنيين تطوع لحمايته كحرس شخصي، مللا من الوضع تسلل الى روحه دفعه الى التخلي عن حذره حتى أنه تخلى عما كان يحمله ليحمي به نفسه إذا اضطر للمواجهة، وفعلا وقع المحذور وبتاريخ 20/8/1995 حيث كان عائدا من الجامعة الى منزله بالقرب من فندق القصر بنابلس، كان راجلا يتأمل أفكارا رافقته في طريقه، وفي غفلة الأمر خرج إليه أحدهم وسأله "أنت د.عبد الستار قاسم" فأجابه لا، علم حينها عبد الستار طبيعة الجو الذي أحاطه فتلفت يمينا و ميسرة عله يجد باباً يتسلل خلفه، لكن لا مفر من الموقف، فأمسك ذلك الرجل بيد عبد الستار وعندما حاول عبد الستار ضربه باليد الأخرى، ابتعد الى الخلف وانضم إليه آخر لكي يبدآ بإطلاق النار عليه فأصيب بأربع رصاصات.
"أنا رأيت السيارة التي أقلتهم، وكان فيها أحد الطلبة في الجامعة وهو مسلمة ثابت من قيادات فتح في الجامعة وهو أشار لهم علي، لأنهم لا يعرفونني أصلا..." لم يسقط أرضا بل وصلت السيارة إليه وهو واقف رغم أصابته بثلاث رصاصات في قدميه ورصاصة في يده، أقلته السيارة الى مستشفى رفيديا وهو الأقرب، رصاصة اليد كانت في ساعده ودخلت بين الشريان والعصب ولم تصب أي منهما، كان حجم الرصاصة 9ملم ولبسامة الحظ أن المسافة بين الشريان والعصب أيضا 9ملم فلم تقطع أي منهما لكن حرارتها أثرت على العصب، أجرى لها عملية في مستشفى المقاصد ونجحت، ورصاصات القدم لم تدخل في العظم ولم تصب عصبا أو تقطع شريان.
رسالته كانت واضحة عندما أخذت الصحافة إفادته فنقلتها كما هي و كانت: "قولوا لعرفات لن أسكت..."، في يومه الثاني وقف عبد الستار على قدميه، وبعد أسبوع عاد الى محاضراته في جامعة النجاح، ويقول: "عرفت أن من أطلق النار علي اسمه ماهر دندن من مخيم بلاطة، وأنه مضلل وجاء ليقتلني على أساس ما قيل له انه شخص منحرف أخلاقيا ووطنيا، وكان المقابل هو تبرئته من تهم عليه عند السلطة..."، قبض دندن وقتها مبلغا من المال قدره 3000دولار سلمها له أحد مسئولي حركة فتح وهو من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية.
لم تنته الحرب بعد فالمحاولات لتغييب عبد الستار قاسم عن الوعي السياسي ما زالت قائمة، وفي عام 1996 اعتقلته السلطة الفلسطينية على خلفية ما اتهم أنه صرح به للتلفزيون الإسرائيلي مفاده أن اتفاق اوسلو خيانة، قضى عبد الستار ليلتين في سجن الجنيد بنابلس ولكن المختلف هنا أن السجان عربي فلسطيني، فكان الرد على المحقق الفلسطيني: "الحديث للإعلام الإسرائيلي بحد ذاته خيانة فأنا لم أتحدث للتلفزيون الإسرائيلي، ولكن لكي أطمئنك اتفاق اوسلو خيانة..." .
رغم محاولات التعطيل، مازال عبد الستار مستمرا في مسيرته ولا يغادر أهدافه، صدر له كتاب حرية الفرد في الإسلام عام 1997، نشره في بيروت والذي حمل أفكار الإسلام الصحيحة، وبالاستناد الى القرآن الكريم كمرجع أساسي لكل الأحكام التي تضمنها.
سنة التفرغ العلمي يقضيها في السجن...
نعم! كتب أحدهم أن من طرائف البحث العلمي لدى العرب أستاذا جامعيا في فلسطين يقضي سنة تفرغه العلمي في السجن، وهذا لأن العرب مغرمون في البحث العلمي!
على خلفية كتابته لبيان العشرين عام 1999 والذي صرح فيه بوضوح أن من يقف وراء الفساد هو ياسر عرفات، وجمع توقيعات عشرين ممن شاركه الرأي، فكان هذا البيان إعلانا من قبل العشرين على رفض الفساد ومناهضته مع من يفتح الباب له، هذا البيان وضع ليكون تأثيره كبيرا ولن يؤتي أكله إلا بقمع كاتبيه وبالتالي يرتفع عدد المؤيدين للبيان، هكذا خطط عبد الستار وهذا ما حصل فتم اعتقال احد عشر موقعا وكاتبه، لكن الاتفاق لم ينفذ بمجمله فكان من المقرر أن يكمل من بقي خارج السجن المسير، ولم يتم ذلك مما أدى الى فشل البيان.
اعتقل الموقعين لمدة أربعين يوما وكان من بينهم عبد الستار الذي كانت هذه سنة تفرغه العلمي، تمنحها الجامعة للأستاذ مرة في العمر، كان عبد الستار قد تعاقد مع جامعة بير زيت ليدرس فيها هذا العام بالإضافة الى عمله مع مركز للأبحاث في نابلس .
عادت واعتقلته المخابرات الفلسطينية لمدة ستة شهور بتاريخ 18/2/2000 أي في منتصف السنة الدراسية، ليخرج من المعتقل بتاريخ 28/7/2000، وبهذا فان السنة بكاملها انقضت وهو داخل المعتقل، فضلا عن ذلك فان محكمة العدل العليا حكمت بالإفراج عنه كونه محتجز بدون وجه حق، واعتبرت احتجازه غير قانوني. هذا الحكم يعد دليلا قويا مكنه لاحقا من رفع قضية ضد السلطة الفلسطينية مطالبا بالتعويض .
لذلك الرجل فعلا نفسية لا تقهر، وتاركا كل كاسرات الأمل من وراءه، باشر في هذا العام بكتابة بحث حول المرأة الفلسطينية أصدره لاحقا في عام 2003. وفي نفس العام أيضا أصدر كتاب الحياة العامة للمرأة المسلمة.
"في يوم ما نشرت أسماء أفراد الجهاد الإسلامي المعتقلين لدى السلطة، وذكرت مقابل اسم المعتقل اسم من اعتقله..."، من بين هذه الأسماء كان اسم ماهر دويكات، والذي كان قد اعتقل أحد أفراد الجهاد الإسلامي، تلقى منه عبد الستار اتصالا مستفسرا عن الأمر ومعللا سبب الاعتقال للحماية فقط، في ذات اليوم تعرضت سيارة عبد الستار للحرق وذلك في شهر آذار من عام2005 ، لم يسع عبد الستار للانتقام رغم انه كشف هوية غريمه ورغم أن الفرصة كانت متاحة للانتقام إلا انه لم يفعل.
منافس كرئيس للسلطة..
توجه عبد الستار نحو السلطة لا طمعا في كرسي أو منصب إنما وكما يقول ليصلح ما أفسد غيره، في عام 2005 قرر أن يتقدم للترشيح لرئاسة السلطة الفلسطينية، وخاض أولى جولاتها فحصل على المترتبة الثالثة في الاستفتاء بعد محمود عباس والبرغوثي، "أنا كنت معتمد على حماس كي تقف معي بناءا على كلام بيني وبين الشهيد الرنتيسي..."، لكن حماس لم تدعمه، فعندما اقتربت الانتخابات أخبره أحد قياداتها بأن أبو مازن صديق لهم وقرروا أن لا يشاركوا دعما له، فكر عبد الستار بالمقدار الذي يمكن أن يحصله بجهده الخاص فكانت النتيجة 15% من الأصوات، لكن هذا غير كاف، بالإضافة الى سبب أخر جعله يعلن انسحابه قبل الموعد النهائي، فيضيف عبد الستار: "أموال الدعاية الإعلامية لم تكن متوفرة كلها، أخذت من أخي ألف دينار ومثلها أقرضني الحاج فخري الطنيب رحمه الله لكن لم تكن تكف..."، المعادلة لم تكن لتأتي بنتيجة مرضية بالنسبة لعبد الستار، خاصة وأن حركة حماس لن تدعمه بأصواتها فأعلن انسحابه، واسترد الرسوم التي دفعها وكانت 3000دولار.
" عرضوا علي أن أكون في حكومة الوحدة الوطنية في 2007ولم أوافق..."، كان لأصحاب العرض أسبابهم، وكان لعبد الستار أسبابه في الرفض، فبعدما أدرك هؤلاء أن عبد الستار لا يسعى للمناصب ولا يحب جلسة الكرسي الفاخر استنجدوا به، لكن عبد الستار رفض ليقينه بأن تلك الحكومة قصيرة الأجل وكان توقعه صائب، فانحلت الحكومة بعد شهرين من الاتفاق عليها. "لو تأكدت أن هذه الحكومة ستخدم الشعب لانضممت إليها...".
للقصة بقية...
لأن قوته لم تنفذ بعد، وصبره ليس له حدود، ورغم كل محاولات قهره إلا أنها لا تخرج عن إطار المحاولات، استهدف مرة أخرى وكانت الضحية سيارته، فأطلق اثنين من المسلحين النار عليها وكان الهدف تخريبي بحت، كانوا مهدي مرقة وأبو جبل عرفهم عبد الستار بعد وقت ورفع ضدهم دعوة قضائية وشكاهم للسلطة وللمحافظ لكن بلا جدوى كالمعتاد.
ومن فيض حقدهم، فقد حاولوا في ذات اللحظة اطلاق النار على شاب كان يمر بجانب السيارة و باعتقادهم أنه ابن عبد الستار ولولا تدخل الناس وإقناعهم أنه ليس ابنه لكان ذلك الشاب هو الآخر ضحية حقد اسود.
تكرر استهداف السيارة لكن هذه المرة بالحرق، كان ذلك في 23/1/2009. ونفس التجربة عادت الى الأذهان. لم تهتز إرادته واستكمل المسير وفي عام 2010 أصدر كتاب المنهج الاستقرائي في القرآن الكريم، ليكتب الى هذا العام ما يزيد عن 22كتابا عدا عن أبحاثه ومقالاته وأعماله العلمية المتنوعة.
عانى عبد الستار من الاستهداف المتكرر لشخصه ولممتلكاته، وسيرته أكبر شاهد على محاولات تحييده عن الواقع السياسي، لكنه ورغم كل ما مضى لا زالت عزيمته عصية على الكسر، وإرادته الصلبه لم تهتز يوما، عانت الى جانبه زوجته، فكانت الصبور والمساند له، بخوفها وشغفها عليه أشعلت قلبه، وبكلمتها الرقيقة رفعت عزمه، كانت الى جانبه دوما فإذا التفت عن اليمين وجدها وإذا تفقد الميسرة كانت قبل النظرة تناظره، كانت وما زالت المرأة وراء العظيم.
أما أبناءه محمد، ميس، فيصل، والصغرى سماح، لم يقصر بواجبه التربوي تجاههم أبدا، فزرع فيهم الانتماء، وقيم العزة والكرامة، ووجوب مناهضة الظلم والظالم، وقيم الالتزام والعمل.
مازال أ.د.عبد الستار قاسم يمارس بشغف عمله كمحاضر في جامعة النجاح الوطنية، ويحافظ على خطاه ثابتة في مسيرة البحث والعلم، فلم يزايد أحد عليه يوما أكاديميا أو وطنيا أو أخلاقيا، كالشعلة منذ ولادته والتي مازالت تضيء عتمة العقول ويستنير بها من فقد الضياء. ودوما فإن للقصة بقية ... ...