أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
التحايل على حق العودة!!

بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 18.05.2011

يتعرض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وممتلكاتهم في الأرض المحتلة/48 للكثير من التحايل والتلوي والتلون، وذلك بهدف شطب هذا الحق على اعتبار أن:
1- من يريد العودة لا يريد إقامة سلام مع إسرائيل، وبالتالي فهو مناهض للسلام والمحبة بين الأمم. ويضيف المجادلون بهذا بأن الشعب الفلسطيني شعب وديع ومسالم، ولا بد أن يثبت للعالم أن يده ممدودة للسلام على الرغم من كل الجراح؛
2- عودة اللاجئين تعني أنه لا مكان لليهود في فلسطين، وأن إسرائيل ستنتهي كدولة، وسيصبح الفلسطينيون أكثرية يسيطرون على الحكم والإدارة. أي ان المطالبة بحق العودة عبارة عن رفض للاعتراف بإسرائيل مما يتناقض مع المواثيق الدولية.
طبعا يتجاوز هذا التبرير العقيم حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه وتقرير مصيره بيده، وكأن الوجود حق لإسرائيل.
القرار 194
يتمسك فلسطينيون بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لأنه ينص على حق العودة، وهم يبرزونه في المحافل الدولية المختلفة كجزء من الشرعية الدولية التي يتمسك الجميع بمبدأ تطبيقها. لا ضير في ذلك بخاصة بالنسبة للذين يؤمنون بما يسمى بالشرعية الدولية، وبضرورة تطبيقها كوسيلة مثلى لإقامة سلم عالمي. لكن من الضروري الانتباه إلى النقاط التالية:
1- حظي قرار الجمعية العامة رقم 194 بتأييد الدول الغربية التي أقامت إسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة، بينما عارضته الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها مصر والسعودية وسوريا ولبنان وأفغانستان وباكستان، وكذلك الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي. لم يكن القرار برمته لصالح العرب، وإنما ركز في الأساس على ضرورة التوافق بين الأطراف المتنازعة، أي جرّ العرب نحو الاعتراف بإسرائيل.
2- نص القرار الخاص باللاجئين وهو البند رقم (11) لا يبعث أساسا إلى الاطمئنان لأن صياغته مضللة إلى حد ما، وليست قاطعة مانعة. يقول القرار "تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم والعيش بسلام مع جيرانهم ووجوب وضع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى بيوتهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.‏" لا ينص القرار على عودة اللاجئين الفلسطينيين فورا، وإنما يربط العودة بالوقت المناسب. هذا نص مضلل لأنه لا يعرف الوقت المناسب، ويترك الأمر لمجهول ليعرّف الوقت المناسب ويحدده. وقد مضت سنوات طويلة، ولا يبدو أن الوقت المناسب قد حان. من الذي يحدد الوقت المناسب؟ حتى الآن الأمر بيد مجهول.
3- لا ينص القرار على حق العودة، وإنما ينص على وجوب السماح بالعودة، على اعتبار أن هناك من يعطي إذنا لهذه العودة، في حين أنه من المفروض أن حق العودة لا ينتظر سماحا أو إذنا من أحد، وذلك وفقا لإعلان حقوق الإنسان المقر بالإجماع من قبل الدول المشاركة في وضعه في حينه.
4- يشترط القرار العودة بالرغبة بالعيش بسلام مع الجيران، وهم بالتأكيد اليهود الذين نهبوا الأرض وشردوا الشعب. من الذي يقرر هذه الرغبة؟ لقد ترك القرار الأمر مفتوحا للتفسيرات، وترك المسؤولية عائمة.
5- من الضروري أن ننتبه إلى أن القبول بجزء مما يسمى بالشرعية الدولية يعني القبول بكل الشرعية الدولية. لا نستطيع أن نكون انتقائيين فنقبل ما يعجبنا ونرفض ما لا يعجبنا. المعنى أن من يقبل 194، يقبل 181، ويقبل صك الانتداب الذي قسم بلاد الشام، وألزم بريطانيا بضرورة تنفيذ تعهداتها الدولية في فلسطين، أي تحويل فلسطين إلى وطن قومي لليهود وفق تصريح بلفور.
على أية حال، القرار 194 يشكل غطاء رثا للاحتماء به.
قرار مجلس الأمن 242
لم يكترث العالم بحق العودة للشعب الفلسطيني، ولم يتذكر أن هناك لاجئين إلا بعد حرب عام 1967، وذلك في قرار مجلس الأمن 242. وهنا أضع الملاحظات التالية:
1- 242 عبارة عن قرار صادر عن مجلس الأمن، بينما 194 صادر عن الجمعية العامة. أي أن 242 يكتسب مكانة شرعية (وفق معايير الشرعية الدولية) أرقى من مكانة 194، ويتخطاه. قرار مجلس الأمن يقفز عن 194 ويتركه مهمشا، بل ومتضائلا في قيمته القانونية.
2- لم يأت 242 على ذكر الفلسطينيين او اللاجئين الفلسطينيين، ولم يذكر منظمة التحرير الفلسطينية، وحرص على إقامة سلام بين دول المنطقة، مع التركيز على تلبية شروط إسرائيل لإقامة هذا السلام.
3- نص 242 على "حل قضية اللاجئين حلا عادلا." لم يقل النص اللاجئين الفلسطينيين، وترك الأمر مبهما، كما ترك مسألة الحل العادل مبهمة وخاضعة للتفسيرات والتأويلات.
4- يشكل نص 242 تراجعا كبيرا عن نص 194، وحتى أنه لم يذكر كلمة سماح ولا الوقت المناسب.
اتفاق أوسلو
اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل في اتفاق أوسلو، وقررت التعاون الأمني مع إسرائيل. هذا بحد ذاته يشكل تنازلا عمليا وقانونيا عن الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. وقد ترك هذا التنازل مسألة حصول الفلسطينيين على شيء من حقوقهم للمفاوضات، أي للطاولة التي تسود فيها القوة على الضعف، أي لإسرائيل.
شكل اتفاق أوسلو تراجعا كبيرا عن قرار مجلس الأمن 242 لأنه ترك قضية اللاجئين الفلسطينيين لمفاوضات الوضع الدائم. وهنا مشكلة كبيرة تتمثل في تنازل الفلسطينيين عن حق لا لبس فيه، وترك أمر اللاجئين لمساومات. لم يصر الجانب الفلسطيني على حق العودة، ولم يشترط الاعتراف بإسرائيل بالاعتراف القانوني والعملي بحق عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه. وقد شكل هذا ضربة قوية للثوابت الفلسطينية التي تم تقليصها إلى المطالبة بدولة على الضفة الغربية وغزة. ومن المهم أن نلاحظ أن اتفاق أوسلو ترك أمر اللاجئين لمفاوضات قادمة، وليس أمر عودة اللاجئين.
لم يمنع اتفاق أوسلو قيادات فلسطينية في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية من التحدث في المهرجانات والمؤتمرات عن حق العودة. الذي يعترف بإسرائيل لا يريد حق العودة، ولا يريد حق تقرير المصير، ويكتفي حقيقة بكيان فلسطيني تحدد إسرائيل معالمه.
وحتى يضفي بعض القياديين الفلسطينيين صبغة الاستهلاك الشعبي على تصريحاتهم بشأن حق العودة، حاولوا المزاوجة بين قرار 242 وقرار 194، وقالوا بأنه من الضروري حل قضية اللاجئين حلا عادلا وفق القرار 194. هذه صيغة تحايل على الشعب الفلسطيني، ومن المفروض أن يكون القول واضحا وصريحا وينص على حق العودة بدون رتوش وبدون اعتراف بإسرائيل.
وقد تم ابتكار مصطلحات جديدة على الساحة الفلسطينية من أجل تغييب الوعي الفلسطيني بحق العودة وبحق الشعب في وطنه مثل مصطلحي الأراضي الفلسطينية وشطري الوطن. شاع بعد اتفاق أوسلو مصطلح الأراضي الفلسطينية ليعني الضفة الغربية وغزة، وفي هذا ما يشطب الأرض المحتلة/48 من دائرة الأراضي الفلسطينية، والهدف هو زرع تعريف جديد لفلسطين في عقول ونفوس الأجيال الشابة والقادمة لغاية نسيان الوطن. ويشيع في وسائل الإعلام الفلسطينية الآن مصطلح شطري الوطن ليعني أيضا الضفة الغربية وغزة، وفي هذا أيضا محاولة خطيرة لتغييب الوعي الفلسطيني وحصر الوطن بالضفة الغربية وغزة.
اتفاقية وادي عربة
لم تأت اتفاقية وادي عربة بين الأردن والكيان الصهيوني على ذكر حق العودة، لكنها ألغت هذا الحق من خلال اللف والدوران. فمثلا نصت الاتفاقية على أنه يجب منع الحركات السكانية القسرية التي تؤثر على الطرف الآخر، ونصت أيضا على أن قضية اللاجئين سيتم طرحها على لجنة رباعية تشارك فيها السلطة الفلسطينية ومصر. أي أن الاتفاقية تركت أمر اللاجئين وليس أمر عودة اللاجئين للمستقبل من الناحية الرسمية، وقضت عليها من الناحية الفعلية.
المبادرة العربية
استوحت المبادرة العربية التي صدرت عام 2002 في بيروت موقفها من قضية اللاجئين من قرار مجلس الأمن رقم 242. أراد القادة المؤتمرون وضع نص يقول بأنه من الضروري حل قضية اللاجئين حلا عادلا، لكن الموقف السوري اصر على التعديل، وأضاف عبارة وفق قرار 194. وبهذا تعتبر المبادرة العربية متطورة قليلا في موقفها عن موقف منظمة التحرير الفلسطينية.
الشعب صاحب القضية
لقد بادر شباب فلسطين يوم 15/أيار/2011 بحمل قضيتهم بأيديهم، وقرروا إحياء يوم النكبة ميدانيا. لقد أثبتوا حضورهم، وتراجعت أمامهم كل القيادات. ولعل في هذا درسا واضحا للجميع وهو أن الشعب هو صاحب القضية، وعليه أن يبقى ساهرا عليها من المزايدات والمناقصات والتضليل والبيع والشراء. وهذه هي مهمة كل فئات الشعب وعلى رأسها فئة الشباب والشابات. الشعب لا يخدع نفسه، على الرغم من إمكانية وقوعه في الخديعة أحيانا.
من الضروري أن يقف شعب فلسطين شامخا في وجه كل محاولات السياسيين الفلسطينيين والعرب وغير العرب النيل من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وألا يترك القضية ميدانا للعبث والكذب. ما حصل يوم 15/أيار يؤكد الالتزام الشعبي بحق العودة، ومطلوب أن يمتد هذا الالتزام إلى أيام أخر على مدار العام، كل عام.