بقلم : ديمة كرادشة ... 29.10.2010
بالرغم من حصول العديد من النساء على فرص التعليم العالي وتقلد أعلى المناصب إلا أن نظرة البعض منهن لأمور الحياة ما زالت في دائرة الحيز الخاص ، فمرحلة إكتشاف الذات لدى المرأة – وهذا المصطلح الذي أستخدمه للتعبير عن مطالبة المرأة بالحرية ، جاء في مرحلة متقدمة من الحركة النسوية - هي رحلة بدأت مع نضال الحركة النسوية في الخمسينات أو حتى ما قبل ذلك محاولة منها في الخروج من الحيز الخاص إلى الحيز العام كما أسمته" آن كوديت ؛كل ما هو شخصي هو سياسي ايضاً ".حيث بدأت بمواقف دفاعية ومطالب إجتماعية وسياسية ثم تحولت إلى مواجهة القمع الذي تعيشه من خلال تحدي حتمية السلطة الأبوية الى أن وصلت الى المرحلة الأهم في تاريخ الحركة النسوية ،حسب رأيي ، ألا وهي البحث عن "الهوية الانثوية" والتي مكنتها من مواجهة التحديات بخارطة طريق واضحة المعالم لما تريده النساء ،وذلك من خلال حشد الجهود والعمل على مستوى جماعي وليس فردي والانتقال من معرفة "الأنا" إلى ال" نحن" هذه الرحلة لم تكن باليسيرة بل كانت تواجهها التحديات والصعوبات من قبل المجتمع الأبوي المتمثل بالأعراف والتقاليد أولاً أو من قبل النساء أنفسهن اللواتي لم يستطعن التفكير بأفق أبعد من الحيز الخاص بسبب تأثير الرجل عبر التاريخ على تشكيل عقلية الأنثى وبأنها أقل منزلة ومحدودة القدرات والإمكانيات لتعيش حياة أفضل مما هي عليه.
وبهذه المساحة الضيقة التي أتاحها الرجل للمرأة في التعلم والعمل والتفكيرالحر!! لن تتمكن من مواجهة حقائق الحياة بعقلانية وشمولية ومعرفة حقيقية للخروج الى الحيز العام . لذا واجهت هذه المرأة في سعيها إلى المطالبة بحقوقها الإنسانية وإتاحة الفرصة للعمل في النطاق الأوسع والأشمل واجهت العناء والمشقة في حياتها ، ودفعت وما زال تدفع الثمن الباهض من خلال التشهير بخروجها عن التقاليد والاعراف او بانكارها للأديان او بأنها تدعو الى الإنحراف والخروج عن المألوف وغيرها من الإتهامات الأمر الذي دفع بالبعض من اللواتي يسلكن طريق اللاعودة الى التقوقع في بوتقة " منطقة محايدة" تعطيها الشعور بالأمان والإستقرار _ وان كان مؤقت – وتعمل من خلالها بخيارات وحريات محدودة لحين تمكنها من الخروج ومواجهة التحديات ولا نعرف الى متى وهو حال الكثير من النساء في المنطقة العربية اللواتي يدعين او يدعون بالمطالبة لحقوق المرأة .
ان رحلة اللاعودة هي في سبيل المطالبة بأن يكون الحيز الخاص والعام هو متاح للجميع نساء ورجال وليس حكراً على أحد وهنا نجد أن البعض قد يختار الحيز الخاص والبعض الاخر قد يختار الحيز العام او كلاهما وفي جميع الأحوال ، الخيارات مقبولة ومتاحة لذا نستطيع القول أن المرأة تطالب بحقوقها على وعي وفهم وتفكير عقلاني وليس بشعارات وخطابات فارغة تجعل بنات جيلها يتخبطن ويذهبن عبر مسارات فرعية لا توصلهن الى نهاية المطاف الذي نسعى جميعنا الى الوصول اليه وهو العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات .
ما اريد التأكيد عليه أن المرأة قبل أن تطالب بخروجها للتعليم والعمل وممارسة حقوقها الاجتماعية والسياسية وغيرها لابد لها من جلسة خاصة مع ذاتها وقد أسميها ب"جلسة كرسي الاعتراف" ولابد للمرأة من أن تتحرر من كافة القيود والسلاسل التي بداخلها وذلك من خلال القبول الغير مشروط لصفاتها الشخصية الحقيقية والتي تقبع في داخل عقلها وقلبها وفي الحجرات الخلفية من ذاتها ثم يأتي تحقيق التصالح مع الذات ؛والذي برأيي ؛ هو الخطوة الأولى لتحرر النساء والتي تمكنهم فيما بعد من تحقيق أهدافهم بالعدالة والمساواة.....فأي عدالة يريدون وأي مساواة يريدون ؟! ونحن ما زلنا نتخبط نحن الداعيات الى الحرية ما دام عملية المصالحة لم تتم مع انفسنا.
ان رحلة اللاعودة هي رحلة بدأتها المرأة – بالوعي والمعرفة - مع ذاتها ، ومع العالم الخارجي – بالتعليم والعمل - ولن تستطيع التراجع مهما كان الثمن لان العودة تعني الفناء والموت داخل كينونتها والتي سجنتها لعصور طويلة ،أما الاستمرار فيعني الحرية والعدالة والتشارك في الحياة مع الاخر مهما كانت التضحيات.