بقلم : ريما كتانة نزال ... 07.11.2010
هذا العام؛ تم انتقاء عنوان " هياكل العنف: تحديد التقاطعات بين العسكرة والعنف ضد المرأة"، كموضوع لحملة "16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة" ، والتي تبدأ في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام وتنتهي في العاشر من كانون الأول. وتهدف الحملة الى تسليط الأضواء على مظاهر العنف الواقعة على النساء حول العالم، في الفترة الواقعة بين اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة واليوم الدولي لحقوق الانسان. ويتضح من اختيار التواريخ الربط الرمزي ما بين حقوق المرأة والعمل على مساواتها وحفظ كرامتها وبين منظومة حقوق الانسان، واعتبار المس بحقوق المرأة وممارسة العنف ضدها خروجا وانتهاكا لقواعد حقوق الانسان.
يأتي اختيار عنوان الحملة لهذا العام ليركز النظر على أحد أهم أسباب العنف في أماكن عديدة في العالم، حيث يؤدي العنف العسكري بسبب الاحتلالات والحروب والصراعات المسلحة الى تسعير أشكال العنف الداخلي في المجتمعات التي تعيش في مرمى نيرانه، ويستعر العنف الاجتماعي ضد النساء في تلك البلاد ويتضاعف كنتيجة طبيعية لانتشار العنف العام الناجم عن للعنف العسكري، والذي ينعكس ويفرَغ بالمرأة كأحد متنفساته باعتبارها واحدة من الفئات الأضعف في المجتمع. من البديهي أن تركيز البحث والضوء على واقع العنف ضد المرأة في بلدان الصراع المسلح، لا يصادر الحق في تسليط الضوء على جذور العنف الاجتماعي الداخلي ولا يموه على دوافعه، بل لخدمة هدف تظهير العنف المركب الواقع على المرأة في بلدان الصراع المسلح، ومنها العنف المركب الذي تعيش تحت وطأته المرأة الفلسطينية التي تتعرض لاحتمال أن تزهق حياتها مرتين.
يعتبر مشهد العنف في فلسطين كأحد المشاهد التي لا تنتهي بسبب خصوصية الوضع الفلسطيني بوقوعه تحت الاحتلال منذ أكثر من ستين عاما. ويمارس الاحتلال جميع أشكال العنف بشكل مباشر او غير مباشر على المرأة بهدف احكام قبضته على الشعب وأرضه. وقد تسبب الاحتلال في قتل آلاف النساء واعتقالهن واعاقتهن بشكل فردي وجماعي في داخل الوطن وفي خارجه في المراحل المختلفة، حيث يمارس الاحتلال قمعه وتنكيله ضد الشعب الفلسطيني في جميع مناطق تواجده وفقا لاحتياجات ومتطلبات خططه الاحتلالية والامنية، وينقل جيشه وحروبه حسب المخاطر المحيطة بمشروعه الاحتلالي الاحلالي، لذلك فالخطر والعنف الرئيسي الذي يحيط بالمرأة ودورها وحريتها يتمثل بعنف الاحتلال، والذي يجند البعد الاجتماعي التقليدي ويستفيد منه من اجل قمع المرأة وابقائها تحت السيطرة. حيث لا يمكن عزل الاجراءات الأمنية التي يبتدعها الاحتلال والمتمثلة بعسكرة الطرق والحواجز لاعاقة التنقل للعمل والتعليم عن استهداف الاحتلال تجهيل المجتمع بشكل عام، وتجهيل نصفه من الفتيات الشابات بشكل خاص بهدف هلاك المجتمع على الصعيد الفكري والسياسي والاقتصادي. فالمجتمع الجاهل يسهل قمعه والسيطرة عليه ويعاق تنميته واستقلاله.
وفي الوجه الآخر لعملة العنف، لا يمكن اعتبار الاحتلال هو المنتج الرئيس للعنف وإغفال الجوانب الاخرى ومصادر العنف الاخرى التي تعمل ضد المرأة. فالواقع الاجتماعي الذي تحركه منظومة من السلطات العشائرية والعقائدية الى جانب سلة من الموروثات والعادات والتقاليد، تؤثر على المرأة بشكل معقد وعنيف.
ما الجديد في زوايا العنف بعد عشرات السنين من تعاقب تفريغ محتوى الساعة الرملية.. ما هي نقطة الضعف المسببة في اعادة انتاج دورة العنف الذي تبدو مؤشراته في تصاعد .. ما الحلقة المفقودة في مسلسل العنف.. بديهي بأن المعالجات التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني على الصعيد الرسمي وغير الرسمي تساهم في حصار الظاهرة لكنها غير قادرة على معالجتها، وذلك بسبب استمرار تمسك الضحايا والمجتمع بأهداب الصمت عن الظاهرة وعلى رأسها العنف المختبئ في المنازل، والذي تشير الاحصاءات على حظوته بنصيب الأسد من حصص العنف ..
يكتسب الصمت في الوعي العربي معنى جماليا وفضيلة، فالسكوت في الحكمة العربية مصنوع من ذهب، بينما صنعت الكلام من فضة. والصمت أجمل في حالة صمت المرأة، حيث يكسبها الكمال والسحر والغموض والاحترام، ويرتبط كلام المرأة في الثقافة التقليدية بالثرثرة، والمرأة المفضلة هي التي لها فم ليأكل لا ليتكلم...
لذلك فان احد أهم المعالجات للعنف وخاصة المنزلي الأكثر اتساعا، يتمثل أولا بالاعتراف المجتمعي بوجوده على الرغم من حساسيته نظرا للأدوار المتنوعة التي تؤديها الأسرة وبما يجعل جدار الصمت يطبق طويلا حولها. وفي الوقت ذاته، فان استمرار انكار وجود العنف الأسري يعيق عملية اتخاذ التدابير لمنعه واتقائه؛ ويجعل أفرادها يتعرضون للانتهاكات دون شكوى او اعتراض، ولا يمكن من التعامل مع أطرافه وعلى وجه الخصوص الضحايا والجناة بآليات التوعية والتأهيل والاصلاح وتبيان مخاطر العنف الأسري على تماسك الأسرة واستقرارها.
ان اختيار عنوان حملة "16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة" يتناسب مع واقع وبرنامج المرأة الفلسطينية. فالربط بين هياكل العنف الاحتلالي والاجتماعي يجد أجوبته الفلسطينية من خلال تحليل أثر بيئة القمع السياسي والوطني على بناء الشخصية الفلسطينية، دون الوقوع في فلسفة التبرير وكأنه العامل الوحيد في بناء عوامل العنف، أو تصويره كأحد أشكال ردود الفعل على عنف الاحتلال.
ان الربط بين العنف الاجتماعي والاحتلالي يمكن المرأة الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة من عرض المشهد بأبعاده الحقيقية، كمجتمع يعيش في دوائر مغلقة من العنف، وبأن القضاء عليه يشترط ان يسبقه اخراج الاحتلال من الأرض كأحد العوامل الأساسية في تغذية وتبرير أشكال أخرى من العنف الداخلي ومنها العنف الاجتماعي..