بقلم : ديمة كرادشة ... 24.11.2010
من منا يعيش "الانا" الحقيقية التي تحدث عنها فرويد وقال انها حالة التوازن التي يسعى الانسان للوصول اليها ما بين قطبين متناقضين هما "الهو" والذي يمثل مجموعة الغرائز والنزعات والتي تختزن في ذاكرتناوتعبر عن ميولنا الفطري و"الانا العليا" والتي تمثل الاخلاق والضمير وكافة المثل العليا .وبالأخص نحن معشر النساء اللواتي تتطلب منا الحياة ؛تعدد الاناوات؛ لنتمكن من العيش المشترك مع الشريك المفترض . وأين هو العيش المشترك ؟ إنما هو العيش باتجاه واحد وحسب شروط وقواعد هذا الأوحد ...وما هي الحرية التي نعيشها إلا وهم نرغم أنفسنا على تصديقه لصعوبة مواجهة الحقيقة المريرة والتي تحرّم علينا الحرية التي نريد وتحيك لنا الحرية التي يجب ان نرتدي....أي حرية ونحن ما زلنا نحتفظ في داخلنا بحاجات ورغبات لا نقدر على البوح بها ، ومازالت معايير الكون تسير بإتجاهين متناقضين لصالح الرجل طبعاً...أي حرية تلك التي خرجنا بها الى العمل لنعود في أخر النهار نقوم بأدوارنا التقليدية من انجاب ورعاية اطفال ونظافة المنزل وتجهيز الطعام وغيرها من الحاجات التي لا تلبى إلا من قبل المرأة وبحجة أن المرأة الأشطر والأقدر على أدائها ...أما عند الخروج الى ميدان العمل تبدأ المعايير المزدوجة بالظهور فتصبح المرأة هنا الأضعف والأقل قدرة على تحمل صعوبات هذا العمل او ذاك ....ويتناسوا أن لحظة واحدة من الالام المخاض لتطيح بأقوى الرجال . والى غير ذلك من محددات العيش المشترك !وسأعود الى بحثي عن "الانا" التي تبحث عنها جميع النساء ،لا ولن تجدها ..ولكن انتظروا قليلاً!!...ليس لانها غير قادرة على التعرف على رغباتها وطموحاتها والقبول بقدراتها وصفاتها ورسم معالم شخصيتها أو لانها إنسانه عاطفية حساسية غير عقلانية – كما يدعون- لا تعرف ماذا تريد ، بل لانها ستواجه من التحديات والصعوبات ما يرديها الى الهاوية ..الهاوية التي عاشتها عبر العصور وقاومت وناضلت من خلال ذكاء من نوع آخر لم تتحدث عنه أي من الابحاث والدراسات ولا ينطوي تحت أي من انواع الذكاء العاطفي أو العلمي أو غيره .إنه - ذكاء المرأة - الغير معترف به رسميا من قبل مجتمع الرجال (والذي أصبح في الاونة الاخيرة يشعره بالتهديد لذكورته ) أصبح على المرأة ان تعيش عدد من الأناوات إذا صح التعبير ، فالمرأة الانسانه هي الضعيفة، الهشة ، الغيورة، ...صفات متعددة تختفي وتظهر حسب المواقف والاحداث التي تواجهها ،ثم تؤدي أدوارها المتنوعة والتي تبدأ بالام والابنة وما ان تخرج من كنف الاسرة تصبح هي العاشقة والخليلة سواء في اطار العلاقة الزوجية او خارجها ثم لتنتهي عاملة وكادحة ترزح تحت سلطان الرجل الذي أناه لا تتغير على مر العصور ،فهو الاب أو الأخ أو الزوج جميعها تحمل نفس المكانة والدور، وتصبغها بلون المسيطر والقاضي والحاكم فكلها أدوار ورموز للسلطة والقسوة وليس بحاجة الى تجميلها او تغييرها فليس امامه خيار انه هو الذكر ويجب ان يحافظ على ذكورته وبالمواصفات ذاتها منذ عصور، أما هي فأنوثتها لينة ويمكن ان تاخذ اشكال عديدة لتتمكن من العيش بسلام وأمان . أهكذا افترض فرويد " الانا" عند الانسان ...أم أنه خص فيه الذكر عن الانثى ،أما هي فليس لها "الأنا" بل هي اشباه انسان وستبقى كذلك تائه ضائع في فلك الرجال .
ولكن الى متى ...لا أظن أن الأمر سيطول على هذه الحال ...فقضية "الانا" عند المرأة اصبحت قضية جوهرية وتدافع عنها أمام الرجل وليس ضده بل من خلال مشاركتها إياه في كافة جوانب الحياة ،سواء سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا . بل أظن أن على الرجال أن يحذروا "الأنا " لديهم ويعملوا على تطويعها وإعادة صياغتها من جديد ومع شريك ومماثل له في الخصائص والمميزات ،إنه الانسان الاخر الذي خلق معه في هذه الارض ومن نفس طينتها . فالذكورة التي كان يعتد بها افرزتها ادوار الرجل التقليدية في كونه المعيل والحامي ، وهو رمز السلطة والمهيمن لقوته الجسدية والعقلية ، وادواره التقليدية في مجتمعه البطريركي الذي أوجده ووضع له قوانينه .إلا أن الموازين اختلفت في الوقت الحاضر، فلنبدأ بمهمة المرأة في الانجاب والتي لم تعد محددة بالرجل فالتطور التكنولوجي حررها من هذا المانح ، وتربية الاطفال والمشاركة الاقتصادية اصبحت من الامور المشتركة لكونهما يعملان ويدران الدخل للاسرة بنفس الاهمية ،بل وأصبحت القوانين والتشريعات تحمي كلا الطرفين فيما يخص العلاقات الزوجية والعاطفية، فخرجت المرأة عن ادوارها الاسرية لتثبت قدرتها على القيام بكافة الأدوار وتشارك الرجل بالحياة مشاركة عادلة تقوم على المساواة وهنا لابد للرجل أن يخرج عن أدواره التقليدية ويشاركها اللعبة في تعدد الاناوات هذا التعدد الذي كان نقمة في حياة المرأة، فحولته الى نعمة نتشارك بها مع الرجال لتصبح عبارة -العيش المشترك- حقيقة وليس وهم.