أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
القاعدة تحت جناح المعارضة السورية!!

بقلم : صبري حجير*  ... 24.12.2011

يبدو أنّ الأمرَ باتَ واضحاً الآن ، بعد مرور تسعة أشهر على الأحداث في سوريا ، فالفوارق باتت فاصلة ، والتباينات واضحة ، بين ثورة عربية وأخرى ، فيما بات يُعرف بالربيع العربي . الثورتان المصرية والتونسية تميزتا عن غيرهما بأنهما جاءتا مباشرتين وعفويتين فحققتا المفاجأة ، وتميزتا بالإتساع الشعبي ، والتدفق الجماهيري الذي غطى المدن والشوارع والساحات ، فأحدثَ الشعب العربي في البلدين ، بقوة الحراك والتدافع الثوريين تغييراً دراماتيكيا ، تجسدَ في اسقاط رأسي النظامين بالسرعة اللافتة . فلم تُتح الفترة القصيرة نسبياً ، الوقت لتدافع دولي أوإقليمي للتدخل في شأن الثورتين . فوقف العالم مشدوهاً أمام شعب عربي أخذ ذمامه بيده وأسقط أنظمته وهزمها . حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تمارس لعبة التوازن المتاحة ما بين الشعب الثائر والنظامين المترنحين ، فلم تفلح ، فباتت مضطربة ومتقلبة لحينٍ من الوقت ، ما جعلها بعد عدة مناورات أن تنحاز تكتيكيا لجانب الشعب وثورته ، لعلها تجد لها معبراً تنفذُ منه لتعيد استخدام أوراقها من جديد ، في ذلكَ الفيضان المتدفق !
لابد من التدقيق والبحث في مواقف وتوجهات ومكونات ومضامين الأنظمة العربية التي سقطت والتي مازالت .
الحراك الشعبي الذي انطلق في سوريا في 15 – آذار – 2011 شقّ طريقه في الشوارع السورية بشعارات مطلبية ديمقراطية ، كانت تطالب بالحرية والعدالة والديمقراطية ، اعترف الرئيس بشار الأسد بأحقية المطالب الشعبية ووعد بتحقيقها ، بل تبنى الرئيس السوري برنامجاً للاصلاح الوطني يحقق تلك المطالب ، فأصدر عدة قوانين وتشريعات ، واطلق حواراً وطنيا للقوى المعارضة وللفعاليات والشخصيات السياسية في البلد . كلّ ذلك تحت سقف شرعية النظام وثوابته السياسية والقومية التي من شأنها أن تؤمن للشعب السوري استمرار مواقف الممانعة والمقاومة والديمقراطية والعدالة الإجتماعية ، بينما النظامان في مصرَ وتونسَ لم يملكا تلكَ الورقة الوطنية التي في يد النظام السوري . لم تكن الشعارات التي رفعها الشارع السوري تتجاوز حدود السياسة الخارجية والمواقف الوطنية والقومية للنظام . الى أن دخلت على خط الحراك الشعبي السوري حكومات وقوى دولية وإقليمية ، مستفيدةً من ظروف البيئة الجديدة في المنطقة ، ونجحت في توظيف أدواتٍ حزبية تتبع لها ( الإخوان المسلمين والوهابيين والسلفيين ) المقيمين في بريطانيا وأمريكا وبعض الدول الغربية والعربية ، في محاولةً لاختراق الشارع السوري ، والنفاذ الى مفاصل حراكه المطلبي لهدف حرف مسيرته وأهدافه عن اتجاهاته المطلبية الى اتجاهات المطالبة باسقاط النظام ، ورفض الحوار معه !
تنامت الإضطرابات في عدد من المدن السورية ، وخاصةً تلكَ المحاذية لحدود الدول العربية ، وتطور الوضع الى حدِّ ارتكاب جرائم وحشية يندى لها الجبين ، على يدِ مجموعات سلفية أصولية وبدعمٍ لوجوستي تقدمه دول الخليج ، وفي ظلِ قوة ضغطٍ واشتباكٍ دولي ، تقودهُ الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ، وباستخدامٍ مفرطٍ للبث الإعلامي المُغرض والمُضلل البعيد عن المهنية والأخلاق ، الذي يدعو الى القتل والفتنة ، اعلاماً تقودهُ غرفُ عمليات سوداء ، على غرار محافل الماسونية العالمية ، في حربٍ اعلامية منظمة ومنسقة تجعل المادة الإعلامية المضللة تتوالى لعدة مرات ، وعلى أكثر من ستين قناة فضائية عربية . لكن اللعبة باتت مكشوفة ، والأدوات مفضوحة ، بفضل إدراك ووعي الشعب السوري لمدى المؤامرة التي يتعرض لها وطنه .
بعد تسعة أشهر بدتِ الصورة واضحةً ، والأدوات الخليجية الموظفة من قبل أمريكا والغرب أخذت تلعب على المكشوف ، فما عاد مهماً لذلك الوزير القطري صاحب نظرية الإستجداء أن يتستر بأيّ رداء !
برنامج الإصلاح والتغيير الذي طرحه الرئيس بشار الأسد ، لاقى استجابة من الأغلبية الشعبية الصامتة التي تريد الإصلاح والحفاظ البلاد ، وانحازت اتجاهات وحركات وطنية معارضة الى مقتضيات التغيير المأمول ، وباتت في دائرة التفاعل الإجابي مع تطلعات الشعب الحريص على وطنه ومبادئه الوطنية .
وبقيت المعارضة الخارجية تتابع ، بل تصعد من مواقفها ، وترفع وتيرتها بشعارات تستبيح بها الكرامة الوطنية والأمن القومي للبلد ، وتذهب في مواقفها المعلنة الى شواطئ صخرية خطيرة ، من شأنها أن تغرق البلد وتقسمه ، وتقضي على قلعة العروبة التي لطالما شكلت في التاريخ المعاصر جبهة الحماية للمقاومة العربية . لم تتطرق المعارضة السورية بالخارج الى طرح شعارات وطنية وقومية من شأنها أن تكسب الشارع السوري المعروف بوطنيته وإيمانه بعروبته ، لأنها كما بدا تتحرك وتنطلق وفقاً لأجندات سياسية أمريكية ، فعلى مدى تسعة أشهر لم تلتفت المعارضة السورية الى موضوع تحرير الجولان كشعار وطني ، قد تختلف مع النظام السوري بشأن تحريره ، بينما النظام الذي يحكمه حزب البعث مازال يضع في برامجه السياسية قضية الصراع العربي الإسرائيلي ، وما زال يعبئ شعبه على حتمية استرجاع الأرض المحتلة بما فيها فلسطين والجولان . ونتيجة فشل وتقهقر الجماعات السورية المعارضة المرتبطة بالأجندات الأمريكية والغربية ، شرعت الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام منظمات ارهابية عالمية (كالقاعدة ) تحت جناح المعارضة السورية ، تستبيح الدم العربي السوري ، وتبقي النظام يقف على عصب الوتر المشدود ، لاجل منع مسيرة الإصلاح في سوريا ، فليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ، وليس من مصلحة الكيان الصهيوني أن يكون بجانبه دولة عربية حرّة وديمقراطية . هذا الإستخدام الأمريكي لمنظمات ارهابية عالمية ومسجلة في القوائم الدولية للارهاب ، من شأنه أن يورط المعارضة السورية وخاصةً الخارجية منها ، ويوصمها بعلاقات مشبوهة ، قد يترتب عليها مسؤوليات قانونية دولية في المستقبل (غوانتنانو )!

*كاتب فلسطيني في السويد