أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
شذوذ الأنظمة والشعوب العربية!!

بقلم : سهيل كيوان  ... 29.12.2011

قيام عشرة أو عشرين نذلاً من جهاز أمن ما بضرب وتعرية سيدة في الشارع ممكن استيعابه رغم الكم الهائل من القرف الذي يسببه المشهد، ولكنه يبقى أقل إهانة واحتقارًا من إجراء فحص عذرية المتظاهرات، ثم إذا كان بالإمكان فحص عذرية المتظاهرات طبيًا فكيف يمكن فحص عذرية المتظاهرين الذكور مثلاً!
ثم كيف يمكن أن نعرف بأن الوزير أو القائد أو الضابط أو فضيلة القاضي أو رجل الأعمال أو المتظاهر ليس لوطيًا وغير فاقد ألف مرة لعذريته!إنّ مجتمعًا يرضى بإجراء فحص مهين كهذا هو مجتمع مريض وبلا أدنى شك يعاني من الشذوذ واللواط والسحاق والتحرش الجنسي والاغتصاب والاعتداءات على الأطفال وحتى معاشرة الحيوانات كملاذ خصوصًا وهو عاجز عن توفير مقومات فتح البيوت الجديدة واستيعاب الأجيال الشابة بطاقاتها وغرائزها الطبيعية.
الشذوذ يبدأ من الأنظمة نفسها، وهي لا تخجل بهذا بل تسعى لإثباته، وذلك كي لا تنطبق عليها المعايير التاريخية لما يعنيه النظام التقليدي من نهوض أو سقوط، وكي تظهر بأن شذوذها طبيعي ومقبول بل وضروري فهي تتهم شعوبها بالشذوذ، فالشعب الشاذ يحتاج إلى نظام شاذ، وبهذا المعنى فإن الحديث عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لأمة العرب هو بدعة غربية غريبة عن طبيعة هذه الأمة وتركيبتها وثقافتها وحضارتها، وهناك كثيرون من مثقفي الأنظمة روّجوا لفكرة بأن هذه الأمة ستدمر نفسها ذاتيًا إذا ما مُنحت لها الحرية التي لا تحسن استخدامها، فهي ما زالت طفلة قد تقطع الديمقراطية جديلتها وتفقأ عينيها، بل ولا ينطبق عليها ميثاق حقوق الإنسان، لأن الإنسان العربي والأحرى الإنسانة العربية مختلفة عن أي إنسان آخر على وجه البسيطة، ولهذا يجب قطع الأيدي والأصابع والحناجر التي تهتف للحرية، لأن المقصود بالحرية هو إضعاف الأمة وإلحاقها بالغرب المعادي لنا تاريخيًا، وهذه خيانة سواء كانت هذه حرية سياسية أو فكرية أو اجتماعية، ولكن وبما أن اتهام الملايين من أبناء الشعب بالخيانة قد يؤدي إلى بقاء النظام بلا شعب، يعلن النظام بأن شريحة صغيرة فقط من الشعب هي الخائنة والمتآمرة، هذه الشريحة قد تتهم بعذريتها إذا كانت أنثى أو ترمى بالقاعدة والتطرف إذا كانت ذكراً، فإذا كانت من الرجال والنساء اتهمت بإثارة الفتن الجنسية والطائفية في القاهرة وحمص وحماة كمثال.
تتوارث الأنظمة القمعية عبر التاريخ قصة العدو الخارجي، فهو عامل ضروري لاستقرار السلطة القمعية، وإذا لم يكن موجوداً أو أن وجوده ضعيف يجب خلقه وتضخيمه وتقويته، فالشعب يجب أن يخرس عن المطالبة بصغائر الأمور مثل'الحرية' وتغيير الدستور الأبدي عندما يكون الوطن كله مستهدفاً بأحراره وعبيده ودستوره..
لا شك أن دمغ الثورة بالمؤامرة الصهيونية الأمريكية العثمانية هو أسهل الأمور في سورية، وبالمؤامرة الإيرانية وحزب إلهية في البحرين والخليج، وبالمرتدة والرافضة والكافرة والخارجة على طاعة أولي الأمر في السعودية، وناكرة للنعمة وحاسدة في الأردن والمغرب، وفي فلسطين يسمونها مزايدات تارة، وتارة يسمونها تواطؤات، المشترك بين جميع الثوار أنهم عرب شاذون لأنهم يحلمون بالحرية...
العدو الصهيوني الأمريكي ودسائسه لم تعد كافية، لأن هذا عدوٌّ مفروغ منه، بل وأدمنته الأمة، ولا يلبي رغبة وحاجة النظام، ولهذا يحتاج النظام إلى حشد مزيد من الأعداء فيضيف الأنظمة العربية السابقة واللاحقة الممثلة بالجامعة العربية، ولكن ما دامت المؤامرة كبيرة بهذا الحجم، لماذا لا يريحنا النظام ويتنازل لشعبه، ثم لماذا لا يفرك بصلة بعيون الأعداء ويسمح بدخول الإعلام ليرى ويكتشف المؤامرة بنفسه، طبعاً لأن وسائل الإعلام متحيزة للأجندة المعادية، وإذا دخلت ستحرّف الحقائق، وفقط إعلام النظام هو الموضوعي والنظيف والخفيف والذي لا يخوض أبداً إلا بقضية المؤامرة، وهو غير متحيز إلا للنظام الذي لا يشبه أحدًا...
وتبقى مشكلة كبيرة أخرى هي أن الجيش يفهم لغة الشعب، ومعظمه يملك مشاعر الشعب لأنه ابن الشعب، حتى وإن كانت قياداته في معظمها مرتشية ومنتقاة على الطبلية كحبات العدس، وقد يشعر بعض الجيش بالألم ولن يستطيع الاستمرار بالتعامل مع أهله الثائرين كأعداء وتقطيع أيديهم وتخريب ممتلكاتهم وحتى قتلهم، لهذا يسعى النظام لتطهير أجهزته الأمنية بشكل شبه يومي وفي أحيان كثيرة بالقتل، ولأنه شاذ كما يؤكد هو نفسه
فقد يستثمر جثث هؤلاء الجنود ويشيعهم ويضع الأكاليل على أضرحتهم، لأن الغاية تبرر الوسيلة فيصفي بعضهم ثم يزعم أنهم ضحايا لعمل مسلح، وقد يكون هذا صحيحاً في بعض الحالات وأتى رداً على واقع فرضه النظام بعد أشهر من التقتيل، ولكن هل يعقل أن الجماعات المسلحة قتلت ألفي رجل أمن سوري كما يزعم النظام...
لقد أثبتت الثورة العربية المعاصرة أن حجب الحقائق في عصر الهواتف النقالة بات ضرباً من المستحيل، صحيح أنه قد يحجب جزءًا منها ولكن ليس كلها، والشتائم للقنوات والشخصيات المناوئة والحديث عن المؤامرة الفضائية لم يعد مقنعًا أمام صور العائلات المنكوبة والجثث المقطّعة وقصف الأحياء العشوائي في المدن الثائرة...ثم إن وصف المحتجين بالجراثيم سبق قصة المؤامرة والتدخل الأجنبي بأشهر كثيرة...
مشكلة أخرى يواجهها النظام هي حلقات الدبكة والأناشيد الجماعية التي لم يسجل تاريخ الثورات على مر التاريخ مثيلاً لها، وهذا أمر مربك، هجوم قوات الجيش على حلقات الدبكة أو على الأجساد المتمايلة طرباً وغناء أمرٌ جائز ولكن الأفضل ترك هذا العمل الدنيء للشبيحة..
النظام السوري ذكي ومحنك ويجيد خلط الأوراق بامتياز ومدعوم من قوى عظمى مثل روسيا والصين، ولهذا لا يسرع في التوقيع على المبادرات سواء كانت عربية أو أجنبية، هكذا يمنح الشعب الثائر شعوراً بأن العالم تخلى عنه وأن لدى النظام قدرة على مواجهة العالم وانتقاداته وعقوباته، وقد ظهرت نتائج مثل 'الجامعة العربية قتلتنا' 'صمتكم يقتلنا' 'العالم تخلى عنا'، مثل هذا يمنح النظام شعوراً مؤقتاً بالنصر على شعبه، ويجعله يعيش أملاً شاذاً بالفعل بقدرته على احتواء الثورة وكسر ظهرها، أو أن تتراجع عن مطالبها الجذرية وترضى من الجمل بأذنه، ولهذا يزيد النظام من وجبات بطشه بالذات عندما ترتفع أصوات مثل صوت الجامعة العربية أو دول أجنبية تطالب بوقف العنف تجاه الشعب، وفي هذا السياق لعل النظام السوري تعلم الكثير من إسرائيل التي تضرب بقوة وحقد وفتك أكثر إيلاماً بالذات عندما ترتفع أصوات محتجة على ممارساتها، كي تثبت للمقاومين أنهم في عزلة تامة ولا أحد يستطيع إنقاذهم حتى لو كان قوى عظمى...
لقد أثبت النظام العربي أنه شاذ بالفعل، إذ أن أحداً منهم لم يتنازل برضاه أو اختياره حتى الآن، ولكن وبالمقابل أثبت الشعب العربي شذوذاً كبيراً فلم يعد يخشى سجناً وتعذيباً وحتى موتاً، لأنه ذاق بل قضم من الثمرة المحرمة التي اسمها حرية، ذاقها وجن جنونه، وليس صدفة أن الثورة السورية تمتاز بالغناء والرقص والدبكات، بل وصارت ساحة لاكتشاف المواهب الفنية الجماعية والفردية التي تعتبر فخراً لكل سوري وعربي، ولو أن هذا النظام الشاذ يستحي على دمه لكانت هذه كافية لإقراره بهزيمته وانقلاعه إلى الأبد..