أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
2011 حصاد دسم، و2012 عام حسم!!

بقلم : الشيخ حمّاد أبو دعابس* ... 02.01.2012

يودِّعنا العام الميلادي 2011 بعد حصيلة دسمة من الأحداث ألتي تغيِّر تدريجياً وجه التاريخ. إنه العام المميَّز عن كل لأعوام التي سبقته، من حيث كثافة الاحداث، ووزنها النوعي، وتأثيرها المتعدِّي للمرحلة الاتية. انه عام صناعة التاريخ وصياغتة الجديدة، على مستوى عالمنا العربي ومنطقتنا اجمالاً والعالم. الناظر للاحداث باجمالها يستطيع مشاهدة مسلمَّات كثيرة في طريقها للانتهاء، ففترة السُّبات والسلبية العربية، ومرحلة الَّلافعل انتهت الى غير رجعة، والجماهير العربية بقواها الشبابية، وحراكها السياسي الفاعل انتفضت على واقعها الكئيب وقدَّمت التضحيات الهائلة من اجل تغيير هذا الواقع، وها هي فعلاً تسطِّر صفحات وضيئة في تاريخ امتنا المشرق من جديد. انه الانتقال من مرحلة الضعف والتبعية الى القوة والريادة. وهو كذلك نهاية مرحلة الاستبداد والقهر ومصادرة ارادة الشعوب وبداية مرحلة الديمقراطية وتحقيق الذات واعادة العزة العربية والكرامة الوطنية لكل شعوبنا العربية.
ولو أُتيح لي ان اصنِّف احداث العام2011 المنتهي في موضوعات، حسب دوائر تبعيَّتها، لاختصرت ذلك في بضعة مواضيع ذات صلة بالمقدّمة التي اسلفت وهي كما يلي:
عام الانتفاضة العربية الكبرى
1-ثورة تونس الخضراء- انها الثورة الرائدة، اول الثورات العربية، وانظفها واقلها ثمناً في الارواح والممتلكات، واكثرها نجاحاً من حيث النتائج، والتغيير السلس للسلطة.فالثورة بدأت في قرية تونسية مغمورة اسمها سيدي بو زيد، بعد ان أحرق الشاب محمدالبوعزيزي نفسه حسرةً وقهراً على الواقع الكئيب الذي آل اليه حاله ومثله احوال ملايين التونسيين من البطالة، والفقر، وقلة الوسيلة، مقابل صلف السلطات وانعدام فعلها، وغيابها عن واقع الناس الا من وسائل الحكم البوليسي والقمعي المسلَّط على اقاربهم.
الثورة ادَّت الى فرار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي واسرته، وقيام حكومة مؤقته هيَّأت لانتخابات برلمانية، فاز بها حزب النهضة الاسلامي. وهو بدوره انتخب لرئاسة الجمهورية احد رموز النضال وحقوق الانسان من غير التيار الاسلامي-المنصف المرزوقي- تعبيراً عن مرحلة ديمقراطية يسود فيها الاسلام المعتدل، المتآلف من القوى الوطنية النظيفة، بعيداً عن التقطّب والتطرُّف.
2-الثورة المصرية- وهي ثاني الثورات التي أسقطت حاكماً مستبداً. ولكنها اعظمها واكبرها اثراً، وذلك بسبب ضخامة مصر، وموقعها الاستراتيجي كاكبر دولة عربية، وكمفتاح للشرق الاوسط باكمله، انه عام المسيرات المليونية في ميدان التحرير التي اسقطت مبارك واسقطت حكومات مصرية عدَّه، واجبرت المجلس العسكري على القبض على مبارك وابنائه واقطاب حكمه وسوقهم للمحاكمة.ثم تحديد مواعيد الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية، والتي بدات بعض مراحلها ولم تكتمل بعد. وهي في طريقها لتتويج الاسلاميين لقيادة المرحلة القادمة. وهذا بحدِّ ذاته حدث تاريخي ضخم يعتبر نقلة غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث والعالم العربي.
3-الثورة الليبية- تحرك الشعب الليبي متاثراً بما جرى عن يمينه وشماله في تونس ومصر، وانتقلت الثورة بسرعة من مدينة الى اخرى حتى ظننا انها ستحسم في زمن قياسي لتصل الى الساحة الخضراء في طرابس خلال اسبوع او اسبوعين. ولكن القذافي حولها الى حرب ضروس، واستخدم كل ترسانته العسكرية ضد شعبه، وحصد الثوار حصداً، مما استدعى التدخل العربي ثم الدولي، لتكون المواجهة لتسعة شهور تقريباً انتهت بمقتل القذافي واعتقال رموز نظامه، وبعد سقوط طرابلس وباب العزيزية بايدي الثوار. ولتنتهي بذلك حقبة سوداء دامت اكثر من اربعة عقود من دكتاتورية القذافي، بمقتل الاخير، وهو اول زعيم عربي يقتل خلال الثورة ضده.
4-الثورة اليمنية- اما الشعب اليمني فما زال منذ عشرة اشهر يسيِّر مظاهرات بمئات الالاف يومياً. بدات بالمطالبة باسقاط نظام علي عبد الله صالح، وآلت الى اتفاق سلمي لتداول السلطة. اما الثوار فاستمروا في مسيراتهم المطالبة بمحاكمة رموز النظام وعلى راسهم الرئيس صالح بنفسه.
5-الثورة السورية- وما يزال الجرح السوري ينزف للشهر العاشر على التوالي. فالثورة عمت المدن السورية جميعاً تقريباً، تصدَّرتها بداية درعا، ثم برزت دير الزور والبوكمال وادلب، وتل الشغور، وغيرها، وآلت المواجهات العنيفة الى حمص. انشقاقات واسعة في صفوف الجيش ومواجهات دامية وقتلى بالعشرات يومياً ليقاربوا الستة الاف قتيل. وما يزال الموقف العربي والدولي يتلكآن، خوفاً من اثار التدخُّل الخارجي لانقاذ الشعب السوري.
6-انتفاضات وتحركات عربية اخرىمن اجل الاصلاح- تحرك من خلالها الشعب البحريني، والاردني والمغربي. حيث فاز الاسلاميون في انتخابات تشريعية جرت في المغرب تعد تاريخية كذلك.
عام العنصرية الاسرائيلية وعام النقب
زادت وتيرة سن القوانين العنصرية في اسرائيل بشكل غير مسبوق، ولم يعد بمقدور المواطن العربي القدرة على متابعتها لكثرتها، وقد بات جلياً ان تركيبة الائتلاف اليميني الذي يقود اسرائيل( نتنياهو، ليبرمان، باراك) يسوقهم الى الاصطدام مع كل محيطهم العربي والاسلامي. فمن حرب على الوجود العربي في النقب الى حرب على القدس والمقدسيين، وحرب على المساجد والمآذن واصطدام مع تركيا يصحبه توتر في العلاقات، وتحريض مستمر على الفلسطينيين لابطال قرار المصالحة بين فتح وحماس، ولمنع اعتراف دولي بفلسطين لعضوية الامم المتحدة.
اما في النقب فقد هُدمت العراقيب للمرة الثالثة والثلاثين، وهدمت القرى والتجمعات الاخرى وما تزال مهدده بجرافات الهدم. وخرج المواطنون العرب في النقب ثم في القدس مدعومين باخوانهم الفلسطينيين في الشمال والمركز في اضخم المظاهرات لاسقاط مخططات السلطة التدميرية للنقب.
امريكا تقتل ابن لادن، وتنسحب من العراق وتعد لضرب ايران
بعد عشر سنوات من اختفاءاسامة بن لادن عن الانظار، استطاعت المخابرات الامريكية تحديد مكان اقامته فاعدَّت الخطة المحكمة لاغتياله ثم القاء جثمانه في البحر، بحسب الرواية الامريكية. وفي الشهر الاخير من العام المنتهي سحبت امريكا معظم قواتها من العراق لتتفجر ازمة سياسية طائفية خطيرة في هذا البلد المنهك تهدِّد مستقبله وكيانه بالكامل.
ولعل ذلك بالتزامن مع اتمام صفقة تبادل الاسرى الفلسطينيين مع الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط، يُعدُّ من دلائل القرار المشترك للحرب على ايران.
ان كثرة الزيارات المتبادلة للطواقم الامنية ولوزراء الحرب الاسرائيلي والامريكي اضافة الى المناورات المتواصلة وتدريبات الجبهة الداخلية في اسرائيل كلها تُنبىء بقرب قيام امريكا واسرائيل بضربة مشتركة لايران، مع الاستعداد لاتساع نطاق الحرب لتشمل غزة ولبنان وسوريا.
فضائح وازمات في اسرائيل واوروبا وتسونامي في اليابان
المحكمة تقضي بسجن الرئيس السابق كتساف لسبع سنوات، وازمة البيت والمسكن تحرك عشرات الالاف في مسيرات ومظاهرات ضد غلاء المعيشة. والازمة الاقتصادية تضرب اوروبا وتهدد منطقة اليورو بانفكاك عقد اتحادها. وسقوط حكومات في ايطاليا واليونان على خلفية ازمات اقتصادية وما يزال الخطر يهدد اسبانيا ودول اخرى.
اما اليابان فقد ضربها اسوأ زلزال مصحوبا بتسونامي ادى الى تدمير مفاعلات نووية تهدد المنطقة برمتها خلفت دماراً واسعاً وعشرات الاف القتلى.
اي تركة يرثها العام الجديد
العام 2012 يتوقع له ان يتمم ما بدا به العام السابق. فالثورات المصرية والليبية واليمنية والسورية تبقي الابواب مفتوحة امام خيارات شعوبها. فمن حسم ثوري متوقع في سوريا اى اتمام انتخابات في الاقطار الاخرى، وتشكيل حكومات جديدة.
اما العراق فيتهددها خطر الحرب الاهلية . وايران تتهيأ لهجوم شامل من قبل امريكا واسرائيل قد يشعل المنطقة كلها، ويؤثر على كل مستقبل المنطقة. كما ونتوقع نهاية المسيرة السلمية بين اسرائيل والفلسطينيين، بعد تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وتأزم الوضع في القدس، ليعود حسم الملف الفلسطيني الى دائرة الصدام التاريخي والتدافع بين الجبهة العربية الاسلامية والجبهة الاسرائيلية الامريكية حتى يأتي الله بامره، ويبدو ان الامر قريباً.
والله غالب على امره

*رئيس ألحركة الإسلاميَّة..الجناح الجنوبي..فلسطين الداخل