أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الانقلاب الذكوري هل كان مؤامرة من الرجل أم مكيدة من الأنثى!!

بقلم : ديمة كرادشة  ... 28.12.2010

لقد إستحضرني موضوع المقالة حديث مع مجموعة من الأصدقاء ، تحدثنا فيها بمواضيع عديدة كالشؤون الاقتصادية والسياسية و كما هي العادة ،أن تختم الأحاديث بشؤون إجتماعية لابد وأن تتطرق إلى البحث عن الإانسان وحياته على هذا الكون ،إذ لا نستطيع أن نتحرر من كوننا "انسان اجتماعي" .فتطرقنا إلى تطور المجتمعات ومررنا بالمجتمع الأمومي ، وبرزت وجهتا نظر في نقطة التحول من المجتمع الأمومي الى المجتمع الأبوي أثارتا الجدل نوعا ما ، لذا إرتأيت أن أضعها في مقالة لأعرضها على القراء الأعزاء ونتحاور في تفسير وتأويل ما حدث مع المرأة عند مواجهة الانقلاب الذكوري ، كيف ولماذا حدث؟
ما الذي حدث لحظة التحول والتغيير لدى المرأة ؟ فإحدى النظريات تقول أن المرأة في المجتمع الأمومي كانت هي الخلية الأولى للمجتمع ، وذات مكانه إجتماعية عالية بل لقد وصلت إلى مرحلة التقديس في قدرتها على خلق الحياة لأابنائها ، حيث لم يكن الإنسان البدائي يفهم أسرار الحمل والولادة، فعبدها كإله وكانت رمزاً للطهارة والعفة والقوة . وما تلده من أطفال ينسبون إليها كونها هي التي ترعى وتربي، وتتمتع بحرية العلاقات الزوجية لدى عدد من القبائل ، كما أنها كانت تشارك الرجل في مواجهة كافة الصعوبات والمخاطر وبالتالي فهي متساوية معه في القضايا الإقتصادية والإخلاقية والجنسية .واستمر الحال حتى بدايات نشوء المجتمع الزراعي البدائي وهي ما تزال الشريك الكامل للرجل . إلى أن بدأت النوازع الفردية بالظهور لدى الرجل والرغبة في التملك والسيطرة وهنا لابد من معرفة ما الذي حدث ، هل هي مؤامرة من الرجل بأن بدأ ت نوازع الرغبة في التملك للارض والابناء الذين هم مصدر رزقه،فبدأ بإقصاء المرأة في داخل المنزل ووإشغالها في انجاب الابناء ورعايتهم ليكونوا سندا له وقوة ثم التدرج في تراجع مكانتها الاجتماعية شيئا فشيئا ، وسلب هذا التاريخ العريق منها ، وطمس معالم شخصيتها الإانسانية ، بل لم يكتفي بذلك بل مارس عليها كافة أنواع القمع والإضطهاد بكافة أشكاله وحرمها من أبسط حقوقها التي هي من صلبها ودمها ، وهم ابناؤها ، فجعلها أداة يوظفها حسب أهوائه ومصالحه .
ولنعود الى النقطة الأساسية والتي تبحث في أصل التحول في المجتمع الامومي ، فالرأي الأخر ينكر كل ما سبق من مؤامرات وإسقاطات ذكورية سلطوية ، ويقول أن ما حدث هو مكيدة من المرأة ، فهي في ذلك الوقت وخصوصاً في مجتمعات الصيد والزراعة البدائية ، وضعت الرجل في مواجهة المخاطر والبحث عن لقمة العيش وأخرجته من دائرتها الخاصة ، لتنعم هي وابنائها في الامن والامان . بل لقد تنازلت له عن ادوارها ومكانتها المتميزة لتبقى هي في مأمن لها ولآولادها . فهل يا ترى تلك المرأة التي عاشت في المجتمعات البدائية يدا بيد مع الرجل ، تواجه الحيوانات المفترسة وتصيدها وتقطف الثمار وتقطع البذور وتتمتع في نفس الوقت بالسلطة والقوة والمساواة مع شريكها الرجل ، تتنازل عن كل هذا فقط لتؤمن حياتها وحياة ابنائها ؟ هل يعني ذلك أنها كانت ضعيفة وغير قادرة على الإستمرار والمواجهه؟ ألم تكن تعرف بان ما سيحدث لها هو أعظم وأفظع من مجرد تغيير في الأدواروالمهام ، وهي بذلك قلبت الموازين ضدها . فأصبحت عبر التاريخ رمزا للشر وأصلا للخطيئة، و تملك الرجل المعرفة والعلم ، وسلبها حرية العقل والتفكير ، وجعلها ناقصة الأهلية في كل جزء من كيانها ، روحها وعقلها وحتى جسدها الذي اصبح رمز للدنس والنجاسة .
فبامتلاكه القلم ،رسم حياة المرأة حسب الصورة التي يريد ولونها بألوان تتناسب ورغباته وحاجاته فأحياناً كان يصورها بالغانية والعشيقة واحياناًَ اخرى بالساحرة والمشعوذة ووضع برواز مزركشا من التابوهات والمحرمات لا يمكن لأي كان لمسه او كسره وغيرها من اللوحات التي ما زلنا حتى يومنا هذا نحاول جاهدين تغيير ملامحها ليس فقط على مسرح الحياة بل من داخل ذواتنا ، فنجد انفسنا عاجزين لاننا ما زلنا بحاجة الى امتلاك المعرفة والعلم و تحرر العقل ، هذه الادوات التي كانت حكرا للرجال وبقيت المرأة مكبلة بسلاسل من المعتقدات والتقاليد التي أودعتها في سجن الحياة لعصور طويلة مظلمة.
فأي رأي هو الأكثر قبول ، هل هو الرأي القائل بانقلاب مخطط له ومدبر من الرجل أم هي لعبة ذكاء من المرأة . ما اريد الوصول اليه من هذا النقاش، هوالقول بأن التاريخ احيانا؛ بما فيه من أساطير وشرائع وروايات؛ طالما خطته يد الرجل فلابد أن ينحاز لبني جنسه ، وليضع التأويلات التي تتوافق ومصالحه ، لذا لابد لنا معشر النساء من اعادة قراءة التاريخ مرة اخرى بكافة مجالاته سواء الانسانية وتطورها ام الإجتماعية وحتى في مجالات التطور البيولوجي والعضوي . فمنذ أن بدأ الانسان (الرجل) في الدخول في بحور العلم والاكتشاف والمعرفة ، بدأت الأبحاث والعلوم تبحث وتتقصى من وجهة نظر الرجل فقط فهو العالم والفيلسوف والمفكر وهو الذي يمتلك علم المعرفة ، فنقرأ العديد من الدراسات والابحاث في مجالات متنوعة ولنأخذ على سبيل المثال ،علم النفس حيث ظهر علماء النفس ليتحدثون عن مشكلة نفسية للمرأة ومعاناتها ويقدمون الاسباب والحلول وكأن الرجل لا يعاني أبدا من أي مشاكل نفسية، فينسبون اليها انها الاكثر من تعاني الاكتئاب والانتحار وغيرها ولا نسمع عن ما يعانيه الرجل من امراض نفسية إلا في بعض القضايا والتي بدأت تظهر في العصر الحديث. اضف الى ذلك ما تظهر من عناوين طبية تتحدث عن معاناة المرأة الجسدية ، فنجدهم يتحدثون عن معاناة المرأة من الدورة الشهرية وتبعاتها ، وسن اليأس ، وداء الشقيقة وداء.....الى غيرها من الاسقاطات المرضية، لدرجة اصبحنا نؤمن بوجودها في اجسادنا وعقولنا. ولا نسمع أبداً عن شئ يؤرق راحة الرجل لا بمراحله العمرية المختلفة ولا بشخصيته ونفسيته الكاملة والمنزهه عن الخطأ . وكأن هذا الكائن لا يعاني من أي أزمات ،لا نفسية ، ولا جسدية ...طبعا لا ...لان الاسباب التي أوصلت المرأة الى كل هذه المعاناة ليست لضعف في جسدها وتكوينها ....بل بسبب ما اسقط عليها من مفاهيم وممارسات وافتراضات حولتها من إنسان كان يمتلك الحياة والقوة الى انسان لا يملك حتى جسده. لذلك أطالب كافة النساء ، كل في مجالها ، أن تعيد قراءة النظريات والفرضيات وتستخرج النتائج الواقعية ودون تحيز لأي جهة كانت ، وتستعيد مكانتها في كافة حقول العلم والادب ، وترسم لوحة فسيفسائية جميلة تجمع فيها كافة الالوان والاشكال وبيد إنسان وليس بيد رجل أو إمرأة.

المصدر : مركز مساواة المرأه