بقلم : عطا مناع ... 05.09.2011
أركان الإسلام خمسة وحق العودة هو الركن السادس، هذا هو شعار "مصطفى خميس "أبو بيبرس"، الذي قدر لي أن أكون معه في لحظاته الأخيرة، وقتها حاول الأطباء دون جدوى، حاولوا مساعدة هذا الرجل الثمانين الذي هجر من قرية بيت نتيف وحمل السلاح وعانى الاعتقال في السجون الإسرائيلية والعربية.
لا أريد أن احكي أبو بيبرس المناضل، حتى لا يتهم بالإرهاب في قبره، لكن لماذا لا نسمي الأمور بمسمياتها، فمن العار أن لا تعطي الإنسان أي إنسان حقه، وخاصة بعد أن يموت، لكنني افتقر إلى مًلكة التبجيل والتفخيم، ولا أريد أن تقتحم خربشاتي جمل التبيجل والاستجداء في حضرة إنسان أعطى عمرة لما آمن بة، مع العلم أن أبو بيبرس ليس فريداً، لكنة فريداً، وتكمن فرادته في أنة ظل على إيمانه بقضيته حتى الموت.
أخاف أن أقع في المحظور، والمحظور في خربشاتي التورط في الجمل الجاهزة، لكنني أتحدث عن جيل النكبة، وجيل النكبة له نكهة خاصة، فانا لا استطيع أن انسي كيف حمل هذا الرجل الثمانيني بندقيتة وجلس على مدخل المخيم حتى طلوع الفجر معتقداً أنة سيصد أي اجتياح احتلالي.
لقد امن أبو بيبرس بقضيته، وعاد إلى المخيم ليموت، لكن حظه العاثر أنة مات في الزمان الغير مناسب، لقد مات خلال انعقاد مؤتمر حركة فتح السابع الذي عقد في بيت لحم، وكانت بيت لحم وقتها مشغولة، ودفن أبو بيبرس كما سرير رقم 12 على ذمة غسان كنفاني، رغم أنة صال وجال لصبح عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني.
ماذا يعني أن تكون عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني؟؟؟ إلا يكفي أن تكون فلسطينيا؟؟؟ مصيبتنا يا أبو بيبرس في الأعضاء؟؟؟ يعتقدون أنهم قادرون على التحكم بأرواحنا، وبالفعل نجحوا في ذلك!!!! وحولونا إلى حطب لطموحاتهم التي لا علاقة لها بما وجدنا من أجلة، أصبحنا يا أبو بيبرس أسرى للراتب، واخشي ما أخشاه أن نتلقى رواتبنا من البنوك العبرية.
وقعت في الخطأ مرة أخرى..............
علي الابتعاد عن السياسة ومشاكلها، ومن المهم إبراز الجانب الإنساني في حياتنا، هل تعلموا إنني نسيت أبو بيبرس؟؟؟؟ ملامحه ضاعت وبقي صدي كلماته التي تؤكد ان حق العودة هو الركن السادس، هو ركن مقدس، ولا يمكن التفريط بحقنا وحلمنا بصرف النظر عن فساد السمكة، ولا يهمنا فساد الرأس أو الذيل.
لماذا جيل النكبة يتميز بالعصبية والغضب؟ هم رجالُ سريعوا الغضب؟؟ هل هي لعنة الهروب؟؟؟ إنها اللعنة؟؟؟ لعنة الهجرة والمخيم!!!! لكنهم قاوموا واستشهدوا وسجنوا وبقي في داخلهم بعض الغضب؟؟؟؟؟ وبالطبع قرعوا جدران الخزان في رحلة التيه.
لماذا الجيل الذي عايش النكبة متعب مثقلُ بالحزن؟؟؟ في شهر رمضان تابعت حلقة من برنامج أرزة وزيتونة الذي يقدمه الزميل ماهر لشلبي، وكان أن التقى برجال ثمانيني وسأله من أين أنت؟
إجابة أنا من حيفا؟
قال له شلبي لماذا تركت بلادك؟؟ امتزج الغضب مع دمعة أخفتها يده وقال؟
لقد حاربنا وقاومنا، لقد رحلت من السجن الإسرائيلي إلى لبنان؟
جاء السؤال..... هل أنت مشتاق؟؟
انهمرت دموع الكهل.... أعود إليها حافيا.
تهت بين الكلمات كما هي عادتي، ولكن ما أصعب ان تموت بعيداً عن وطنك، حيث نشأت وعشت أيام الطفولة والبلوغ، هذا هو حالهم هؤلاء الذين طوتهم الحياة وهم يتمنون ان يدفنوا فيها، أنا لا اقصد الضفة الغربية ولا قطاع غزة، أنها حيث كانوا رسمت على جباههم، وذا قدر لي ولكم ان نتذكر أو ننظر في جباة من تبقى منهم، حتما سنراها كما هي بترابها.
ما هذا الجنون؟؟؟ أيعقل أن تتخذ الأرض هيئة البشر؟؟؟ بالتأكيد نعم، ونعم كبيرة، الم يقولوا كلنا من ادم وادم من تراب، أليس كذلك يا عم أبو بيبرس، فالأرض تذكرنا أننا بشر، وليس مجرد لحوم مكدسة في المخيمات نستجدي حقنا الحتمي، حقنا الذي تحول إلى وليمة للبعض الذي يقول لنا : يا جماعة انتم في وطنكم ودعونا نستحضر ما تبقى منهم ليموتوا فيها وإلا فقد اعذر من انذر.
أكاد أن افشل فانا لا أتحدث وقائع، أنا اغرق في نفق مظلم من الأفكار، اعجز حتى اللحظة عن المسك بملكة الكتابة، ما الفرق؟؟؟؟ فانا انتمي لزمن العجز؟؟؟ وأنا وغيري وهم كثر نترتاد المساجد عاجزين؟؟؟ ونتشدق بحقوقنا لإخفاء عجزنا؟؟؟ ونبجل شهدائنا ونحن نتمسك بورقة التوت!!! أيعقل أن الواحد فينا تحول إلى أبو الخيزران دون أن يدري؟؟؟ أيعقل أن الأخر فينا منسجم مع المرحلة؟؟؟ وإذا كنا غير ذلك لماذا ننحني أمام قدرنا؟؟؟ هل اخطأ من قال ان القدر يستجيب للشعب إذا أراد الحياة؟؟؟ وهل تأقلمنا مع ظاهرة الموت المجاني وجحافل الشقراوات التي اقتحمت عالمنا؟؟؟
في إحدى المرات قالت لي صديقة، كنت أخاف من المخيم ، كانت تقصد مخيم الدهيشة في سنوات الثمانينيات، وعندما سألتها لماذا، قالت كنت أتساءل ما هي نوعية البشر الذي يعيشون وراء الجدار الذي يرتفع خمسة أمتار؟؟؟؟؟ صمت للحظة وقلت لها هم مثلي يمشون مثلكم، ويلبسون مثلكم، يناموا ويتكاثروا، والمختلف بينكم وبينهم أنهم يكدحون ويحاولون سرقة الابتسامة في غمرة منع التجول الليلي والفرق الإسرائيلية الخاصة التي لا تغادر المخيم.
للجدار الذي أقامة جيش الاحتلال أمام المخيم كمحاولة لمنع رشق سيارات المستوطنين بالحجارة في خربشاتي مكان، ولمحاولة فرضهم علينا ان نحُرس مستوطنيهم في خربشاتي مكان، وللصوت العالي الذي رفض عرض وزير الإسكان الإسرائيلي بن بورات في خربشاتي مكان، وللذين باعوا واشتروا فينا حيز لا بأس به في خربشاتي.
في هذه الأيام يجتاحنا العطش، فدولة الاحتلال تسطر على المياه كما كل شيء في وطننا المحتل، وفي هذه الحالة لا يرفع الشعب شعار إذا لم اشرب لا نزل المطر، الشعب يصبح فتوات المرحلة، عادي!!!!! دعة يعمل دعة يمر!!!!
لا زلت خائفاً من مواجهة الحقيقة!!! وكأنهم دجنوك وصادروا حلمك!!! أنت الذي تتشدق بتضحيات الذين سبقوا!!!! كم هو ثقيل هذا الحلم يا أبو بيبرس عندما نتحول إلى قتلة، علينا أن نعترف أننا قتلة، علينا أن نواجه الحقيقة، علينا أن نعترف أننا انحرفنا وضاعت منا الدفة، ولعل باسترجاع الحياة الأولى للذين امتزجوا في ترابها بعض الخلاص، هؤلاء الذين اتهمناهم بأنهم هربوا وباعوها!!!! فماذا عنا نحن؟؟؟؟
لقد كتب مكسيم غوركي الام، وفي خربشاتي القادمة قد امتلك بعض الجراة للحديث عن الام ومعانانتها، الام التي ماتت مرات ومرات قبل أن تموت........