بقلم : آمال عوّاد رضوان ... 08.09.2011
قامَ وفدٌ مِن المنتدى الثقافيّ في مسعدة بزيارة "جوقة الكروان" في مقرّها "المعهد الموسيقيّ" في عبلين، وذلك بتاريخ 3-9-2011، من أجل توطيد العلاقات الحميميّة بجوانبها الإنسانيّة والثقافيّة فيما بين الجسميْن المذكوريْن، وقد احتفت جوقة الكروان بمنتهى السعادة والترحاب بضيوفها الجولانيين وبمبادرتهم الطيبة، والسّابقة الأولى في العلاقات الكروانيّة الجولانيّة.
وقد تواصلت العلاقات بعد أن شاهد أعضاء المنتدى الثقافي المسعداوي جوقة الكروان في عرضها "اِحكيلي" في مدينة "كرميئيل"، وأعجب بمستوى أداء وحضور جوقة الكروان الفنيّ، فاستضاف جوقة الكروان للتعارف ولتوثيق العلاقة بين الطرفيْن، ثمّ استضافة جوقة الكروان في عرضها "اِحكيلي" على أرض مسعدة، والذي لاقى تجاوبًا واستحسانًا من كلا الطرفين أداءً وإصغاء.
وفي هذه الزيارة الحميمة قام إداريّو جوقة الكروان باستقبال المنتدى الثقافي المسعداوي، وأطلّوا مِن على سطح المعهد برؤية كاشفة على معالم عبلين، جوامعها وكنائسها ومدارسها وتلالها وبيوتها، والبلاد المجاورة والمحيطة مثل حيفا، عكا، والقرى الجليلية المحيطة، وقد تحدث أسامة دعيم أحد إداريّي جوقة الكروان وأحد أعضاء كورالها نبذة تاريخية عن عبلين وتاريخها جاء فيها:
هناك عبلين في جبال عجلون في الأردن، وهذه عبلين الفلسطينية في الجليل، يسكنها عرب فلسطينيون حوالي 10200 مواطن،54% منهم مسلمون و46% منهم مسيحيون، وتقدّر مساحة عبلين ب 18000 كيلومتر مربع.
عبلين الوادعة والمعطاءة تتوفر فيها معظم الخدمات والمرافق الحياتيّة الضروريّة، كعيادات المرضى والصيدليّات والمتنزهات ومحطات الوقود والمحلات التجارية بأنواعها.
في عبلين ثلاث كنائس: كنيسة مار جوارجيوس للروم الأرثوذكس، ويقوم على خدمة رعيتها الإيكنوموس سبريريدون عواد، وكنيسة مار جوارجيوس للرّوم الكاثوليك، وكنيسة "العظة على الجبل"، وكذلك مسجدان؛ الأول قديمٌ يعودُ تاريخه إلى منتصف القرن الثامن عشر، والمسجد الثاني حديث البناء في مدخل عبلين. وتقام في الكنائس والمسجدين الشعائر الدّينيّة وفعاليّات روحيّة واجتماعيّة لخدمة أبناء البلدة.
كان في عبلين مدرسة روسيّة أسستها البعثة الرّوسيّة القيصرية إلى فلسطين قبل الحرب العالميّة الأولى، والذين حالفهم الحظ بمتابعة الدّراسة أرسلهم ذووهم إلى الكلية العربية في القدس وإلى مؤسسات مشابهة في حيفا والناصرة.
لقد تأسست أول مدرسة ابتدائية في عبلين في العهد العثمانيّ عام 1901، ثم تأسّست أوّل مدرسة ابتدائية في العهد الانتدابيّ عام 1939، والتي تعرف حاليا بـ " مدرسة عبلين ب" حتى الصف الثامن، وتمّ تأسيس مدرسة ابتدائية أخرى للبنات عام 1942 حتى الصّف الرابع، وسرعان ما تحوّلت إلى مدرسة مختلطة في نهاية الانتداب البريطانيّ، ثمّ تمّ تأسيس مدرستيْن ابتدائيتيْن بعد عام 1948، وهما المدرسة أ والمدرسة ج، وتأسيس مدرسة إعداديّة ثمّ ثانوية عملت من مطلع السبعينات بصفة مستقلة حتى إغلاقها عام 1982، عند تأسيس مدرسة مار إلياس الثانوية.
يدرس عدد كبير من أبناء عبلين في المعاهد التعليمية العليا في البلاد وخارجها في عدة مواضيع، من أبرزها الهندسة والطب والصيدلة والحقوق والهندسة والتعليم.
تحظى عبلين بعدد من الخدمات التربوية والتعليمية، كمعاهد رعاية الطفولة والأولاد في ضائقة وغيرها، كمعهد الحنان ومعهد الأمل، ممّا تحمل من رسالة نبيلة في خدمة الانسان والحفاظ على كرامته ومكانته وسط مجتمعه.
في عبلين ثلاث سرايا كشفيّة: الأرثوذكسي والكاثوليكي والإسلامي تقدّم عروضًا كشفيّة رائعة في مناسبات دينيّة واجتماعيّة مختلفة ومشتركة، إذ عبلين وطن واحد يجمع أهلها تاريخ مشترك واحد، وتقاليد وعادات وقيم إنسانيّة واحدة.
تقع عبلين بين حيفا وعكا والناصرة، إلى الشرق من حيفا على بعد 25 كيلومترا، وشفاعمرو هي أقرب بلدة إليها.
تشير الآثار التي تمّ العثور عليها في عبلين وضواحيها إلى وجود أشكال متعددة للسكن البشري فيها، ومنذ عدة قرون قبل الميلاد، وقد مرّ فيها تجار وشعوب وأقوام مختلفة على مرّ العصور، تركوا بصماتهم الحضاريّة والعمرانيّة، وآثار عاداتهم وتقاليدهم على مجمل مركّبات الحياة في عبلين.
تمّ إقامة أوّل مجلس محلي في عبلين عام 1960، وقد ذكرت عبلين في التلمود والمشناه باسم أبلييم/ افلاييم، ويرجّح عدد من الباحثين أن تكون نواة عبلين القديمة من العهد الرومانيّ، ويعتقد البعض أن "عبلين" منسوب إلى أحد قادة الصّليبيّين "إفلين"، الذي حارب في فلسطين أيّام الحملات الصليبيّة، فسمّيت "بيت أبلين".
كما ذكرت عبلين في التوراة "العهد القديم" في سفر يشوع إصحاح 19 عدد 27، إذ إنّ حدود سبط بني آشر وصلت بلدة زبلون، وزبلون هذه هي نفس عبلين الحالية، التي كانت قائمة قبل تقسيم البلاد بين الأسباط اليهوديّة الإثني عشر.
ويُروى أن القائد الرومانيّ غالوس زحف إلى زبلون فهرب أهلها، وقام غالوس بإحراقها مع القرى التي حوْلها، ومرّت فترة طويلة دون أن يذكر اسم زبولون، إلى أن جاء العرب وحرّفوا اسم البلدة إلى عبلين، بعد أن استوطن قسم منهم فيها.
ويُروى أن "إبليم" بلدة يهودية قديمة ذكرت في التلمود وباللغة الأرامية وفي القرن الرابع ق.م، وقد عثرت بعثات التنقيب البريطانيّة زمن الانتداب على فلسطين، والبعثات الإسرائيلية بعد عام 1948 على مدافن كثيرة منقورة في الصخور، وعلى آبار لخزن المياه وبقايا مقابر وأساسات جدران، وبقايا حصن وأبراج مستديرة وزخارف، ونقوش وشمعدانات وأواني خزفية في عدد من مواقع القرية القديمة، كحجر نقش عليه صورة شمعدان، ووجد عام 1925 حجر آخر في ساحة كنيسة الروم الارثوذكس كتب عليه باللغة الآرامية القديمة، وفي وثيقة يهودية من القرن الحادي عشر موجودة في مكتبة جامعة كاميريدج في بريطانيا، ذكر اسم عائلة يهوديّة باسم عبلاني، والتي من المحتمل أن يكون أصل هذه العائلة من هذه البلدة!
كما كُتب عن عبلين في دائرة المعارف وعن تاريخها منذ فترة حكم ظاهر العمر في القرن الثامن عشر، إذ قام بتحصينها وبناء المسجد في عبلين قرابة سنة 1870، حيث بناه على أسس قديمة، وعلى بوابة المسجد كتابة تحتوي على اسم عائلة ظاهر العلي، وحينها شهدت عبلين تطوّرًا عمرانيًّا وتقدّمًا تجاريًّا.
وذكرت عبلين في القرن الحادي عشر الميلادي عندما زارها الرحالة الفارسي ناصر خسرو وكتب: "وبلغنا بلدة عبلين، وزرت قبر هودو بحظيرته شجرة الخرتوت، وكذلك زرت قبر النبي عزيز، وكان ذلك في 5 مايو سنة 1047م".
من مشاهير عبلين "عقيلة آغا الحاسي" المتوفي عام 1870م، والمدفون في عبلين بجانب أخيه صالح، وهو جزائريّ الأصل، هاجر والده موسى إلى شمال مصر ثم غزة، ووصل إلى ولاية عكا، وانضم إلى جيش إبراهيم باشا المصري عام 1832 حين احتل الأخير بلاد الشام، ثمّ انضمّ عقيلة إلى الثائرين على إبراهيم باشا، فشُرّد إلى شرقيّ الأردن حتى انتهى الحكم المصري عن بلاد الشام، فوصل إلى مرج ابن عامر ، وخدم الدولة العثمانيّة على رأس فرقة من رجال العشائر في طبريّا وصفد، وقدّم خدمات الحماية للرّحالة والبحاثة الأمريكي لينش عام 1848، حيث صدّ هجوم جماعة من العربان قرب البحر الميت على هذا الرّحّالة، وذاع صيته في البلاد وخارجها، فخططت الدّولة العثمانيّة للتخلص منه، خوفًا من استمرار ارتفاع مكانته، فاعتقلته ونفته إلى بلغاريا، ثمّ عاد إلى الجليل وصالحته الدّولة، وعرف عقيلة الحاسي بموقفه الشهم والنبيل عام 1860، عندما منع محاولات عدد من المسلمين في الجليل بالهجوم على قرى المسيحيين، ممّن عقدوا العزم بالقضاء على المسيحيين، استمرارا للفتنة الطائفية البغيضة التي عصفت بلبنان وسوريا في العام ذاته، فجمع عددًا من وجهاء وعقلاء المسلمين في عكا والناصرة، وعمل معهم على تجنيب الجليل خاصّة وفلسطين عامّة ويلات أشرس حرب كان من الممكن أن تُحدث خرابُا ووبالاً، وتصدّى لهم عقيلة وأفشل خططهم، ومقابل هذه الخدمات الجليلة للمجتمع العربيّ المسيحيّ في الجليل، أرسل نابليون الثالث ملك فرنسا لعقيلة الحاسي وسامًا ومسدّسًا تعبيرًا عن تقديره لموقفه وعمله النبيلين، في شدّ أزر وحدة أبناء الشعب الواحد من خلال حماية المسيحيين.
وفي القرن العشرين قام "نجيب نصّار" شيخ الصحافة الفلسطينية بجولة في فلسطين سنة 1925، وزار عبلين وقال عنها: "أمّا عبلين فبلدة قديمة حصّنَها الظواهرة، ويظهر أنّ الدولة العثمانية كانت تعتبرها مركزًا لحراسة وادي عبلين".
وعام النكبة 1948 أصاب أهل عبلين وعائلاتها ما أصاب قرانا العربية من تغريب ونزوح وتهجير، لكنها صمدت رغم كلّ الظروف المعيشيّة القاسية، واشتهرت بالمواسم الزراعية للخضار والدخان والزيتون وتربية المواشي حتى عام 2000، ولكن بسبب تعرّض الفلاحين إلى سلسلة من الضربات الموجعة من عمليات مصادرة مساحات شاسعة من أراضيهم الزراعيّة مِن قبل السلطات الاسرائيليّة على مدار العقود الماضية، وتقليص المساحات المخصّصة للزراعة، ولعدم توفر مؤسّسات أو هيئات أو شركات لجمع المحاصيل وتخزينها وتسويقها، واضطرار الفلاحين لبيع محاصيلهم لشركات احتكارية وبأسعار زهيدة، فكلّ هذه الظروف من خسائر وتخنيق وتضييق اقتصادي، دفعت كثيرين للجوء إلى أعمال البناء والخدمات في ميناء وخليج حيفا.
وأجمل ما قال شاعر عبلين الأستاذ جورج نجيب خليل في عبلين:
صدّقوني لو ملّكوني الثرَيا/ وطباق السما ونهر الكوثر/ وسفوح المريخ والأنجم الزهــ ــر، وقيد الزمان حتّى وأكثر/ لرفضت الدنيا إذا لم تكن فيـــ ــها (عبلين) زهرة الكون تظهر.
وبعد هذه النبذة قاموا معًا بجولة في المحيط القريب من المعهد الموسيقيّ، للتعرف على أحد أهمّ المواقع الأثريّة في عبلين، والتي لها تاريخها في الزمن العثماني والبيزنطي، ولا زالت هناك آثار من تلك الحقب الزمنية:
إنها معصرة الزيت القديمة في مركز عبلين- والذي بمحاذاته مزار الطوباوية مريم بواردي ابنة قرية عبلين العريقة.
في القسم الجنوبي من نواة عبلين القديمة، ما زالت قائمة إحدى المجموعات القليلة المتبقية من المباني التاريخيّة، التي تعود لنهاية الفترة العثمانيّة، وفترة الانتداب البريطانيّ في قرى الجليل.
هذا المكان هو مثال جيد للعمارة التقليديّة القديمة التي كانت قائمة في عبلين، تعود ملكيته لعائلة داود التي ما زالت تسكنه، والموقع يحوي عدة مبانٍ، أضخمها مسكن العائلة الذي بُني عام 1894، وهو مثال للبناء التقليديّ المميّز الذي ظهر في نهاية الفترة العثمانيّة، ومكوّن من ستة عقود حجريّة كبيرة ومرتفعة.
بجانب المنزل مبنى يحوي معصرة للزيتون، أنشئ عام 1926 واستعمل اصطبلا للحيوانات، وفي عام 1949 أقيمت فيه معصرة تعمل بمحرّك ديزل، واستمرّ العمل فيها حتى عام 1992، وما زالت آلاتها كاملة وموجودة حتى اليوم، تضم أحجار من الغرانيت لدرس الزيتون، ومكابس هيدروليكية لاستخراج العصارة من الزيتون بعد درسه، وهذه الأحجار والمكابس من صنع فرنسيّ.
تضمّ المعصرة أيضًا آلة لفصل الزيت عن العكر، تعمل بطريقه الطرد المركزيّ، وهي من صنع سويديّ، وكلّ هذه الآلات تعمل بمحرّك ديزل من صنع إنجليزيّ بقوة 17 حصان.
الآلات هي مثال للتكنولوجيا التي ظهرت خلال الثورة الصناعيّة، وخاصّة في الفترة ما بين الحربين العالميّتين، وبجانب مبنى المعصرة توجد غرفة تحوي خوابي إفرنجة، وهي جرار فخاريّة لخزن زيت الزيتون، صنعت في فرنسا وتعود لبداية القرن العشرين.
في موقع أيضا غرفتين من مباني العقود الحجريّة؛ الأوّل يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثامن عشر، واستعمل ديوانًا لاستقبال الضيوف، وبعدها أصبح مخزنًا لزيت الزيتون، والعقد الثاني بُني في نهاية القرن التاسع عشر، واستعمل مأوى للجِمال، وقد تمّت عمليّة ترميم العقديْن قبل عدّة سنوات.
في هذا الموقع مكان خاصّ ومميّز، وهو آثار بيت ولدت به الطوباويّة مريم بواردي، ولأنّ أهل عبلين الطيّبين حملوا رسالة المحبّة الإنسانيّة على مرّ الأجيال، فقد استقطبت عبلين الكثير من الزوار والوافدين إليها وقطنوها، و"خير الناس أنفعهم للناس"، كانت الراهبة والطوباوية "مريم بواردي"، قدّيسة عبلين وزهرة الجليل، ابنة حرفيش التي احتضنتها ربوع عبلين ورحابها منذ (1846 - 1878)، فانتسبت لدير الكرمليت، وقامت بنشاط واسع في عدة دول منها فرنسا والهند وفلسطين، وقامت ببناء دير الكرمليت في بيت لحم.
عام 1983 قام البابا يوحنا بولس الثاني بتطويبها، وهي مرحلة سابقة قبل إعلانها قدّيسة، وتُعدّ الطوباويّة الفلسطينية الأولى المعلنة منذ حوالي ألف سنة، وقد تحوّل موقع بيتها إلى مزار للمصلين منذ بداية القرن العشرين.
قبل حوالي سنتين وبمساعدة متطوعين من شباب عبلين، تمّت عملية الكشف عن آثار البيت، حيث ظهرت الأقسام السفليّة لجدران منزلها وأساسات قناطره الحجريّة التي حملت السقف، وبعدها بدأت عمليّة إعادة بناء المنزل، بالاعتماد على صور قديمة ووصف قديم للمنزل يعود لسنة 1924، باستعمال مواد بناء وأحجار مشابهة للمواد الأصليّة للمنزل، وبحسب مواصفات ومعايير متبعة في ترميم المواقع الأثريّة في العالم.
يستطيع الزائر أن يرى معظم معالم هذا البيت بالصورة التي كان بها قائمًا قبل أكثر من مئة سنة، وهي صورة مشابهة لكثير من بيوت فلاحي القرية المتواضعة، التي لم يبقَ منها سوى آثار لبيت واحد أو اثنين فقط في القرية.
بجانب بيت الطوباوية وفي إطار عمليّة تطوير الموقع، قامت سلطة الآثار قبل عدة سنوات بحفريات أثريّة لفحص الآثار الموجودة في الموقع، حيث تمّ الكشف عن آثار تدلّ على وجود استيطان شبه متواصل في القرية منذ الفترة الرّومانيّة إلى يومنا هذا، ومن أبرز هذه المكتشفات مغطس محفور في الصّخر، يعود للفترة الرّومانيّة، ومن الفترة البيزنطيّة تمّ الكشف عن بقايا منزل يضمّ عدّة غرف وبركة صغيره، ومن الفترة الصّليبيّة جدار ضخم يمكن أن يكون جزء من تحصينات.
إضافة لذلك هناك جدران بيوت وبلاط تعود للفترة العثمانيّة، فتم حتى الآن ترميم جزئيّ لهذه المكتشفات التى ستبقى معروضة لزوار المكان، كشاهد لتاريخ عبلين العريق.
إضافة للقيمة التراثيّة يحفظ هذا الموقع الكثير من القصص والذكريات لسكانه وسكان عبلين، والذين يتوارثونها جيلاً بعد جيل، بداية بالقصص ذات البعد الدينيّ التي تتعلق ببيت الطوباويّة مريم بواردي، إلى قصص أخرى في شؤؤن القرية والزراعة وذكريات عصر الزيتون في المعصرة.
من هذه القصص كانت إحدى العادات القائمة والتي استمرت حتى سنوات الستين من القرن الماضي، ويرويها معظم سكان القرية، حيث كانت كل زفة عرس في القرية وبدون استثناء، تمرّ وتدخل إلى ساحة المنزل حيث يستريحون، وتقدم لهم الحلوى والشراب ويستمرون بعدها في مسيرتهم.
وفي عام 1948 كان هذا الموقع نقطة مركزية للجيش الاسرائيلي أقام فيه، وخرج منه بعد أن انتهت أحداث النكبة.
بعد هذه الزيارة الخاطفة الثرية عاد الفريقان إلى المعهد الموسيقي مقرّ جوقة الكروان، حيث التأم الجمع على مائدة المحبة في وجبة عشاء، وبعدها رحّب وأهّل مايسترو جوقة الكروان الأستاذ نبيه عوّاد بالحضور، وقامت الفنانة فيفيان امطانس برجاس بالغناء الطربي، لتضفي جوا من المرح والإبداع، ويتبعها السيد مهدي صبرا من الجولان بوصلة جبلية من المواويل والميجانا، ومن ثمّ تمّ تداول كلمات واختتم اللقاء بكلمة شكر السيّد فريد السيد أحمد فقال:
أعتقد أن رؤى وأفكار وأمانٍ مشتركة تربطنا مع جوقة الكروان ومؤسسيها، والمنتدى الثقافيّ في مسعدة منذ تأسيسه قبل سنتين ونصف، آمن وما يزال، أنّ الحب نبيذ هذه الأرض، والعالم دنّ والأيّام كؤوس.
قالوا لنا أفكاركم حبلى بما لا يطيق الزمان ولا المكان، اِحملوا أحلامكم وامضوا..
أجبناهم: إذا كان ماضينا تجربة، سنجعل من غدنا معنى ورؤيا، فنخطو إلى غدنا واثقين بصدق الخيال ومعجزة العشق، ولأن الجولانيين في دياركم وربوعكم اهل وضيوف، فإن أهل الجولان يأتون الجولان مؤهلين مرحبين وليسوا ضيوف، ولكم أقول:
السلام السلام لفلسطين، للجولان للناصرة ولعبلين، بهم العروبة باقية زاهية صافية، لأطفالهم ولنسائهم ورجالهم كبرياء الكرام، الذي تسير به الحياة إلى أوجها الرحب.
عندما توفي أديب فرنسا العظيم أناتول فرانس، اكتفت جريدة الليفي كاردو الفرنسية بمانشيت بسيط على الصفحة الأولى مفاده: "لقد انخفض مستوى الأدب في فرنسا".
فهم الفرنسيون أن فرانس توفي، لأن مستوى الأدب بعد مماته لن يكون بالمستوى كما كان في حياته.
وبرأينا.. أنه عندما ستذكر الساعات التي كان فيها مستوى الفن عاليًا في الجولان، سنعني بذلك عندما صدحت في سماء الجولان جوقة الكروان، بعرضها الموسيقي الغنائي "اِحكيلي"، على أرض قرية مسعدة. فأهلا وسهلا بكم في الجولان.