أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
مصر الثورة..من يحاكم من؟!

بقلم : زياد ابوشاويش ... 21.01.2012

خطابان سمعناهما في الأيام الأخيرة من حراك مصر المحروسة يقدمان صورة واضحة لما وصلت إليه أمور الثورة المصرية المباركة، بل يمكن القول أنهما يلخصان حجم التناقض والعقبات التي تواجه الشباب الثوري الشجاع وهم يستجمعون ما بقي من قوتهم لاستكمال مسيرة الثورة التي صنعوها في الخامس والعشرين من كانون ثاني (يناير) 2011 وقد باتت حقول الألغام والمتفجرات تعترضهم وتملأ ميدان التحرير.
الخطاب الأول هو ما جاء على لسان السيد محمد البرادعي المرشح لمنصب رئيس مصر، والذي كان يوماً أقوى المنافسين على المنصب قبل أن تجرفه أمواج التغيير المعاكس لطموحه وطموح نسبة كبيرة من شباب مصر الحالمين بتغيير بلدهم نحو الحرية والتخلص من التبعية.
الخطاب الذي لخص فيه البرادعي أسباب انسحابه من السباق الرئاسي لانتخابات وعد المجلس العسكري أن تجري قبل نهاية حزيران (يونيو) من هذا العام. خطاب يمكن أن يلخص تعقيدات الواقع السياسي المصري على وجه الدقة ويعكس حالة الارتباك السائدة لدى جميع القوى السياسية وليس فقط عند البرادعي الذي يمكن أن يستعيد بعض توازنه بعد هذا الانسحاب المفاجئ والذي علق عليه المرشحون الآخرون بطريقة ودية وأبدوا أسفهم لهذا الانسحاب الذي لا شك سيفقد المنافسة على المنصب بعض حيويتها ووهجها رغم فرص الفوز الضئيلة للسيد البرادعي على ضوء نتائج انتخابات مجلس الشعب المصري في دوراته الثلاثة الأمر الذي نتج عنها خسارة كبيرة للرجل وما يمثل وعدم حصول تياره السياسي على أي نسبة تذكر من مقاعد مجلس الشعب.
إن كلام البرادعي حول الديمقراطية وتوفر النزاهة والظروف المواتية لانتخابات حرة وشفافة وإعادة التأكيد على أهمية التحول الثوري الذي فشل من وجهة نظره يثير العديد من الاستفسارات والتكهنات بشأن المستقبل القريب لمصر وثورتها، كما أن الرجل يحاكم واقعاً يراه معادياً لما نذر نفسه من أجل تغييره فيحكم عليه ويدينه، وربما في هذا بعض الصواب، ومن جهة أخرى يفتح طاقة الأمل بالعودة لما كان عليه الحال عشية الثورة معتبراً أن ما تم إنجازه قد تآكل بفعل عوامل متعددة لا يجرؤ على تحديدها بدقة خشية أن تنفجر به أحد تلك الألغام التي ذكرناها في بداية المقال عندما تحدثنا عن مسيرة الثورة وميدان التحرير.
بالطبع لا يمكننا الموافقة على خطاب البرادعي دون رؤية الصورة من جميع جوانبها، وقبل أن نستمع لرؤية آخرين شاركوا ولو متأخرين في الثورة وقدموا أيضاً شهداء في ميادين الفعل الثوري حتى وإن كانت مشاركتهم من خلفية ليس لها علاقة بالثورة في معناها الدقيق والحقيقي.
الصورة من وجهة نظرهم وردية ولا يتوقف الأمر عند هؤلاء على مكتسبات الشعب المصري واستعادته للحرية والكرامة الوطنية بل ربما القياس على مدى الشوط الذي قطعوه من أجل الحصول على حصتهم من كعكة السلطة ومغانم التحول حتى وإن كان شكلياً (بسبب سلوكهم بالذات) وعذرهم في هذا أن التغيير لا يمكن أن يكون صافياً إلا حين يمسكون بتلابيب التغيير ويقبضون على مفاصل السلطة ويحكمون الطوق على عنق المنافسين جميعهم.
التناقض هنا تلخصه رؤيتان حول الذكرى الأولى للثورة وكيف يجب أن يحييها الطرفان، رؤية ترى أن تحتفل مصر بهذا اليوم باعتباره عيداً وطنياً يستحق الرقص والغناء والاستعراض والفرح وغير ذلك من مظاهر العيد، وأخرى ترى أن الذكرى يجب أن تكون محطة نوعية للتقدم للأمام نحو تحقيق باقي أهداف الثورة التي لم تحقق حتى الآن في اعتقادهم سوى إقصاء مبارك ودائرته الضيقة عن السلطة مع بقاء النظام كما هو، وكما يمثله بدقة المجلس العسكري الحاكم بمصر، وينادي هذا الفريق بمليونية في كل ميادين التحرير بالمدن المصرية والاعتصام حتى يسلم العسكريون السلطة لقيادة مدنية، وتطهير أجهزة السلطة من أتباع النظام السابق بمن فيهم أعضاء المجلس العسكري.
إذن البرادعي وخطابه يلتقي موضوعياً بالطرف الثوري، بل ويتطابق معه في رؤية المسار الذي يجب أن تأخذه حركة الشارع في الأيام القادمة. وعلى نقيض هذا التوافق سنجد الاختلاف في الرؤية تجاه إستراتيجية العمل الوطني والقومي المصري الذي تلخصه وجهتان لا تلتقيان حول دور مصر العربي والموقف من الهيمنة الأمريكية والعلاقة مع الكيان الصهيوني.
لعل هذا التناقض يمثل النموذج الأوضح تجاه تعقيدات الواقع المصري وينسجم في شكله وطريقة التعبير عنه مع خطاب السيد البرادعي.
الخطاب الثاني هو ما قرأناه في ملخص مرافعة محامي الدفاع عن الرئيس المخلوع وتركيزه على الجوانب الإجرائية في عمل الرئيس وتواريخ قراراته وإلى ما هناك من جزئيات قصد منها إضاعة الوقت وإدخال القضية في تفريعات ومهاترات قانونية لا تخدم أي هدف أقيمت من أجله محاكمة الشعب المصري لرئيسه القاتل وما صنعه بمصر واقتصادها ومكانتها قبل أن يقتل المتظاهرين أو يتواطأ على قتلهم أو يسكت عنه.
المرافعة كذلك قدمت نموذجاً للتعريف بواقع الحال المصري وتعقيداته الراهنة وصعوبة التعرف على خارطة الطريق لمستقبل قريب فما بالك بفترة تمتد حتى الانتخابات الرئاسية التالية؟
إن شباب الثورة رغم قلة خبرتهم وتعدد مراكز القوة لديهم وتشتتهم بينها لا زالوا الأقدر على توضيح صورة مصر الحقيقية، هذه الصورة التي تلخص حلم الشعب المصري في وطن حر وكريم، وفي حياة يتوفر لها مقومات الكرامة الإنسانية والعدالة، وأظنهم الأكثر صواباً.